على ضوء استثناء الولايات المتحدة الأميركية مناطق في شمال سوريا من العقوبات التي فرضتها في وقت سابق على سوريا، بدأت الأروقة السياسية في البلاد بطرح السيناريوهات التي من الممكن حدوثها بفعل الإعفاء من العقوبات الأميركية.

التنبؤ بإمكانية حدوث تقارب سياسي بين المعارضة المدعومة من تركيا والإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، كان المحور الأول للعديد من المراقبين، فيما كان المحور الثاني، هو نية استغلال تركيا لقرار الإعفاء الاقتصادي وتوظيفه لخدمة مشروعها إعادة مليون لاجئ سوري خلال الشهور المقبلة، فهل تكون عودة السوريين في تركيا إلى المناطق المعفاة في الشمال الغربي، بحجة أنها ستكون متاحة للاستثمار والإشغال الاقتصادي.

هل يبدأ التقارب السياسي؟

في إحاطة خاصة عبر الهاتف مع نائب مساعد وزير الخارجية لسوريا، إيثان غولدريتش، وإريك وودهاوس، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون مكافحة تمويل التهديدات والعقوبات، وزهرة بيل، مديرة مجلس الأمن القومي في العراق وسوريا، أمس الجمعة، شرح المتحدثون للصحفيين المشاركين كيف تم تصميم الرخصة الجديدة لتحسين الظروف الاقتصادية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة السلطات السورية، في شمال شرق وغرب سوريا، ودعم جهود الاستقرار الجارية في المنطقة، دون استفادة الحكومة السورية من ذلك.

غولدريتش، أكد استمرار واشنطن في استخدام العقوبات، حيث أنها تهدف إلى محاسبة الناس على الأفعال التي قاموا بها، وأميركا لن ترفع العقوبات عن دمشق أو أصدقائها، ولن يتم التطبيع معها، حتى يتم إحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي للصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وفي هذا السياق، وائل علوان، الباحث في مركز “جسور” للدراسات، كشف خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن أحد الأهداف غير المباشرة والبعيدة للولايات المتحدة الأميركية من هذا الإعفاء، هو إيجاد أسباب لتقارب مناطق المعارضة ومناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا.

وأوضح علوان، أنه خلال اجتماع مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون المشرق والمبعوث الخاص لسوريا، جويل رايبورن، بعد قرار الإعفاء، صرح أن القرار بشكل عام هو من أجل خلق فرص أكبر لعدم الانهيار في مناطق المعارضة ومناطق الإدارة الذاتية.

وأشار علوان، إلى أن هذا الاستثناء هو تصحيح لقانون “قيصر”، وجزء من عدم وجود تداعيات غير مرغوبة للقانون، إضافة إلى أن يكون هناك بشكل أو بآخر تمايز واضح بين المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، والمناطق الخاضعة لها، وهذه استراتيجية أميركية ليكون هناك تمايز بمناطق منفتحة على الديموقراطية وعلى المجتمع الغربي، ومدعومة من قبلها، و”مناطق خاضعة لسيطرة واستبداد النظام وعلى علاقة مع الروس ومع حلفاء روسيا”.

الاختلاف في الحالة السورية

في السياق ذاته، الناشط السياسي، والحقوقي جوان يوسف، خلال حديثه لـ”الحل نت”، اعتبر أن الاقتصاد هو العامل الرئيسي وربما الأساسي في دمج المجتمعات، وبالتالي إزالة العوائق والخلافات السياسية في جانبين، الأول في المجتمع الواحد عندما يشكل الاقتصاد البنية التحتية له، والثاني بين المجتمعات المتجاورة أو بين الدول عندما يتحرك وفق بنيته الداخلية.

وتابع يوسف، “كلا الحالتين مفقودتين في الحالة السورية المذكورة، فكلا الحالتين تتحركان وفق المنطق الداخلي المختلف، وهما تتحركان بفعل عوامل سياسية صرفة، لها خلفيات وأهداف مختلفة، ويضاف إلى ذلك، أن المعارضة السورية ليس لها ذاك الدور الذي يمكن التعويل عليه، بحكم خضوعها التام اقتصاديا وسياسيا وأيديولوجيا لدولة خارجية، لها مصالح مختلفة عمّا يطمح إليه السوريين بالعام، وليس على المستوى الخاص الموجود تحت الهيمنة التركية”.

ويعتقد يوسف، أن التقارب السياسي بين المعارضة المدعومة من أنقرة والإدارة الذاتية، مستبعد في إطاره العام، أما في المجال الخاص المتعلق بعمليات تبادل هنا وهناك فهي موجودة، ومن الصعب البناء عليها، لأنها لا تمتلك الإطار القانوني والرسمي لتلك العمليات.

استغلال سياسي تركي للقرار؟

قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات عن جزء من الأراضي السورية، أدى إلى تسليط الضوء على السياسة الخارجية المعقدة التي تنتهجها أنقرة تجاه المنطقة، وبدا ذلك من خلال تصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو، الذي أكد عزم بلاده بناء 100 ألف منزل في المنطقة لإعادة اللاجئين السوريين، مطالبا المجتمع الدولي دعم ذلك.

تصريحات الحكومة التركية، أثارت حالة استغراب في وسائل الإعلام السورية، إذ قال الكاتب والصحفي، عقيل حسين، لـ”الحل نت”، أنه من حيث المبدأ هذه الإعفاءات تصب في صالح تركيا من الناحية الاقتصادية بشكل لا شك فيه. لأن هذه المناطق عندما تنفتح على الاستثمارات وعلى الأسواق الخارجية، فإن الشركات والأسواق التركية والاستثمارات والصادرات التركية، هي المستفيد الأول بحكم الموقع الجغرافي،

وتابع، “أنا أستغرب الموقف الرافض وبشكل حازم وحاسم، من قبل تركيا لخطوة الإدارة الأميركية بإعفاء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وأعتقد أن ذلك الرفض وهذه التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أتراك هي لاعتبارات انتخابية وسياسية محلية”.

وأشار حسين، أنه ليس فقط أن تركيا سوف تستغل هذه الإعفاءات لتعزيز خطتها من أجل عودة مليون لاجئ سوري إلى هذه المناطق، بل يعتقد أن خطة تركيا التي أعلنت عنها بهذا الخصوص مبنية بالأصل أو على الأقل في بعض جوانبها على علم مسبق بهذه الإعفاءات.

وبالتالي، ستقول تركيا إن المنطقة مؤهلة أكثر لعودة أو إعادة هذا الرقم من اللاجئين السوريين، وستمنح هذه الإعفاءات تركيا مزيد من الثقة للمضي قدما في خطتها هذه. ومن ناحية أخرى ستساعد بلا شك هذه الإعفاءات في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق اقتصاديا من حيث المبدأ.

الولايات المتحدة تخفف العقوبات على شمال سوريا

وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، أصدر في 12 أيار/مايو الجاري، رخصة عامة جديدة تسمح باستثمارات القطاع الخاص وأنشطة أخرى في المناطق غير الخاضعة لسيطرة دمشق في شمال شرق وغرب سوريا، ويدعم التفويض الجديد استراتيجية إدارة بايدن لهزيمة تنظيم ” داعش”، من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة من سيطرة الجماعة الإرهابية.

غولدريتش، خلال الإحاطة التي قدمها أمس الجمعة، قال إنه تم تصميم الرخصة العامة لتحسين الظروف الاقتصادية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ودعما لجهود تحقيق الاستقرار، ولا يسمح التفويض بأي نشاط مع الحكومة السورية أو غيرهم من الأشخاص الخاضعين للعقوبات.

كما أشار، إلى أن القرار لا يغير عقوبات مكافحة الإرهاب الحالية، وجهود تحقيق الاستقرار – بما في ذلك استعادة الخدمات الأساسية، وتعزيز فرص كسب العيش لمساعدة السوريين على العودة إلى الحياة الطبيعية، وتقديم الدعم للأفراد العائدين من النزوح وكذلك المجتمعات التي تستقبلهم.

وتهدف الرخصة السورية العامة رقم 22، إلى إثبات أن العقوبات الأميركية تهدف إلى الضغط على السلطات السورية، وليس الشعب السوري، بما في ذلك الأشخاص في المناطق الخارجة عن سيطرتها، مضيفا، “عقوباتنا تستهدف النظام والأشخاص المحيطين به، وليس الأشخاص الموجودين في مناطق لا تخضع حتى لسيطرة النظام”.

وأوضح نائب مساعد وزير الخارجية، أن “هذا التفويض لا يلغي أي عقوبات سورية على نظام الأسد، ولا يسمح بأي تعاملات مع نظام الأسد، لذا ما فعلناه اليوم ليس تنازلا عن العقوبات، وتظل العقوبات على سوريا أداة حيوية للضغط من أجل المساءلة في سوريا، خاصة بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

وفي حديثه، أكد غولدريتش، أن هذا ترخيص عام مفتوح، لأي شركة مهتمة بفرص الاستثمار الخاص في قطاعات الاقتصاد التي يتم تحديد نطاقها في الترخيص، وفي المناطق الجغرافية التي يشملها الترخيص. منوها إلى أنها ليست خطوة سياسية، إنها خطوة اقتصادية وخطوة استقرار للمساعدة في تحسين ظروف الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق، وجلب المزيد من الدخل إلى المناطق التي فقط كانت تستفيد من خلال المساعدة الإنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.