يتبوأ الخطاب مكانة هامة في مجتمعاتنا، سواء كان خطاباً سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً، وتأتي هذه الأهمية من عدة عوامل مترابطة، أولها طبيعة المنظومة السياسية الموجودة، ونوعية الخطاب الممارس من قبلها.

حيث يرتكز دستور وقوانين الدولة السورية على شرائع الدين الإسلامي، مما يجعل الخطاب الممارس من قبل السلطة أكثر تعقيداً نتيجة هذا الربط بين السياسة والدين، وتشكل البنى الاجتماعية المتنوعة خطاباً آخراً يحمل سمات سلطوية مختلفة عن الخطاب السياسي متمثلة بالأخلاقيات العامة والموانع التقليدية وإسقاطها على سلوكيات الأفراد والجماعات.

المرأة وبوصفها جزء من هذا المجتمع خاضعة لهذه الخطابات، وهي في محاولاتها لنيل حقوقها والخروج من أدوارها النمطية، غالباً ما تصطدم بسلوكيات ممارسات قمعية تحد من تقدمها في تحقيق مطالبها والحصول على ما تريد.

في السنوات الأخيرة ومع الانفتاح الذي شهده العالم، والمعرفة المتاحة للجميع وإمكانية التواصل بين الثقافات المختلفة، حصلت مجموعة من التغيرات على المفاهيم والسلوكيات الممارسة من قبل النساء في سوريا، حيث ازداد مستوى الوعي وبالتالي القدرة على فهم الذات والآخر، وتنبهت النساء إلى أن مساحة الحرية المتاحة لهن ضيقة جداً مقارنة بما في العالم، وأن بإمكانهن العمل على تغيير واقعهن الحالي، وإيجاد مساحات أوسع لهن في الفضاء العام، من الطبيعي أن تتبع هذه المعرفة والوعي تغير ولكن ما هو شكل هذا التغيير الذي حصل للمرأة في سوريا بعد سنوات الحرب والانفتاح؟

لم تتعامل جميع النساء في سوريا مع الانفتاح بنفس الطريقة، فهناك من تعاملن معه عن طريق محاكاة الشكل الخارجي لسلوكيات محددة دون أن تكون نابعة من ذواتهن أو مقاربة لقناعاتهن، وتبدو مشكلة هاته النسوة بوضوح عند تعرضهن لأي خطاب سلطوي من قبل الأسرة والمجتمع وانعدام قدرتهن على تحمل المسؤولية الكاملة لحياتهن مهما كانت درجة الحرية التي يتمتعن بها، فمعظمهن في لحظة ما يخضعن لرغبة خارجية بحجة أنهن الأضعف وغير قادرات على اتخاذ كافة التدابير لحياة حرة، وانعدام قدرتهن على تشكيل هوية واضحة لهن بعيدة عن رواسب التربية والأخلاقيات والأوامر والنواهي المترسخة بداخلهن.

ذهبت نساء أخريات للاستفادة من هذا الانفتاح في توعية المجتمع لأهمية دور المرأة ومكانتها، وذلك عبر تشكيل عدد كبير من المنظمات النسوية، التي تهتم بإقامة تدريبات ترفع من وعي المرأة بذاتها، وتنبهها على حقوقها المسلوبة، لم تستطع هذه المنظمات حتى الآن الوصول إلى هدفها، ولم تصل بخطابها لجميع النساء فنسبة النساء المحافظات واللواتي يعشن حياة تقليدية في سوريا أكبر  بكثير من اللواتي يمارسن حياتهن بشكل طبيعي، ضمن عمل محدد أو بمتابعة دراستهن، يكمن الخلل هنا في نوعية الخطاب الموجه أيضاً، فلا يمكن توجيه خطاب لفئة معينة وإغفال باقي فئات المجتمع، فمن المفترض أن يكون هذا الخطاب شامل وليس موضوعه وهدفه المرأة وحدها، فوضع المرأة له مسببات متعددة ومن أهمها السلطة الممارسة عليها بداية بالأسرة و انتهاءً بالسلطة السياسية، ولكي يصبح هذا الخطاب فعالاً وقادراً على التأثير يجب أن يكون موجهاً لكافة شرائح المجتمع رجالاً ونساء، رجال الدين ورجال المجتمع أيضاً ، وموجهاً للسلطة السياسية نفسها، عبر تفكيك الخطابات الموجودة، وتحليلها، وفهم التأثير الكبير الذي تركته هذه الخطابات في البنى النفسية للمرأة عبر سنين طويلة من اتباعه، وترسخه في الموروث الجمعي للمجتمع، ويتوجب أيضاً على المرأة نفسها أن لا تأخذ من الانفتاح قشوره أو تحاكي أنماطاً للمعيشة وسلوكيات لشعوب وثقافات أخرى، بل ما ينبغي عليها فعله هو فهم عميق لذاتها وللعوائق المجتمعية والثقافية الموجودة في بيئتها هي، والعمل على تخطيها وإيجاد نمط الحياة الذي يناسب كل مرحلة تنتقل بوعيها إليها وتطور ذاتها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.