يتحدث مختصون في الآثار عن الفرص التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي أمام مهربي وتجار الآثار في سوريا والعالم خلال سنوات الحرب، بعدما تحولت إلى ما يشبه المزاد العلني، في ظل استمرار عمليات تهريب الآثار من مختلف المناطق السورية بما فيها شمال وشرق البلاد.

“تهريب مستمر” 

وبحسب خبير الآثار السوري ياسر شوحان فإن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت لمهربي الآثار “عملية التواصل وإمكانية عرض القطع الأثرية وبيعها وألغت الوساطة ما بين البائع والمشتري”.

وأضاف شوحان أن “بعض منصات التواصل كموقع فيسبوك بدأت تتبع سياسة جديدة تهدف إلى تعقب مجموعات تهريب القطع الأثرية والإتجار بها، لكن رغم ذلك لا تزال عمليات التهريب تتزايد عبر الموقع”.

وأشار شوحان إلى أن “عمليات تهريب الآثار لا تزال مستمرة في سوريا سواء في المنطقة الشمالية الشرقية أو الشمالية الغربية وحتى الجنوبية على الرغم من وجود محاولات عديدة للحد من هذه الظاهرة”.

وتقدر مديرية الآثار والمتاحف في سوريا بتعرض نحو مليون قطعة أثرية سورية للسرقة والتهريب عبر الحدود مع تركيا وإسرائيل والأردن خلال سنوات الحرب.

وأوضح الخبير الأثري أن “هذه التجارة وعمليات التهريب تزايدت في الواقع منذ منتصف عام 2012 وبلغت ذروتها في مناطق شمال وشرق سوريا في عام 2017، ولكنها بدأت تتناقص تدريجيا أول بأول منذ العام 2019-2020 وحتى الآن”.

وبين شوحان أنه “لا توجد دراسة إحصائية دقيقة حول هذه المجموعات المعنية بتهريب وتجارة الآثار على مواقع التواصل، إلا أنه قدر أن يكون العدد قد تجاوز 200 مجموعة، حيث تضم كل منها عدد كبير من الأفراد المعنيين بتجارة وتهريب الآثار”.

واعتبر الخبير أن “عدد المجموعات قد يكون قليل نسبيا بشكل عالمي، إلا أنه ذو تأثير سلبي كبير جدا على المواقع، ذلك أنه يؤمن التواصل لهؤلاء الأفراد ويفتح الفرص لعمليات تهريب وتعديات جديدة على المواقع الأثرية”.

قد يهمك: “ظروف أمنية” أدت إلى تشويه الآثار السوريّة.. القصة الكاملة

معابر وأسواق تزييف

وفيما يتعلق بمعابر تهريب الآثار السورية، أوضح شوحان أن “لبنان ومن ثم الأردن ومن ثم تركيا كانت في ما مضى من أكثر المعابر التي يتم تهريب الآثار السورية عبرها، لكن تركيا باتت حاليا وبعدها لبنان ومن ثم الأردن ومن ثم العراق، حيث تشكل تركيا الحلقة الأهم ما بين المهربين والسماسرة والوسطاء”.

وأشار شوحان إلى أن تركيا “تعتبر واحدة من أكثر الدول التي يتم فيها تزييف القطع الأثرية في العالم، ذلك أنها تلعب دور وسيط، خاصة وأن الحضارات المحيطة بها متفردة، كما أن هناك أسواق خاصة في مدينة عنتاب تقوم بتزييف القطع الأثرية ومن ثم تباع على أنها قطع أصلية”.

ويقدر عدد المواقع الأثرية في سوريا بأكثر من 10 آلاف موقع أثري، منها 1000 تل أثري فقط في محافظة الحسكة لم يتم التنقيب عن 10 بالمئة منها حتى الآن. وعن أكثر المواقع الأثرية التي تعرضت للتخريب خلال الحرب، قال شوحان إنه “لا يوجد فعليا موقع أثري في سوريا لم يتم التعدي عليه، لكن المنطقة الأكثر سخونة كانت شمال سوريا وهي التي سيطرت تركيا على أجزاء واسعة منها، حيث تعرضت فيها مواقع للقصف من قبل القوات التركية، كموقع عين دارا الأثري بمنطقة عفرين، كما تم  تجريف مواقع عدة بالجرافات”.

وأضاف أن “هناك تعديات كبيرة جدا على موقع ماري وموقع الصالحية (دورا أوروبوس) بدير الزور، حيث تجاوزت نسبة التعديات على الأخير نسبة 35 بالمئة من الموقع الأثري مع تجريف وإزالة أجزاء كبيرة من التل”.

وأشار الخبير الأثري إلى “وقوع اعتداءات كبيرة على متحف الرقة الوطني وبعض المواقع الأثرية القريبة في الشمال السوري”، حيث تقدر مديرية الآثار السورية بتعرض متحف الرقة إلى سرقة ما لا يقل عن 6 آلاف قطعة أثرية.

وأوضح شوحان أن “مدينة تدمر الأثرية تعرضت لتدمير كبير للمفردات المعمارية والحضارية مثل معهد بيل والمصلبة وزوال قسم كبير من الأسواق الأثرية ونهب كثير من محتويات متحف تدمر و مستودعاته”.

استرداد مستقبلا؟ 

وعن إمكانية استرداد الأثار السورية المسروقة والمهربة خلال السنوات أشار الخبير الأثري إلى أن هذا “مرتبط بالقوائم التي تقوم بأعدادها مصالح الآثار في سوريا ورفعها للمجلس الأعلى الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة، كما أن الانتربول الدولي لديه قائمة بالقطع الأثرية التي تم نهبها من المتاحف”.

لكن شوحان أوضح أن “القطع الأثرية التي تم سرقتها من المواقع الأثرية من الصعب استردادها باعتبارها غير مسجلة، حيث تستند عمليات استعادة القطع الأثرية إلى وجود اتفاقيات مع الدول لاستعادة القطع الأثرية التي خرجت خلال الأزمات والصراع”.

وتتطلب الاستعادة بحسب الخبير، “تضافر الجهود على المستوى الدولي، وهو ما تضمنه اتفاقيات دولية كاتفاقية لاهاي واتفاقية طوكيو اللتان تضمنان الحفاظ على القطع الأثرية من النهب والسرقة وإعادتها للمنطقة التي سرقت منها”.

وياسر شوحان هو خريج قسم الأثار، جامعة دمشق 1994، عمل رئيسا لبعثات وطنية في عدد من المواقع منها تل القصبي وقلعة الرحبة في الميادين لخمسة مواسم تنقيبية، و رئيسا للجانب السوري لعدد من البعثات الأثرية السورية ـالأجنبية المشتركة كموقع الصالحية (دورا أوروبوس)، وموقع حلبية (زنوبيا) لثلاث مواسم، كما عمل رئيساً لدائرة آثار دير الزور 2005 ـ 2009 وأميناً مساعداً لمتحف دير الزور الوطني.

قد يهمك: اهتمام روسي بالسيطرة على الآثار السورية.. ما حقيقة المطامع؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.