مع استمرار غرق روسيا بالمستنقع الأوكراني والعزلة الدولية التي بدأت تعاني منها نتيجة استمرار غزو قواتها للأراضي الأوكرانية، تحاول القيادة الروسية إدعاء إحراز نصر عسكري أو سياسي عبر اتباع سياسة الأرض المحروقة، حيث قامت مؤخرا بقصف المنشآت الحيوية.

تراجع الموقف الروسي

لا يبدو الموقف الروسي اليوم في المعركة في أفضل حالاته، لا سيما بعد التقدم الأوكراني العسكري خلال الأسابيع الأخيرة، لذلك لجأت مجموعات الجيش الروسي، إلى قصف المنشآت الحيوية ومحطات الطاقة، بغية إحداث خلل وأزمة داخلية في أوكرانيا، وصولا إلى الضغط على القيادة الأوكرانية، فما تبعات استمرار روسيا بهذا النهج.

القوات الروسية شنّت صباح الإثنين، هجمات مركّزة على محطات التغذية الكهربائية في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث أظهرت تسجيلات مصورة نشرتها وسائل إعلام، استخدام الجيش الروسي للصواريخ في قصف المنشآت.

رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو، أفاد بانقطاع التيار الكهربائي والمياه عن أحياء في العاصمة الأوكرانية صباح الاثنين بعد ضربات روسية. وأوضح في رسالة عبر تليغرام، “جزء من كييف محروم من الكهرباء وبعض المناطق من المياه إثر ضربات روسية“.

كييف تعرضت في وقت سابق من الأسبوع الماضي كذلك، لضربات باستخدام مسيرات تابعة للجيش الروسي وإيرانية الصنع، طالت بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” منشآت الطاقة في العاصمة، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي قبل أيام.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

الباحث السياسي الدكتور محمد نعناع، يرى أن روسيا تهدف بالدرجة الأولى إلى الضغط على الحكومة الأوكرانية، عبر إحداث توتر داخلي وفجوة بين الأوكرانيين وحكومتهم من خلال هذا القصف، مشيرا إلى أن روسيا قد تتلقى ردود مفتوحة من قبل القيادة الأوكرانية المدعومة من قبل الغرب.

إحداث ضغط داخل أوكرانيا

نعناع قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الهدف الرئيسي من هذه العمليات، إحداث ضغط كبير في الداخل الأوكراني، للضغط على حكومة كييف، والرئيس الأوكراني تحديدا والفريق المحيط به الذي أبدى تماسكا كبير خلال هذه الحرب“.

تعتقد روسيا أن قصف المنشآت الحيوية ومحطات الطاقة، سيشكل ضغط على الحكومة الأوكرانية، ما يمكنها من إجبار أوكرانيا للجلوس على طاولة المفاوضات، والقبول بالشروط الروسية، لكن الجانب الأوكراني حتى الآن يبدي تماسكا إلى حد كبير، لا سيما في موقف الحكومة والشعب.

حول ذلك أضاف نعناع، ”تقوم القيادة الروسية بهذا النوع من الهجمات وتحديدا تستهدف قطاعات حيوية كالكهرباء والطاقة عموما، والطرق ومخازن الاحتياطيات المختلفة حتى تحدث ضغط داخلي في أوكرانيا، مما يدعو إلى تفكك الموقف الأوكراني وتفتيت التماسك الأوكراني للقيادة الأوكرانية حتى تستجيب للمطالب الروسية، وأولها هو قبول شروط موسكو للجلوس على طاولة الحوار تتنازل فيها كييف عن أمور متمسكة بها متل وحدة الأراضي الأوكرانية“.

روسيا كانت قبل أسابيع بدأت بهذه السياسة الممنهجة، لضرب القطاع المدني في أوكرانيا، وذلك بعدما بدأت تعاني من عزلة دولية، وضغط داخلي جراء استمرار الحرب وتبعاتها العسكرية والاقتصادية.

نعناع يعتقد أن استمرار هذه الهجمات سيكون بمثابة اختبار حقيقي للتماسك الأوكراني، لا سيما أن بوتين يهدف لإرهاق القيادة الأوكراني، لكنه يوضح أيضا أن أوكرانيا رغم محدودية خياراتها، إلا أن تلك الخيارات تبقى مفتوحة، وتتمثل بشن هجمات مماثلة تستهدف القوات الروسية، لا سيما وأن الجانب الأوكراني مدعوم من الغربي.

حول ذلك ختم نعناع حديثه بالقول، “خيارات أوكرانيا محدودة الآن لكنها مفتوحة، تتمثل بعمليات ضرب مقابلة أيضا من النوع المدمر وهذا لا يكون إلا بأن يكون لديها معلومات استخباراتية قوية، لكي تكون الضربات التي ترد بها على الممارسات الروسية قوية ومؤثرة، أما الدور الغربي بدعم أوكرانيا، فهو مستمر لكنه محدود، لأن الاستنزاف لروسيا مقصود من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حتى يمسكون عليها أوراق ضغط في مجالات الطاقة والعلاقات“.

تصاعد وتيرة الحرب

وتتصاعد وتيرة المواجهات العسكرية بين الجيش الروسي، والقوات الأوكرانية التي تحاول استعادة أراضيها، وذلك قبل قدوم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، الذي يؤكد خبراء عسكريون أنه سيؤثر على سير العمليات العسكرية في أوكرانيا.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، قال قبل أيام، إن “الشتاء يمثل دائما تحديا على صعيد القتال“، إلا أنه توقّع أن تواصل أوكرانيا بذل كل ما في وسعها خلال الشتاء لاستعادة الأراضي وتظل فعالة في ساحة المعركة.

ضابط الاتصال السابق في “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) الدكتور أيمن سلامة، يرى أن تحديات الشتاء والصقيع، لن تقتصر على جانب واحد من طرفي النزاع في أوكرانيا، مشيرا إلى أن التصعيد الذي تشهده المواجهات الآن هو لاستغلال فترة ما قبل الشتاء، لا سيما فيما يتعلق باستعادة القوات الأوكرانية لبعض المناطق التي احتلتها روسيا.

سلامة قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “سيحاول القادة العسكريين في المقام الأول التخفيف من الآثار السلبية، والتي قد تكون في حالات معينة وفق ظروف الطقس، والآثار الكارثية للشتاء الذي تعرفه كل من أوكرانيا وروسيا من خلال الغزو الألماني خلال القرن الماضي“.

سلامة أشار إلى أن التأثير على فعالية الآليات العسكرية ربما بدأت من الآن، وأضاف، “حتى قبل الشتاء الحقيقي، فإن الخريف الممطر في أوكرانيا سيحد من فاعلية وسرعة وحركة الآليات العسكرية فضلا عن الأسلحة الثقيلة الأخرى“.

دور حاسم للشتاء

إذا فالشتاء المكسي بالثلوج والوحل، سيكون بمثابة دور حاسم، في مجريات العمليات العسكرية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما في ظل التأثير الأكبر على القوات البرية، في حين ستكون تداعيات الشتاء بدرجة أقل على القوات الجوية سواء الطائرات المقاتلة أو المسيرة، وكذلك الحال بالنسبة للأساطيل البحرية، التي لن تتأثر بشكل كبير بتداعيات الشتاء.

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

بالتأكيد فإن استمرار السياسة الروسية في قصف المنشآت الحيوية، سيشكل ضغطا إضافيا على أوكرانيا، لكن لا يبدو أن أوكرانيا عازمة على تقديم تنازلات والقبول بشروط موسكو، لا سيما مع استمرار الدعم الغربي من جهة، واستمرار التماسك في الموقف الأوكراني من جهة أخرى.

قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة