وفقا لتقارير غربية فإن روسيا تكبّدت خسائر كبيرة، خلال عمليات غزو أوكرانيا، إذ تفوق خسائرها، الخسائر العسكرية الأميركية مجتمعة في 20 عاما من القتال في العراق وأفغانستان، فالقيادة الروسية فشلت فيما كانت تطمح إليه في تحقيق نصر سريع وإنهاء الحرب دون التورط في مواجهة استنزاف طويلة يبدو أنها ستنهك روسيا من جوانب عدة؛ أبرزها الجانبين العسكري والاقتصادي.

صدمة روسيا

حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعقّدت في منتصف طريقه لغزو أوكرانيا، فبعد أن تقدمت القوات الروسية في العديد من المناطق، اضطرت بعدها إلى الانسحاب.

بدأت روسيا عمليات الغزو بقصف عنيف، واستفادت من التفوق الناري الذي تمتاز به قواتها، فقصفت مناطق في جنوبي وشرقي أوكرانيا، جنبا إلى جنب مع ضربات جوية في المناطق الغربية، كان الروس يهدفون إلى تعطيل خطوط الإمداد اللوجستية التي قد يستخدمها الغرب لدعم كييف، لكن المفاجأة كانت أن الناتو نجح في إيصال الدعم العسكري للأوكرانيين، وعمد إلى خلق حالة من الدعم والتعاطف العالمي مع الشعب الأوكراني.

كذلك فإن القوات الروسية، وبعد إعلان ضم الأقاليم الأربعة (لوغانسك، دونيتسك، خيرسون وزابوريجيا)، تعرضت لهجمات مضادة، فبدأت رياح الغزو تأتي بما لا تشتهي سفن بوتين، لا سيما بعد أن استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على مدينة ليمان الاستراتيجية ضمن إقليم دونيتسك.

كذلك نجح الجيش الأوكراني، في تحرير العديد من المناطق على حدود مدينة خيرسون التابعة لإقليم خيرسون، وهنا تفاجأت القيادة الروسية، بعزيمة الجيش الأوكراني، بعد سنوات من الدعم والتدريب من قبل الأميركيين والبريطانيين وغيرهما منذ عام 2014، إذ أظهر إصرارا على استعادة زمام المبادرة من الروس وبدء هجمات مضادة بهدف استعادة أراضيه.

حرب طويلة

وجدت روسيا نفسها أمام حرب طويلة، وقد ساهم الدور الغربي، في إحداث حرب استنزاف للقوات الروسية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وربما على الصعيدين السياسي والداخلي أيضا.

وقد نجحت القوات الأوكرانية في إخراج مجموعات الجيش الروسي من أكثر من مدينة أوكرانية، بمساعدة الإمدادات الأمريكية والأوروبية، والتي بلغت 20 حزمة مساعدات، شملت صواريخ دقيقة والمزيد من صواريخ جافلين وأسلحة مضادة للدروع وطائرات استطلاع مُسيرة ومدفعية ومعدات لإزالة الألغام.

كان القرار الأوكراني واضحا في استعادة المناطق التي سيطرت عليها روسيا، لكن ما ساعد الأوكران في تحقيق ما حققوه خلال الأسابيع الماضية، هو الدعم الغربي العسكري، وبدرجة أعلى الدعم الاستخباراتي، حيث أظهرت المعركة تفوقا واضحا للأوكران في الجانب الاستخباراتي.

أراد الغرب فعلا تحقيق التوازن العسكري بين أوكرانيا وروسيا، سعيا منه لجر روسيا إلى حرب طويلة من شأنها استنزاف قدرة روسيا في مختلف الأصعدة، فكان الدعم الغربي العسكري محدودا إلى حدا ما، لتحقيق التوازن المذكور.

العالم كله تساءل خلال الفترة الماضية، عما إذا كان بوتين جاد في تهديداته، ويتحول التساؤل في بعض الأحيان إلى مخاوف، عززها مثلا تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن، من “حرب نهاية الكون“، ردا على تهديدات نظيره الروسي بوتين.

حتى الآن يمكن القول إن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية من جانب روسيا، تجاوزت مرحلة اللفظ، لا سيما بعد أن وضع بوتين قوة الردع النووية في حالة تأهب، مشيرا إلى أن سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تمثّل “تهديدا لوجود الدولة الروسية وسيادتها“ وفق تصريحه، بعد أن كان وقّع مرسوما في حزيران/يونيو 2020، يحدد أن موسكو أذنت لنفسها باستخدام الأسلحة النووية في حالة “الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا“.

السياسة الغربية في التعامل مع الغزو الروسي، تهدف وفق المعطيات الحالية إلى تجنب استخدام الأسلحة النووية، فإمداد أوكرانيا بأسلحة فتاكة بما يسمح لها بشن ضربات قوية ضد روسيا، أو في العمق الروسي، سيزيد من احتمالية تنفيذ موسكو لتهديدها بشن هجمات نووية، وهو أمر بالطبع لا يرغب به أحد ولو على حساب استمرار الحرب بالشكل الذي نراه حاليا.

قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

صحيح أن هذا الدعم لا يؤمّن هزيمة روسيا في ساحة المعركة، لكنه على الأقل منع سقوط أوكرانيا كصيد سهل في يد الروس كما كان يطمح بوتين، والنتيجة هي أن حرب استنزاف طويلة الأمد قد بدأت، ولا أحد يعلم موعد نهايتها.

قد يكون الخيار النووي بالنسبة لروسيا، هو الخيار الأخير فعلا، لكن ماذا إذا نفذت الخيارات الأخرى.

من خلال ذلك يمكن قراءة أسباب عدم توجيه ضربات قوية للقوات الروسية في أوكرانيا، فالغرب لا يبدو أنه يسعى لهزم روسيا بشكل مباشر وسريع، بالتأكيد خوفا من التهور الروسي وإشعال حرب؛ تكون بالضبط كما وصفها بايدن، في تصريح سابق “حرب نهاية الكون”.

لكن على الجانب المقابل، فإن الدعم الغربي (لا سيما على الصعيد الاستخباراتي)، ساهم إلى حد كبير في مساعدة الأوكرانيين على وقف تقدم الجيش الروسي، بل تعداه إلى استعادة زمام المبادرة في الهجوم واستعادة العديد من المناطق، كما منع سقوط العاصمة كييف.

في الواقع لا يمكننا القول إن حرب الاستنزاف ستعرض روسيا للهزيمة، فالأمر لا يبدو بهذه البساطة، لكن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تسعى حاليا إلى كسب معارك وجولات منفصلة، بما يساعدها ربما مستقبلا على كسب الحرب.

الحرب الطويلة والممتدة، ستعني تكلفة عسكرية باهظة لروسيا، ففضلا عن تكلفة استمرار الحرب، بدأت روسيا تعاني من نقص العناصر البشرية في قواتها، ذلك ما يمكن تأكيده من قرار التعبئة الجزئي الذي أعلنه بوتين في أيلول/سبتمبر الماضي.

كشف تسليح موسكو

بدأت موسكو هذه الحرب بغزو الأراضي الأوكرانية، ثم ضمت أربعة أقاليم عبر إجراء تصويت داخلها، لم يعترف به المجتمع الدولي. تكمن خيارات الغرب في رد هذا العدوان عبر إطالة أمد المواجهة، التي ستحقق ربما إظهار ما لدى موسكو من قدرات وإمكانات متقدمة لم يختبرها العالم بعد، لا سيما على صعيد التسليح.

ونلاحظ هنا أن الجيش الروسي، يستخدم ترسانته العسكرية والأسلحة الحديثة في أوكرانيا بشكل محدود، ما يشبه الكشف الاضطراري الذي تستوجبه تطورات المعركة على الأرض، لكن طول أمد الحرب واستمرار المقاومة الأوكرانية، قد يظهر بعض مما تخفيه روسيا عسكريا.

المواجهات العسكرية التي تخوضها القوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي الذي جاء لغزو أراضيها، لا يعني بالضرورة فقط أهميتها للأوكرانيين، لكنها تمثل نقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي، فأوكرانيا هي خط الدفاع الأول لأوروبا أمام روسيا.

يمثل ما تم ذكره آنفا، نقطة هامة أمام ضرورة دعم الغرب لأوكرانيا، فرغم إخفاق روسيا، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة في إملاء شروطها، إلا أنها استخدمت مؤخرا القوة النارية في شن ضربات عسكرية مركزة استهدفت المنشآت الحيوية ومحطات الطاقة، لخلق ضغط على الحكومة الأوكرانية.

الضربات الروسية الأخيرة أحرجت الغرب، بعد أن أظهرت تلك الضربات نقطة ضعف في القوات الأوكرانية، تتمثل بضعف جانب الدفاع الجوي. إن الضربات الصاروخية الأخيرة من قِبل موسكو، ستزيد الضغط بالتأكيد على حلفاء أوكرانيا، لا سيما بعد أن شملت الضربات المرافق الحيوية ومواقع في كييف وغيرها من المدن.

الهجمات الروسية الأخيرة، كشفت عن هشاشة ونقطة ضعف في النظام الدفاعي الجوي الأوكراني، بالتالي فإن الغرب سيتجه على الأرجح لحل هذه الثغرة، ما يُمكّن أوكرانيا من صد هجمات مماثلة في المستقبل.

التفوق التكنولوجي للغرب، سيكون نقطة قوة تساعدهم على دعم الأوكران، لكن ربما موضوع إعادة تأهيل منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية، سيأخذ بعضا من الوقت، ذلك رغم استقدام دول أوروبية في حلف “الناتو”، ضباط أوكران لتدريبهم على أنواع الأسلحة المختلفة وأنظمة الدفاع الجوي الغربية.

ضغط داخلي واستنزاف اقتصادي

من ملامح تأثير طول أيام الحرب على موسكو، الضغط الداخلي على الحكومة الروسية، التي بدأت تسمع أصوات تندد وتقول إن بوتين ورّط الروس في مواجهة مع العالم، ودفع المواطنين الروس إلى الهلاك، وقد ساهم قرار التعبئة بزيادة هذه الانتقادات.

محامون روس أكدوا تلقيهم طلبات هائلة، من قبل مواطنين، لمساعدتهم في تفادي التجنيد والقتال في أوكرانيا، وذلك بعد أن شملهم قرار التعبئة، في وقت تسبب فيه القرار بفرار مئات الآلاف من الروس، إلى دول مثل كازاخستان وجورجيا وفنلندا، وبقي كثيرون غيرهم في روسيا مختبئين من القائمين على التجنيد العسكري، ويعملون لتفادي استدعائهم أو يأملون في الإعفاء من الخدمة.

ستكون الحرب بمثابة استنزاف حقيقي للاقتصاد الروسي، يتمثل بالتكاليف الباهظة للحرب، فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي نجحت الولايات المتحدة والغرب في تمريرها، صحيح أنها قد لا ترقى لمستوى العقوبات ضد فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية، لكنها مُصمّمة بحسب مجلة “البيان”، بطريقة لإحداث ركود بطيء للاقتصاد الروسي، إضافة إلى كون روسيا مورد كبير للطاقة والغذاء في الأسواق الدولية، ووفقا لصندوق النقد الدولي، سينكمش الاقتصاد الروسي بنحو 8.5 بالمئة في عام 2022.

أبرز ملامح الاستنزاف الاقتصادي يتمثل ربما بوقف إمداد روسيا لأوروبا بالغاز الروسي، حيث كان السوق الأوروبي سوق ممتاز لروسيا من أجل تسويق الغاز الطبيعي.

لكن موضوع الغاز يمثل أيضا ضغطا على الجانب الآخر، وهو الدول الأوروبية، فرغم الضغط على الاقتصاد الروسي، يمثل وقف إمداد الغاز تهديدا لأوروبا التي تعاني منذ أشهر من احتمالية نشوب أزمة في موارد الطاقة، ستكون ربما ذروتها خلال فصل الشتاء. ذلك في وقت بدأت فيه أوروبا بالبحث عن بدائل للغاز الروسي عبر تعزيز علاقاتها مع دول إفريقيا وملء احتياطياتها، فما يشبه حرب عض الأصابع بينها وبين موسكو.

كذلك فإن علينا ذكر أن استمرار الحرب ستستنزف كذلك الجانب الآخر اقتصاديا وعسكريا، لكن ما يعول عليه الطرف الذي يصد عدوان روسيا، هو أن هذا الاستنزاف سيتوزع على دول عديدة، بالأخص فيما إذا دخلت الولايات المتحدة بقوة على خط دعم أوكرانيا عسكريا، وهو ما أشار إليه العديد من المسؤولين الأميركيين خلال الفترة الماضية.

مسؤولون أميركيون، أعلنوا مؤخرا عن حزمة أسلحة بقيمة 1,1 مليار دولار، ستعلن عنها واشنطن لأوكرانيا، في إطار برنامج “مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا“، الذي صادق عليه الكونغرس، ليتيح للإدارة الأميركية تزويد كييف بالأسلحة من الصّناع، وليس من الترسانات الأميركية.

مصادر أميركية ذكرت بحسب ما نقل موقع “سكاي نيوز عربية”، أن المساعدات ستشمل راجمات “هيمارس” وصواريخ، ومختلف الأنظمة المضادة للطائرات المسيرة والرادارات، وقطع غيار، وأجهزة دعم تقني وغير ذلك، تلبية لنداءات الرئيس الأوكراني المستمرة بتزويده بالأسلحة، لا سيما صواريخ هاربون المضادة للسفن، وأنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات “ناساماس“.

المنظومة المذكورة، هي منظومة دفاع جوي الأكثر تطورا من بين جميع المنظومات التي يمكن أن تتسلمها أوكرانيا، وتأثيرها متوسط يصل إلى نحو 40-50 كيلومترا مع ارتفاع 15 كيلومترا. تتميز هذه المنظومة بأن الرادار المرتبط بها منفصل عن منصة الإطلاق، لذلك عند كشفها سيتمكن العدو من تدمير منصة الإطلاق فقط.

خلاصة واستنتاجات

تزداد الأزمة تعقيدا بالنظر إلى التطورات الأخيرة، روسيا بدورها ترفض الهزيمة وتدعو إلى المفاوضات، لكن أوكرانيا رفضت الحوار مع بوتين، في ظل أنها الآن بموقع قوة، واشترطت انسحاب القوات الروسية إلى حدود 24 شباط/فبراير 2022، ما يوحي أن الحرب مرشحة للاستمرار فترة لا تبدو معلومة.

لا يبدو أن أحد الأطراف يمتلك خيار إنهاء الحرب بأسرع وقت، لا سيما وأننا على أبواب فصل الشتاء، وبالتالي فإن الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، سيؤثر بشكل سلبي على سير العمليات العسكرية، ويحد من قدرة الآليات العسكرية.

الأمر لا يتعلق فقط بموقف موسكو، فاستمرار استنزاف الغرب لروسيا على مختلف الأصعدة، يتطلب صمودا كذلك من أوروبا، التي تعاني من تبعات أزمة الطاقة، واحتمالية دخولها في أزمة غذاء.

كذلك فإن هناك نجاح للخطة الغربية، في تجنب أسوأ السيناريوهات التي يمكن لبوتين قبولها من عدمه، ورد فعله، ويرى مراقبون غربيون أن موسكو تواجه الآن خيارا صعبا، فإما مواجهة هزيمة مذلة في أوكرانيا أو التصعيد بالتعبئة الجماعية، وربما اللجوء لأسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك لا تزال هناك مساحة للمناورة من أجل خيارات أخرى.

من الواضح أن المعركة لن تُحسم بانتصار حاسم لطرف، إنما ستُحسم بعد استنزاف كبير ربما لكلا الطرفين وضغوط دولية من داخل أوروبا وخارجها لإنهاء الحرب والقبول بتسوية ما، غير أن الخطة الغربية تهدف إلى الخروج بعد هذه التسوية بأكبر حجم من الانتصار عبر استنزاف روسيا وكشف خططها العسكرية المستقبلية، والوصول إلى أبعد نقطة لا تستخدم فيها موسكو السلاح النووي كخيار في الحرب، التي هي الآن في مرحلة “كسر عظم” أو تسبقها بقليل.

قد يهمك: العاصمة الأوكرانية بلا كهرباء.. ما تبعات بدء روسيا ضرب المنشآت الحيوية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.