في نظر الكثير من السوريين يعتبر لهيب الصيف جنة بالنسبة لهم مقارنة بالشتاء، ومخاوفه المتعددة، وبرودته الحتمية في غياب وسائل التدفئة، التي بدأت تتناقص عاما بعد عام، وسط سلطات تقف مكتوفة الأيدي حيال القيام بخطوة إلى الأمام في توفير المازوت، أو الغاز، أو زيادة ساعات الكهرباء، ما حتّم على الكثير البدء برحلة البحث عن الدفء، ومحاولة جني الحطب الذي وصل طنه إلى مليون ليرة سورية.

بورصة للحطب

غياب تصريحات الجهات المسؤولة عن الشروع في إعطاء المواطن بدائل للوقود المنزلي، تسبب في البحث عن بدائل منها شراء الحطب للسخانات التي تعمل بالديزل، والغاز، والكهرباء، والتي ملأت أيضا صفحات التواصل الاجتماعي بأشكالها وأنواعها المستخدمة والتي لم تعد تخدم الغرض في ظل غياب الوقود، الذي نشهده اليوم.

وبحسب تقرير نشر أمس الأربعاء على صحيفة “البعث” المحلية، فإن سوق بورصة حقيقية ظهرت في سوق المدفأة المستعملة داخل سوريا، حيث تحول معظم سكان المدن من المدافئ الأساسية إلى تلك التي تحرق الأخشاب، وأدخلوا إلى المدينة سخانات تعمل بالحطب من الريف.

ولكن ما واجهه المواطنون هذا العام، كانت ارتفاع تكلفة طن الحطب، ما كبّدهم خسائر متزايدة، إذ استغل تجار الحطب الذين انتعش سوقهم خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع هجرة الفلاح لأرضه بعد تكبّده خسائر متزايدة وتركه أشجار الحمضيات، والتفاح عرضة للتحطيب من قبل شبكة تتجول خلال هذه الأشهر في القرى لاصطياد زبائن ممن لا حول ولا قوة.

وبحسب الصحيفة، فإن سعر طن الحطب لهذا العام يبدأ من المليون ليرة، ناهيك عن تحول الغابات في تلك المناطق إلى أشباه غابات بعد تحطيبها من الداخل وترك الواجهة خضراء على الطرقات العامة خوفا من المساءلة القانونية.

المحروقات على صفحات “الفيسبوك”

من يتابع هذه المواقع للتواصل الاجتماعي في سوريا، يلاحظ انتعاش الصفحات التي تروج لوجود الوقود خلال هذا الشهر بسبب الحاجة إلى تموينه قبل قدوم الشتاء وارتفاع أسعاره، متخلّين بذلك عن أموال طعامهم وملابسهم، خصوصا وأن رسائل الحصول على المادة عبر “البطاقة الذكية”، تتأخر إلى 3 أشهر.

وطبقا لما أورده التقرير، فإن فمن يراقب هذه الصفحات يجد انتعاشا لها خلال هذا الشهر من خلال إقبال “طبقة معيّنة” على شراء مادة “مازوت الشتاء” بأسعار خيالية، إذ تجاوز سعر الليتر الـ 7000 ليرة في بعضها، وفي حال رفضك للسعر يكون الرد، ”هاد الموجود ورح يغلى بالشتي أكتر”، الأمر الذي يخلق عشرات إشارات الاستفهام حول غض الجهات المسؤولة، النظر عن هذه الصفحات التي يمكن معرفة القائمين عليها بسهولة.

وعرج التقرير إلى السوق السوداء العلنية في وضح النهار على طريق اوتستراد دمشق- حمص، والتي يمرّ بها من المؤكد المسؤولون خلال جولاتهم التفقدية على المحافظات، لافتا إلى أنهم، “دون أدنى تفكير بضبط هذه السوق التي باتت أشد لعنة من السوق المحلية خاصّة، وأن لها أسعار تزيد لا تنقص بناء على قرارات مافياتها، الذين أطلق عليهم رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع مجلس العمال تسمية، “سوق الحرامية”.

العيب في الوزارة؟

من جهته، عارض عامر ديب، رئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك في دمشق والمناطق المحيطة بها، هذا الأمر ولم يضع مسؤولية نقص أرقام توزيع وقود التدفئة على عاتقه. لكنه يرى أن المشكلة في نظام التوزيع، والمسؤولين عنه بدءا من المدير وانتهاء ببائع الوقود، مبيّنا أن البطاقة الذكية لا يمكنها أن تعالج سوى 50 بالمئة من المشاكل.

وانتقد ديب، تراخي الوزارة الكبير في ضبط هذه المواد، وعدم وجود عقلية في كشفها علنا على صفحات “الفيسبوك”، وتحويلها إلى جرائم إلكترونية للمتابعة، وإحالة المخالفين إلى القضاء المختص، كما قال.

وشدد ديب، على ضرورة تشديد عقوبة “الغرامة والسجن” بحق المخالفين لردعهم، متحدثا عن أهمية تنفيذ المرسوم رقم 8 باعتباره أقوى مرسوم اقتصادي، أسس عملية موازنة احتياجات المستهلك ومصالح التاجر وفق القانون، وهو ما تغفله الوزارة دون تبرير.

ولفت عضو مجلس الإدارة، إلى أن انسياب المازوت في السوق السوداء، هو “سلوك شعبي” لا علاقة للحكومة به، بل على العكس فما يحصل، هو بناء الحكومة لقراراتها وفق هذا السلوك الشعبي الذي أثبت دوره الكبير خلال الأزمات إمّا سلبا أو إيجابا.

الجدير ذكره، أن أزمة الكهرباء والوقود في سوريا تتفاقم يوما بعد يوم، دون أن تتمكن الحكومة ووزارة الكهرباء من إيجاد أي حلول، ولا يوجد سوى الوعود بالتخفيف من التقنين على الرغم من انتهاء فصل الشتاء، إلا أن الأمور لم تزدد إلا سوءا، ولذلك كان لا بد للمواطنين من البحث عن بدائل تمكّنهم من متابعة حياتهم كشراء الحطب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.