مع استمرار تدفق المعلومات حول تأثير التغيرات المناخية على كوكب الأرض، تزامنا مع الاحتباس الحراري الذي سجّل مؤخرا أرقام قياسية، تؤكد المنظمات الدولية أن على جميع الدول اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة التغيرات المناخية خلال السنوات القادمة.

تحذيرات دولية

منظمة العفو الدولية دعت في آخر تقاريرها حول التغيرات المناخية، جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على تحديث أهداف الانبعاثات لعام 2030 لضمان مواءمتها مع الحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية.

تقرير المنظمة، ركز كذلك على ضرورة التخلص التدريجي من استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري من دون الاعتماد على “طرق مختصرة” ضارة وغير مثبتة مثل آليات إزالة الكربون؛ وإنشاء صندوق للخسائر والأضرار لتوفير سبل الانتصاف للأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم، بسبب أزمة المناخ.

بعض الحكومات حول العالم تواجه اتهامات، تتعلق بعدم مساهمتها في مواجهة التغيرات المناخية على كوكب الأرض، وهي التي آثرت بحسب “العفو الدولية“، على تبنّيها المدمر لقطاع الوقود الأحفوري، وتقديم أهداف انبعاثات غير كافية تماما، ثم التقاعس عن الوفاء بها

هذه التحذيرات جاءت عقِب انتهاء فصل الصيف الذي وصفته الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار بـ“المروّع“، بعد موجات الحر الشديدة التي اجتاحت أوروبا، وفيضانات غمرت مساحات شاسعة من باكستان وأستراليا.

كالامار، قالت في تصريحات نقله تقرير المنظمة الأربعاء، “هذا التقاعس يعني أننا نتجه حاليا إلى الاحترار العالمي الذي يتجاوز 2.5 درجة مئوية، وهو سيناريو من شأنه أن يشهد المجاعة والتشرد والمرض والنزوح على نطاق لا يمكن استيعابه تقريبا. وهذه الانتهاكات تحدث بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم“.

ومع ظهور تبعات أزمة المناخ، فإن المجموعات أو الدول الأقل مسؤولية عن زيادة الأزمة، هم الأشد تضررا وأول من يعانون منها، هذا ما يؤدي إلى تفاقم التهميش الذي يواجهونه بالفعل.

“العفو الدولية” تأمل أن ينتج عن مؤتمر “كوب 27″، اتخاذ تدابير من شأنها أن تحول بشكل جذري تقاسم المسؤولية،. إذ يجب على الحكومات الغنية أن تزيد من التزاماتها بشأن التمويل الخاص بالمناخ لمساعدة البلدان المنخفضة الدخل على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتوسيع نطاق تدابير التكيف. ويجب عليها أيضا أن تنشئ صندوقا للخسائر والأضرار من أجل توفير سبل انتصاف سريعة لأولئك الذين انتُهكت حقوقهم بسبب الأزمة التي ساهمت في خلقها“.

منطقة الشرق الأوسط تُعتبر من أبرز المناطق المتضررة من التغيرات المناخية، لما تسببت به من ارتفاع في درجات الحرارة وموجات الجفاف التي ضربت عدّة مواقع في المنطقة.

مبادرات وحلول

مدفوعة بالتحدي الأبرز الذي يواجه العالم خلال العقود المقبلة وهو التغير المناخي، تُطلق العديد من الدول مبادرات لمواجهة تهديد تغير المناخ، ومن أبرز هذه المبادرات هي مبادرة الشرق الأوسط برعاية المملكة العربية السعودية.

قد يهمك: ملامح استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً في أوكرانيا

منذ الأحد الماضي، تُعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية قمة المناخ “كوب 27” في خضم أجواء تشهد عدة أزمات مترابطة، من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والضغوط التضخمية، واحتمال حدوث ركود عالمي، وكذلك أزمات الطاقة والغذاء والتنوع البيولوجي، إلى جانب صيف حار حطّمت فيه موجات الحر الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، وعرّض الجفاف في أفريقيا، 22 مليون شخص لخطر المجاعة.

تزامنا مع هذه القمة التي ستمتد لأسبوعين، ويشارك في شقها الرئاسي 110 من قادة وزعماء العالم ورؤساء الحكومات، عُقدت النسخة الثانية من مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” الإثنين لمناقشة “تحديد خطوات تعزيز العمل المناخي“.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أعلن عن استضافة بلاده لمقر المبادرة، والإسهام بـ 2.5 مليار دولار، دعما لمشروعات المبادرة وميزانية الأمانة العامة التابعة لها للسنوات العشر المقبلة.

في كلمته بقمة المبادرة بشرم الشيخ، قال بن سلمان في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول“، إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يستهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، ليكون من أوائل الصناديق السيادية في العالم وأول صناديق المنطقة التي تصل إلى الحياد الكربوني بحلول هذا العام، ما يعزز جهود الصندوق لمواجهة تحديات المناخ.

أهداف المبادرة الخضراء

بن سلمان لفت إلى أن المبادرة تسعى لخفض الانبعاثات وإزالتها بأكثر من 670 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهي الكمية التي تمثل الإسهامات الوطنية المحددة من جميع دول المنطقة، مبينا أنها تمثل أيضا 10 في المائة من الإسهامات العالمية عند الإعلان عن المبادرة.

كذلك اعتُبرت مبادرة “الشرق الأوسط لأخضر“، بمثابة نموذج عالمي لمكافحة التغير المناخي، مشددا على ضرورة تضافر الجهود لتحقيق أهداف جيدة في مواجهة التغيرات المناخية في المنطقة والعالم.

مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر“، أطلقها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بالشراكة مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في المنطقة، تُضاف إلى 10 مليارات شجرة في السعودية، ما يجعله أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

المبادرة تدعم عمليات تنسيق الجهود بين المملكة وشركائها الإقليميين والدوليين من أجل نقل المعرفة وتبادل الخبرات، مما يسهم في تحقيق انخفاض كبير في الانبعاثات الكربونية العالمية، بالإضافة إلى تنفيذ أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

وبحسب موقع “رؤية السعودية 2030” فإن المبادرة “تؤكد على التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وتسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خارطة طريق طموحة ذات معالم واضحة، تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية“.

المبادرة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية إلى أكثر من 10 بالمئة من المساهمات العالمية، من خلال عدة مبادرات، تتضمن تقليل الانبعاثات الكربونية الناجمة عن إنتاج النفط في المنطقة إلى أكثر من 60 بالمئة.

كذلك زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، منها 10 مليارات شجرة في السعودية، أي ما يعادل 5 بالمائة من مستهدف التشجير العالمي، كما سيسهم المشروع باستعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.

ملفات هامة على طاولة “كوب 27”

في إطار مواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ، تواصل فعاليات قمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27″ أعمالها، وهي التي انطلقت قبل أيام في مدينة شرم الشيخ المصرية، بعد تسليم بريطانيا رئاسة الدورة السابعة والعشرين من قمة المناخ إلى مصر. في مستهل كلمته خلال الجلسة الافتتاحية قال رئيس مؤتمر قمة المناخ؛ وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن مصر لن تدّخر جهدا في قيادة العمل الدولي لمواجهة تغير المناخ.

الإثنين الفائت، توافد العشرات من قادة العالم إلى مؤتمر الأطراف حول المناخ “كوب 27″، وافتتح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، القمة، مشددا على أهمية التحرك لمعالجة أزمة المناخ المصيرية التي تُعتبر أكبر التحديات التي تواجه العالم على الإطلاق، معربا عن أمله ببذل الجهود من أجل تنفيذ خطوات حسية في هذا المجال. كما وشدد على أن المعاناة الإنسانية بسبب تغير المناخ تتكرر وتؤكد الحاجة الملحة لإنهائها.

ضمن هذا السياق، قال الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، أن هناك العديد من الآليات والإجراءات التنفيذية التي يجب على المجتمع الدولي، وفي الصدارة الدول والمنظمات الدولية، اتباعها على الفور لإنقاذ البشرية في مواجهة تحديات وتهديدات تغير المناخ.

سلامة أردف في حديث سابق لموقع “الحل نت“، أنه بالنسبة للطاقة المتجددة، فهي المستقبل الأكثر أمانا للبشرية، فهي جوهر التحدي المتمثل في تغير المناخ ومفتاح الحل لجميع الأزمات الإنسانية، حيث يغطي توليد جزء كبير من الغارات الدفيئة التي تغطي الأرض ويحبس حرارة الشمس من خلال إنتاج الطاقة عبر الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والحرارة. وهذا الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، هو أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، حيث يمثل أكثر من 75 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وما يقرب من 90 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

حلول لابد منها

بحسب رأي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، أنه لتجنب أسوأ الآثار الكارثية لتغير المناخ، يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبا بحلول عام 2030 حتى تظل صافية إلى الصفر بحلول عام 2050، ويتم ذلك من خلال إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري، والاستثمار في مصادر طاقة بديلة نظيفة وبأسعار معقولة.

هناك العديد من مصادر الطاقة المتجددة الآمنة المتاحة للبشرية، مثل الشمس والرياح والنفايات والحرارة من طبيعة الأرض وجميع هذه المصادر تنبعث منها القليل من غازات الدفيئة أو ملوثات الهواء، وفق سلامة.

فيما يتعلق بالغذاء الصحي والآمن وعلاقته بتغير المناخ، من الضروري زراعة أنواع معينة من المواد بالشكل والطريقة التقنية التي لا تولد الغازات الدفيئة التي تساهم في تغير المناخ، حيث يرتبط حوالي ثلث الانبعاثات التي يسببها الإنسان بالغذاء. باختصار، وفق سلامة، يجب تقليل الانبعاثات المرتبطة بالأغذية، وهذا يتطلب تغييرات في جميع مراحل الغذاء، بدءا من المنتجين وانتهاء بالمستهلكين.

بالنسبة لهدر الطعام، يجب على الدول المعنية وخاصة في مؤتمر المناخ العالمي “كوب 27″، الحد من هذه الكارثة. حيث يذهب ما يقرب من 1 مليار طن من الطعام إلى حاويات القمامة كل عام، ويساهم إنتاج ونقل وتركيز تعفن الغذاء في أكثر من 8 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، على حد تعبير سلامة.

أما الأرض فهي تلعب دورا رئيسيا في النظام المناخي، فهذه الأرض مثل “بالوعة” رئيسية للكربون، حيث أن سطح الأرض، ينظم درجة حرارة الكوكب ويساعد في تخزين الكربون، لكن الأرض تتعرض لضغوط متزايدة سواء كانت تتمثل في إزالة الغابات والتمدن والتحضر أو في التنمية الصناعية والتوسع الزراعي غير المستدام، التي تقوض قدرات الأرض على الحفاظ على إنتاج الغابات وموارد المياه النقية، فضلا عن تنظيم المناخ وجودة الهواء.

سلامة خلُص حديثه بالقول، “مصر الآن تقود وعلى مدى أربع سنوات العمل والجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ، وكما قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، تتطلع مصر إلى أن تكون قمة كوب 27، علامة فارقة للعمل الجماعي متعدد الأطراف، وستوفر قمة كوب 27 أفضل الظروف لمواجهة تغير المناخ“.

الجدير ذكره أنه ينبغي أن تنخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمئة بحلول العام 2030، لتكون هناك فرصة لتحقيق أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015، طموحا ويقضي بحصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية، مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية.

غير أن التعهدات الحالية للدول الموقّعة حتى لو احتُرمت في نهاية المطاف، ستؤدي إلى ارتفاع الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 5 و10 بالمئة، ما يضع العالم على مسار تصاعدي قدره 2,4 درجة مئوية في أفضل الحالات بحلول نهاية القرن الحالي. بالتزامن مع السياسات المتبعة راهنا، يُتوقع أن يبلغ الاحترار 2,8 درجة مئوية، وهو أمر كارثي، على ما تفيد الأمم المتحدة، وفق تقارير صحفية.

كما ويترقب العالم باهتمام الإعلانات المتعلقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة وهي عادة أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي، حتى لو أن مسؤوليتها فيها محدودة، إذ إن انبعاثاتها من غازات الدفيئة قليلة جدا. المندوبون إلى “كوب 27”، قرروا للمرة الأولى إدراج مسألة تمويل الأضرار الناجمة من الاحترار على جدول الأعمال الرسمي للمؤتمر. وتُقدر هذه الأضرار بعشرات المليارات منذ الآن، ويُتوقع أن تستمر بالارتفاع الكبير. فالفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان تسبّبت وحدها بأضرار قدرت بأكثر من 30 مليارا.

هذا ويعول الكثير على نتائج المحادثات فيما العالم قلق على مستقبله جراء مشاكل الأرض المناخية مع فيضانات قاتلة وموجات قيظ وعواصف في أنحاء مختلفة من العالم، تعطي لمحة عن أسوأ السيناريوهات المحتملة. العديد من المراقبين أشاروا إلى أنه “إذا كان الوضع السياسي بهذا السوء بحيث لا تَواصُل بين أكبر مسبّبين للانبعاثات، لن نحقق 1.5 درجة مئوية“.

هذا ويُتوقع أن يحضر الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، قمة مجموعة العشرين في بالي قبل أيام من إنجاز المفاوضات في مصر. وأكد الخبراء بحسب تقرير لقناة “العربية“، “في حال التقى الزعيمان، فإن هذه الدينامية ستؤثر على ما يحصل في شرم الشيخ“.

بالتأكيد فإن جميع دول العالم معنية بمواجهة التغيرات المناخية، التي ارتفعت حدتها خلال السنوات الماضية، ما يتطلب تعاون جميع دول العالم لاتخاذ إجراءات جدية للتقليل من أضرار هذه التغيرات على البشر.

قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.