أسهمت #الحرب في #سوريا في تضرر مؤسسات وشركات القطاع العام #الصناعي، وتضاعف حجم التحديات التي تواجهها الصناعة #السورية.

وتجلى ذلك بعد خروج مدخلات الصناعة من معادلة دعم الناتج المحلي الإجمالي، ومدّ #السوق المحلية بالسلع التي كانت تنتجها مؤسسات القطاع العام الصناعي (الهندسية والنسيجية والغذائية والكيميائية والتبغ والاسمنت) لكن لا يمكن إرجاع سبب تردي حال القطاع العام #الصناعي السوري بأعوام #الحرب السورية فقط.

وتعود مسيرة التراجع  إلى ما قبل 2011، إذ أن وضع القطاع العام الصناعي آنذاك لم يكن مريحاً  لأنه كان أصلاً في أزمة  لعدم قدرته أو تمكينه على زيادة قدرته التنافسية، سواءً أمام المنتجات المستوردة أو في النفاذ للأسواق المستهدفة.

ولم يكتب النجاح لإصدار قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي على مدى عقدين من الزمن، وبقيت التعامل في إطار الحلول الارتجالية التي اتخذتها السلطات، فلم تؤتي أكلها بل زاد من تردي وضع شركات القطاع الصناعي، نتيجة للفساد الذي ينتشر في مختلف مفاصله، وأصبحت محتويات شركاته عبارة عن خردة، لا تدعم الاقتصاد السوري، وعبئاً يستنزف موارد خزينته.

ما حقيقة أن الاقتصاد السوري كان قائماً على القطاع العام الصناعي؟

لم يلغ الاستنزاف الكبير الذي أصاب القطاع العام الصناعي السوري في سنوات الحرب، دوره في دعم الاقتصاد الوطني لسنوات سابقة، وبخاصة في فترة الثمانينيات، حين كان الحامل الرئيسي لهذا الاقتصاد.

لكن مع تعاقب الإدارات الفاشلة، والتي كانت تُعين بقرار من السلطات، التي أباحت للإدارات التعدي على المال العام بعيداً أي محاسبة، فجزء من هذه الأسباب، ساهمت في فشل هذا القطاع، ثم لتأتي الحرب في سوريا وتطلق رصاصة الرحمة على ما تبقى من شركات ومؤسسات كانت تحتضر.

وتغيب شركات القطاع العام الصناعي عن المشهد الاقتصادي السوري المؤثر منذ عشرات السنوات، لأسباب عديدة أبرزها انتشار الفساد في مفاصل شركات القطاع العام الصناعي، وتعاقب إداراته الفاشلة التي تعين وفق منطق الولاءات، علاوةً على غياب الرغبة لدى القائمين على هذا القطاع في السير بطريق التنمية وبخاصة أن آلات القطاع العام، قديمة ومستهلكة ولا تقوم بدورها  المطلوب منذ عام 1980 باستثناء مصانع الغزل والنسيج.

يعزو الأكاديمي الاقتصادي الدكتور “عماد الدين المصبح” أسباب ضعف هذا القطاع إلى ظروف نشأته وأسلوب تطويره، فيما يتعلق باعتماد الاقتصاد السوري على القطاع العام الصناعي.

ويقول الدكتور المصبح لموقع (الحل نت) إن «القطاع العام الصناعي لم يكن موجوداً قبل عام 1963 إلا في حدود ضيقة جداً، ولكن بعد استلام حزب البعث للسلطة في سوريا وموجة التأميمات  الطفولية للقطاع الخاص ومحاولة السلطات الانقلابية خلال الستينات تقليد النموذج الأوربي الشرقي، باتت الدولة السورية تخطط لبناء دولة صناعية قائمة على القطاع العام».

«ومع تسلم  حافظ الأسد السلطة توقفت حركة التأميمات مقابل زيادة حركة إنشاء شركات صناعية جديدة وخاصة بعد عام 1977 ودخول أموال خليجية مخصصة لدعم دول المواجهة مصر وسورية، حيث أنشأت السلطات السورية شركات موزعة على كل المحافظات السورية دون تخطيط اقتصادي حقيقي»، بحسب المصبح.

وأضاف «شهدنا على سبيل المثال قيام شركات صناعة الأحذية والألبسة الجاهزة والكونسروة وغيرها، وأصبحت شركات القطاع العام الصناعي برمتها عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد السوري ولا سيما في النصف الثاني من الثمانينيات، وصولاً إلى انهيارها كليا وموتها سريرياً دون إعلان ذلك في نهاية التسعينات من القرن العشرين».

وأكبر مثال على هذه الكارثة الاقتصادية وهدر الموارد شركة سيرونيكس التي تحولت من شركة للصناعات الإلكترونية نظرياً الى شركة لصناعة الأثاث المكتبي وألعاب الأطفال، وعلى الرغم من عودتها للإنتاج مجدداً لكنها بقيت عبئا على الاقتصاد السوري ومازالت، بحسب المصبح.

من يرسم السياسة الصناعية في سوريا الوزير أو الحكومة أم رجال الأعمال بما يحقق لهم الربح؟

لفت المصبح إلى أنه «لم يكن الوزراء أصحاب قرار في التخطيط والتنفيذ في القطاع العام الصناعي، ففي الفترة الأولى قاد هذا القطاع أشخاص عديمي الخبرة والدراية وبعضهم أمي ثم في حقبة السبعينات تم تسليم القطاع العام الصناعي لمدراء موالين لحافظ الأسد وتحت رعاية القيادة القطرية وتحديداً مكتب العمال القطري برئاسة عز الدين ناصر واستمر هذا النهج إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي».

وللمعلومة فإن “عز الدين ناصر” الرئيس الأسبق  للاتحاد العام لنقابات العمال كان مسؤولا عن تعيين أهم رجلين في شركات القطاع العام الصناعي هما المدير العام والبواب فأصبح التعيين يعتمد على الموالاة لشخصه، ورغم محاولة الإدارات الجديدة أن تعيد نسج الحياة إلى القطاع العام لكن السياسات الخفية أجهضت كل هذه المحاولات مع قطاع ميت سريرياً، على حد قول المصبح.

وهذا لا ينفي مطلقاً أن البورجوازية المستحدثة الفاسدة كانت هي المسؤولة عن ترشيح المدراء الجدد، وأوصلت إلى قمة هرم المؤسسات والشركات أشخاصاً متسلقين وفاسدين، أعلنوا عن شعارات الإصلاح ركوباً على موجة (الإصلاح الإداري والمؤسسي).

هل الاقتصاد السوري كان بيد مجموعة من رجال الأعمال المحسوبين على السلطات السورية وفي مقدمتهم “محمد مخلوف” ومن بعده ابنه “رامي مخلوف”؟

أشار الأكاديمي الاقتصادي الدكتور “عماد الدين المصبح” إلى أنه «في عهد الرئيس السوري بشار الأسد كان هناك سياستان الأولى علنية داعمة للقطاع العام والثانية سرية تعمل على هدم الأرض من تحته لمصلحة إعادة تدوير الثروة السورية لصالح برجوازية مستحدثة يقودها رامي مخلوف تحديداً مع بعض الفتات لرجال أعمال متسلقين ومنتمين إلى منظومة الفساد الرسمية، وطبعا منذ 2011 ومع انهيار الاقتصاد السوري لم يسلم القطاع العام الصناعي من الانهيار المتلاحق وتوقفت العديد من الشركات فعليا وأصبحت مساهمة القطاع العام في الناتج قريبة من الصفر».

وبما أن المشكلة لا تكمن في إصلاح القطاع العام الصناعي وإنما المشكلة في الاستراتيجية العامة للدولة، فمن خلال الرؤية الواضحة التنموية  يمكن تحديد عملية الإصلاح للقطاع العام بدلاً من طرح الشعارات التي لا تنفذ على أرض الواقع، وخاصة  بعد بداية الحرب في سوريا وتأثر الشركات الصناعية الحكومية والخاصة من العمليات العسكرية على الأرض وخروج غالبيتها من الخدمة.

وقدر مصدر في وزارة الصناعة السورية في تصريح صحفي، مؤخراً، عدد الشركات التي تنتظر صدور تشريعات بحلها بـنحو 30 شركة في مختلف المحافظات السورية وذلك بعد أن تعرضت للتدمير الكامل، يضاف إليها 10 شركات متوقفة عن الإنتاج قبل اندلاع الحرب في سوريا، بينما يبلغ العدد الكلي لشركات القطاع العام الصناعي 118 شركة، بينما تجاوز القيمة الاستبدالية للشركات العامة الصناعية المدمرة مبلغ 2600 مليار ليرة وفق إحصائية وزارة الصناعة الصادرة في عام 2016.

3 مراحل لازمة لتجاوز محنة الصناعة السورية

ويرى الخبير الاقتصادي والصناعي “فؤاد اللحام” أن «عملية إعادة تأهيل المنشآت الصناعية المتضررة لا يمكن أن تتحقق بنجاح، إذ تم اقتصارها على تأمين الأبنية والآلات والتجهيزات المدمرة فقط، بل لا بد من إعادة تأهيل الكفاءات القليلة المتبقية وتوفير الكفاءات في الاختصاصات الجديدة اللازمة التي تطلبها عملية إعادة البناء وتحديث الصناعة السورية وتطويرها خلال المرحلة القادمة».

وحدد اللحام في تصريح لموقع (الحل نت) ثلاثة مراحل لتجاوز المحنة التي تواجهها الصناعة السورية في هذه المرحلة، تتمثل أولاً «بإعادة التأهيل والتشغيل والعودة إلى ما كانت عليه قبل الحرب في سوريا»، وثانياً «استدراك ما فات هذه الصناعة من فرص النمو التي كان من الممكن تحقيقها خلال السنوات الثمان الماضية لولا حدوث الأزمة»، وثالثاً «الانتقال بالصناعة السورية إلى مرحلة جديدة من التميز والنهوض».

بالمحصلة، إن إعادة تأهيل القطاع الصناعي في سوريا بشقيه العام والخاص يرتبط بعودة الأمن والأمان وانتهاء العمليات العسكرية ومن ثم الانتقال إلى نظام ديمقراطي يحافظ على وحدة البلاد ويضمن تحقيق الاستقرار السياسي الذي يرتبط بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمتساوية لكافة المواطنين وفي معظم أنحاء سوريا، وبذلك نكون قد وضعنا خطوتنا الأولى على الطريق الصحيح، بعيداً عن أي مطبات قد تظهر مستقبلاً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.