كحال باقي الدساتير في المنطقة العربية لم يبتعد الدستور السوري الذي رعت تعديله حكومة دمشق عام 2012، عن الخطاب الذكوري، فأشار في أولى مواد الدستور إلى أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، بينما لم يذكر الدستور صراحة وبلغة واضحة لاتقبل التأويل دين رئيسة أو رئيس الدولة.

هذا الدستور الذي يدور النقاش حوله داخل أروقة اللجنة الدستورية التي أنشئت أواخر عام 2019، دون تحقيق أي تقدم يذكر، غابت عنه نقاشات مضامين دستورية تتعلق بالمرأة السورية وتعزيز حضورها بشكل حقيقي وبكامل المساواة مع الرجل. إلا أن وفد المعارضة السورية كلجنة مصغرة (15 عضو) على سبيل المثال يغيب حتى عن تمثيله نسبة كبيرة من السيدات، ويتم فقط الاكتفاء بـ”الكوتا النسائية” إرضاءا لمكتب المبعوث الأممي إلى سوريا، ومجلسه الاستشاري النسوي.

خطوة مهمة في تغيير النظرة المجتمعية؟

لقد تفاوتت مدى الحريات الممنوحة للمرأة في سوريا قبل عام 2011، لعدة اعتبارات قد يكون من أبرزها الانتماء الديني والعادات والتقاليد الاجتماعية المُقيدة للمرأة وعملها ونشاطها السياسي والمجتمعي وحتى وجودها كعنصر فاعل في المجتمع، وذلك لم يختلف كثيرا بعد الحراك الشعبي منذ منتصف عام 2011، إلا أن هذا الواقع لا يعني السماح بقبول تمثيل المرأة مجتمعيا وسياسيا على نحو خجول وعلى مضض من قبل ذكور تصدروا الحياة العامة في سوريا لسنوات طويلة. وفق ما قالته الناشطة النسوية، نسيبة زاهر، لـ”الحل نت”.

رغم أن المشاركة الفاعلة للمرأة في الحراك الشعبي اعتُبرت خطوة أولى باتجاه تغيير الثقافة المجتمعية وأيضا النظرة الدونية تجاهها. فالتقاليد المحافِظة التي تهيمن على العقلية العربية/السورية لم تحل دون مشاركة المرأة في الحراك الشعبي، يدا بيد مع الرجل. لكن ذلك لا يعني أن الطريق كان بسبب ذلك أو سيكون مفروشا بالورود،، وتضيف زاهر “هذا الأمر ولّد لدى مناصري قضايا المرأة تفاؤلا بأنها أوشكت أن تنتقل من موقع التابع إلى موقع الفاعل المؤثر، وأن تعزز وجودها على المستويين العددي والنوعي في المجال السياسي، إلا أن ذلك في سوريا يبدو أنه سيأخذ وقتا طويلا.

جاء في الفصل الثاني في الدستور السوري، والمتعلق بالسلطة التنفيذية، في المادة الرابعة والثمانون منه بأن المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية، يجب أن يكون متمما الأربعين عاما من عمره. وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، أن لا يكون متزوجاً من غير سورية (…).

أن يكون أولا يكون، لكن لم يذكر الفعل المؤنث، وبما أن اللغة العربية تخاطب الجموع بالمذكر فيمكن التغاضي عن ذلك لكن كانت العبارة واضحة في الفقرة الرابعة التي تقول، ألا يكون متزوجا من غير سورية. فهنا يتبين الفرق الواضح بين التذكير والتأنيث.

محاولات عدة سعت إليها منظمات حقوقية خلال وقت سابق، للوصول إلى دستور جندري يضمن المساواة بين الجنسين، لكن لم يؤخذ بأي جهود عملت عليها تلك المنظمات السورية. ومن المبادئ الدستورية التي طالبت بها المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة السورية هو أن تقوم الدولة السورية على أساس مبدأ المواطنة المتساوية ومبدأ فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة، وأن تكون جميع المواطنات والمواطنين متساوين في القانون وأمامه، دون تمييز بينهم بسبب الدين أو العرق أو القومية أو الجنس أو الرأي السياسي.

وأن يعطى لجميع المواطنات والمواطنين حق التمتع بالمشاركة السياسية وتولي المناصب العامة دون أي تمييز، وأن يكون لجميع المواطنات والمواطنين حق التمتع بالجنسية السورية، دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو القومية أو الجنس.

قوانين تُقيّد المرأة؟

بأي حال وبالنظر إلى حال المرأة السورية، فإنه ووفق القوانين التي تقيد المرأة، يتبين لنا أنه وبالتوازي مع دعم المرأة في ميادين الحياة العامة والسياسية منها على وجه التحديد تمهيدا لدعمها نحو منصب رئاسة الجمهورية، فإنه يتعين بداية أن تستطيع المرأة السورية تطليق نفسها إداريا، وألا أن يُسحب منها حضانة أولادها لأنها تزوجت، وألا يمكن ألا تكون قادرة على تزويج نفسها أو على الأقل تساوي شهادتها في الشرع نصف شهادة الذكر. بالتالي لا يمكن أن تتولى امرأة شؤون الدولة وهي لا تستطيع أن تكون ولية على أطفالها، أو قيّمة أو وصية إلا بإذن من القاضي الشرعي.

يسود شعور بأن الرافضين لفكرة أن تكون المرأة رئيسة دولة هم أكثر بكثير ممن يقبلونها، مدفوعين بذلك بنظرة اجتماعية “رجعية” تنطلق من عادات مجتمعية ذكورية في المنطقة العربية بغالبها، ومنها سوريا، حيث تستند تلك النظرة في جزء منها على الخوف من مخالفة حديث نبوي يقول “لا تفلح أمة ولوا أمرهم امرأة”. بحسب حديث الباحثة الاجتماعية، أنسام سعودي لـ”الحل نت”.

في سوريا أو أي دولة في المنطقة العربية، فإن المرأة لم تتول السلطة حتى الآن، لأن المرأة لم تنخرط في الجيش لاسيما وأن غالبية النظم قامت على انقلابات، وذلك بالتوازي مع تقزيم بعضا من رجال الدين المسيطرين على نسبة غالبة في المجتمع من مكانتها، وفق سعودي، فأصبحت المرأة في نظر المجتمع بفعل الترويج الديني ناقصة عقل ودين.

وتتابع “هناك من يستهزئ بالمرأة فيدعي استهزاء وتنمرا بأنها لاتصلح لقيادة السيارة فكيف بقيادة الدولة، فيشيع أن التصويت لها إذا ما ترشحت للرئاسة غير مؤهل لأنها حتى لن تفلح في قيادة المنزل”. وتضيف سعودي بأنه وفي ظل “غياب الديموقراطية التي تفترض تساوي الفرص لا يمكن الحديث عن تولي المرأة منصب القيادة الأول في الدولة”.

بينما قالت زاهر خلال حديثها لـ”الحل نت” إن “مقتضيات المجتمع الذكوري تعطي للذكور امتياز السلطة فهي من حقهم وحدهم لأنهم يفكرون أفضل من المرأة، إضافة إلى التفسير الخاطئ للدين. إن استمرار المرأة بالمحاولة وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون المجتمع متقبلا للفكرة وهذا لا يتأتى إلا من خلال المدرسة ووزارات التربية والتعليم والثقافة، من الإظهار بأن المرأة شريك، وعندها يبدأ التغيير”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.