عديدة هي التقارير التي أشارت مؤخرا إلى احتمالية أن تتجه كل من دمشق وأنقرة لتوقيع اتفاقية برعاية روسية تكون نسخة مطورة عن اتفاقية أضنة للعام 1998، هذه الاتفاقية تحمل مضامين أمنية جديدة مختلفة عما كان عليه الحال قبل أكثر من عشرين عاما.

الاتفاقية الجديدة تنطلق من افتراض الحديث عن بنود قدمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، خلال لقائهما في مدينة سوتشي الروسية، يوم الجمعة الماضي (5 آب/أغسطس)، حيث حملت أبرز تلك البنود إشارة صريحة برعاية روسيا لاجتماعات أمنية بين أنقرة ودمشق.

صحيح أن الاجتماعات الأمنية بين الطرفين ليست بالأمر الجديد وهو أمر تم الاعتراف به من قبلهما عبر تصريحات رسمية خلال السنوات الماضية، إلا أن طرح الاجتماعات الأمنية من أجل وقف العملية العسكرية المحتملة في مناطق من الشمال السوري، يحمل في طياته على ما يبدو مسعى روسي لتحديث اتفاقية أضنة من أجل إعطاء أنقرة تطمينات أمنية تحفظ مشروع نفوذها المتغول في الشمال السوري.

تعديل يستثني التوغل البري؟

لا يعني الطرح الروسي إذا ما كان دقيقا حيال رعاية الاجتماعات الأمنية بين دمشق وأنقرة؛ إلى جانب تنسيق عسكري وتعاون مشترك بين دمشق و”قسد” برعاية روسية أيضا، أن هذا أمر قابل للتنفيذ المباشر، فهناك عوائق عدة قد تقف أمام هذه الطروحات، لا سيما وأن التفاهمات بين الطرفين في أحيان كانت مجرد حبر على ورق ولعل اتفاق موسكو (آذار 2020) حول الشمال السوري خير دليل على البنود غير المنفذة بين الطرفين، سواء كان من الجانب الروسي أم التركي، فلم تلتزم أنقرة بوعودها حيال وجود القوى الإرهابية في جنوبي منطقة إدلب، كما لم تلتزم روسيا بالتراجع عن أي منطقة هناك فضلا عن خرق مستمر للتهدئة. لذا فإن ما يحكم الاتفاقات بين الطرفين مدى الخلافات أو التوافقات بينهما حيال ملفات أخرى ارتبط بها الملف السوري عضويا، فضلا عن وجود عوائق ثانية تتعلق بالأطراف الأخرى الفاعلة على الأرض السورية.

احتمالات اتجاه موسكو لتفعيل اتفاقية أضنة جديدة قد تسمح بتدخل تركي أكبر داخل سوريا إذا ما احتاجت أنقرة ذلك تتجاوز المسافة المتفق عليها في اتفاقية أضنة عام 1998، لا يستبعدها الباحث والأكاديمي بالعلاقات الدولية، الدكتور علي بوركو.

ويقول بوركو، لـ”الحل نت”، إن روسيا ربما تقترح على تركيا حلا مناسبا يوقف أي تهديدات عسكرية تركية، من خلال فتح المجال الجوي أمام الطائرات التركية سواء الآلية (بدون طيار) أو الحربية التابعة لسلاح الجوي التركي، فيما ستبقى الاتفاقيات البرية بين الطرفين سارية المفعول.

ويرجع قبول تركيا وتراجعها عن العملية العسكرية برأي بوركو، إلى أنه إذا طبقت سوريا وتركيا اتفاقية أضنة أو أي تعديل عليها، فلن يكون ذلك في مصلحة تركيا لأنها تحد من وجودها العسكري وتجبرها على الاعتراف بالحكومة السورية، والرئيس السوري، بشار الأسد.

إحياء اتفاقية أم مسار جديد؟

تختلف بنود اتفاقية أضنة وبنود الاتفاق التركي – الروسي حيال شمال وشرق سوريا، والذي جرى التوصل إليه عقب العملية العسكرية التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

في العام 2019، توصلت تركيا مع روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاقين منفصلين، وذلك عقب عملية ما تسمى “نبع السلام”، التي سيطرت فيها تركيا و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من قبلها على منطقتي تل أبيض ورأس العين في شمال شرق سوريا، ونص الاتفاقان حينها على توغل القوات التركية بعمق من 32 إلى 35 كيلومترا لضمان أمن حدودها.

تطبيق الاتفاق الجديد باعتقاد بوركو، يأتي من منطلق الحد من مخاوف تركيا، وأيضا لإيقاف توسيع تواجدها العسكري على الأراضي السورية، ولذلك فإن موسكو ستقبل به، خصوصا وأن المنطقة التي ستستهدفها الطائرات التركية لا توجد فيها قواعد روسية أو قوات تابعة للجيش السوري.

وطبقا لحديث بوركو، فإن قبول موسكو بهذا الاتفاق يمنع توغلات أنقرة الجديدة لربط “جيوبها” العسكرية في شمال سوريا، وهي “درع الفرات” شمال حلب الذي أنشئت عام 2016، و”غصن الزيتون” في عفرين عام 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات عام 2019.

ويعتقد الباحث السياسي، أنه مثلما نفذت روسيا اتفاقية “فك الارتباط” بين سوريا وإسرائيل ونشرت قوات دولية في الجولان، فإنها تسعى إلى تفعيل الاتفاقات المؤقتة، وإلى إعادة تفعيل اتفاقية أضنة، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لـ “إضفاء الشرعية” على الحكومة السورية.

ما هي اتفاقية أضنة؟

في مدينة أضنة التركية عام 1998، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية لنزع فتيل التوتر الذي دفع البلدين إلى شفا الحرب. إذ كانت العلاقات السورية التركية متوترة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وخصوصا حول ترسيم الحدود بين سوريا.

في التسعينيات، وصلت العلاقة إلى نقطة الغليان عندما قررت الحكومة التركية بناء نظام سدود ضخم على نهري دجلة والفرات، والذي يبدأ في شرق تركيا، ويمر عبر سوريا، وينتهي في العراق، مما يهدد تدفق المياه إلى سوريا ويعرض مناطقها الزراعية للخطر، وردا على ذلك، زادت الحكومة السورية من دعمها لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا.

جاءت اتفاقية أضنة نتيجة جهود وساطة من جانب مصر وإيران وإرضاء المطالب التركية بأن تنهي سوريا دعمها لـ”حزب العمال الكردستاني”، وإعلان الجماعة منظمة “إرهابية”، وطرد زعيمها عبد الله أوجلان من البلاد.

الاتفاقية لا تزال سارية من الناحية الفنية، إذ بموجب اتفاقية أضنة، يحق لتركيا مطاردة مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الحدود مع سوريا دون البقاء لفترة طويلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.