بعد موجة الاستهدافات التي ضربت أذرع إيران في سوريا خلال الأسبوع السابق وحتى صباح الجمعة الفائت، برزت تقارير غربية تفيد بأن دمشق متخوفة بأن تتسبب طهران في جرها إلى حرب مع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة بشكل مباشر.

تقرير لصيحفة “نيويورك تايمز” الأميركية، كشف عن طلب دمشق من حلفائها الإيرانيين وأتباعهم في “حزب الله” اللبناني بعدم الرد على إسرائيل من الأرض السورية، بالمقابل هدد الإيرانيين بأن أي ضربة إسرائيلية على المواقع الإيرانية في الأرض السورية سيكون الرد عليها في مناطق التواجد الأميركي وأبرزها قاعدة “التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش” بمنطقة التنف شرقي سوريا.

هذه التطورات تشير إلى أن سياسة جديدة ترسم قواعد متقدمة لمواجهة التوترات التي تفتعلها إيران، في حين قد تكون التهديدات الإيرانية بمثابة محرك رئيسي لضرب التواجد الإيراني في سوريا سواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل بشكل منفرد، فما هو مستقبل التصعيد على الأرض السورية فيما يتعلق بالغارات الإسرائيلية والتهديدات الإيرانية، وكذلك قواعد الاشتباك الجديدة التي ترسمها الولايات المتحدة بعد قصف واشنطن لقاعدة عسكرية تتبع لـ”الحرس الثوري” الإيراني في منطقة بمحافظة دير الزور منذ أيام.

انقسام داخلي لتأجيج الوضع

يبدو أن دمشق التي باتت أقرب لنهج سياسة تصفير العداء للخروج من قوقعة العزلة التي فرضتها عليها الدول خلال السنوات السابقة، ترى في الصراع الإيراني الأميركي الإسرائيلي عقبة، لا سيما أن طهران تتخذ من الأراضي السورية قاعدة لتنفيذ أجنداتها التوسعية وتهديداتها العسكرية لهذه الدول.

يقول الباحث السياسي، وليد طوقان، لـ”الحل نت”، إن الهجمات في سوريا لا تتعلق بالمفاوضات بشأن الصفقة الإيرانية، لكن الشاشة المنقسمة تسلط الضوء على التحدي الذي تواجهه الإدارة الأميركية في إحراز تقدم في إحدى أولوياتها الرئيسية في الشرق الأوسط عبر إعادة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي، بينما يواصل وكلاء طهران إثارة العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

ويشير طوقان، إلى أنه عندما تقترب الولايات المتحدة وإيران من مفاوضات ناجحة، يحاول اللاعبون في إيران تعطيلها، خصوصا وأن عناصر من “الحرس الثوري” الإيراني يعارضون الصفقة، والهدف واحد هو خلق أزمة تجعل الدبلوماسية مستحيلة، صفقة لا يمكن تحقيقها.

ويرى طوقان، أن هذا الانقسام ستبدو ملامحه ليس فقط على الأرض السورية فحسب، بل في كل دولة تتواجد فيها القوات الأميركية والقوات الموالية للذراع الإيراني الرافض للصفقة، وربما أبرز هذه الدول التي ستبدو عليها السياسية الجديدة هي العراق وسوريا بسبب كثافة النفوذ الإيراني فيهما.

ولذلك، يعتقد الباحث السياسي، أن إسرائيل استبقت الأحداث، وطلبت من واشنطن أن يبقى الخيار العسكري متاحا لضرب أذرع إيران وأي أنشطة نووية قد تفعلها هذه القوى المناهضة للاتفاق، وعليه أيضا تحركت دمشق من أجل كبح جماع هذه القوى على الأراضي السورية.

رسالة مزدوجة لإيران

يوم الثلاثاء الفائت، بناء على أوامر من الرئيس الأميركي، جو بايدن، قصفت الطائرات المقاتلة الأميركية دير الزور في سوريا وتحديدا المخابئ التي تستخدمها الجماعات التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”، وقال كولين كال، كبير مسؤولي السياسة في “البنتاغون”، إن الجيش الأميركي حدد في البداية 11 هدفا في الموقع، لكنه أصاب تسعة أهداف فقط في النهاية بسبب وجود أدلة على تحرك بالقرب من اثنين من المخابئ قبل وقت قصير من الغارة.

اعتبر مركز “جسور للدراسات”، أن التصعيد الأميركي الأخير ضد الميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور، لم يكن مجرد رد في إطار قواعد الاشتباك، وحمل رسائل مزدوجة لطهران.

وقال المركز في تقريره، إن التحرك الأميركي لم يقتصر على ضرب مصادر النيران التي استهدفت قوات التحالف الدولي، إنما كان واسعا ويستهدف البنية التحتية العسكرية التي أنشأتها إيران، معتبرا أن ذلك يعطي مؤشرا على قدرة الولايات المتحدة على تهديد مصالح إيران العسكرية في سورية على نحو مكلف ومدمّر.

وأشار المركز إلى تزامن التصعيد الأميركي مع الضربات الإسرائيلية لمستودعات تابعة للميليشيات الإيرانية في منطقة مصياف غرب حماة، مرجحا وجود تنسيق مشترك بين الطرفين بهدف إرسال رسالة مزدوجة أميركية إسرائيلية للجانب الإيراني بعدم ربط الوصول لأي اتفاق نووي جديد بأنشطة “الحرس الثوري” وأذرعه الخارجيّة خاصة الميليشيات التابعة له في سوريا.

وأضاف، أن “مضمون هذه الرسالة قد يفسر عدم رغبة الثوري الإيراني في تحريك كافة الميليشيات التابعة له خلال هذه الفترة وحصر عمليات استهدافه للقواعد الأميركية على الأراضي السورية دون العراقية كما جرت العادة في موجات تصعيد سابقة”.

من الجدير ذكره، أن القاعدة الأميركية في “التنف” تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة ثلاث مرات على الأقل خلال العام الماضي. في كانون الأول/ديسمبر الفائت، أسقطت طائرة مقاتلة بريطانية طائرة بدون طيار تقترب من القاعدة. وأجبر وابل من خمس طائرات بدون طيار القوات الأميركية على إخلاء  أجزاء من الحامية بشكل مؤقت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وألحق الهجوم الضرر بأماكن المعيشة ومنشأة ترفيهية ، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات.

جاء هجوم الطائرات بدون طيار الأسبوع الماضي على “التنف” بعد ساعات فقط من قصف طائرات إسرائيلية مشتبه بها أهدافا مرتبطة بإيران بالقرب من دمشق وطرطوس على الساحل السوري على البحر المتوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة