تواصل روسيا دعمها للحكومة السورية، خاصة فيما يتعلق بملف المساعدات الإنسانية، من خلال حصرها في دمشق. وكان آخر “فيتو” استخدمته روسيا لصالح حصر تمرير المساعدات عبر بوابة دمشق في تموز/يوليو الماضي، بالتصويت ضد تمديد التفويض لآلية دخول المساعدات عبر معبر “باب الهوى” والضغط لإدخال المساعدات عبر خطوط النزاع. إلا أنه وفي النهاية وبعد عدة مشاورات في قاعة مجلس الأمن الدولي، تمت الموافقة على تمديد إدخال المساعدات الإنسانية من تركيا عبر معبر “باب الهوى” لنحو أربعة ملايين شخص في شمال غربي سوريا، لمدة ستة أشهر فقط.

لا تنفك روسيا عن فرض حالة ابتزاز سياسي على ملف المساعدات الإنسانية العابرة للحدود السورية، وربطت استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم دمشق ومحاولة تعويمها سياسيا، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات دمشق بحجة مشاريع التعافي المبكر، وبالتالي ربما للالتفاف على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار.

لذلك كل ما يتم توفيره وسيقدم مستقبلا للأوضاع الكارثية السورية من المساعدات الإنسانية، والتي يتم معظمها عبر الأمم المتحدة، والتي تقدر بمليارات الدولارات، يدخل معظمها اليوم عبر بوابة دمشق، بعد قيام موسكو، خلال السنوات الثلاث الماضية، بإغلاق جميع المعابر الحدودية الإنسانية الخارجة عن سيطرة دمشق، عبر استخدام “الفيتو”، وإبقاء نقطة عبور واحدة فقط في شمال غرب سوريا؛ ألا وهي معبر “باب الهوى”، ولا يزال الطرفان يسعيان اليوم بشكل غير مسبوق والتركيز على دخول جميع المساعدات عبر دمشق وأنها السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد، بالإضافة إلى إصرارهم على البدء بمشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ومحاولة إقناع المجتمع الدولي بانتهاء الأزمة في البلاد.

قد يهمك: دمشق تستولي على أملاك النازحين واللاجئين.. ما تبعات ذلك؟

الفَوارق بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار

إن مفهوم التعافي المبكر شكّل نقطة خلاف رئيسية في الأوساط الإنسانية في السنوات الأخيرة؛ ولكن وفقا للخبراء وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن التعافي المبكر هو “نهج يلبي احتياجات التعافي في الاستجابة الإنسانية لحالات الطوارئ”. بعبارة أخرى، يمكن تعريف هذا المفهوم على أنه استعادة الخدمات الأساسية الرئيسية التي تمكّن الأشخاص المتضررين من الاعتماد على أنفسهم بشكل أكثر استدامة، بدلا من الاعتماد المستمر على منظمات الإغاثة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

فيما يلي ثلاثة اختلافات بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار. الأول هو أن وضع وتنفيذ خطط إعادة الإعمار يقع على عاتق الدولة، بينما يتم تخطيط وتنفيذ التعافي المبكر من قبل منظمات الإغاثة، سواء كانت مركزية بأمر من هيئة إدارية واحدة، مثل منظمات الأمم المتحدة أو منظمات فردية. الاختلاف الثاني هو أن التعافي المبكر هو شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، في حين أن إعادة الإعمار ليست كذلك. يمكن أن تأتي إعادة الإعمار على شكل قروض ميسرة من منظمات فردية أو متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

أما بالنسبة للتعافي المبكر، فهو مجرد نوع من المساعدة الإنسانية لا يتطلب السداد لاحقا. الاختلاف الثالث هو أن التعافي المبكر له الأولوية وفقا للاحتياجات الإنسانية، كما هو الحال مع أشكال المساعدة الإنسانية الأخرى، في حين أن إعادة الإعمار ليست كذلك بالضرورة. لذلك، يمكن النظر إلى مساعدات التعافي المبكر على أنها نشاط يقع بين النهج السائد اليوم، والذي يدور حول المساعدة الإنسانية الأساسية، مثل الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي وخدمات النظافة من ناحية، وإعادة الإعمار من ناحية أخرى.

فوائد هذه المشاريع وإعادة الإعمار كبيرة جدا من الناحية الاقتصادية والسياسية كأحد الأثار الإيجابية التي ستفرز على دمشق وتعزز قبضتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، وروسيا من جانبها ستحصل على النصيب الأكبر من هذه المساعدات وستعتبر ذلك ورقة ضغط قوية للمساومة والابتزاز ضد الغرب دوما.

قد يهمك: إعادة اللاجئين السوريين من لبنان.. سياسة “فاشلة” في ظل وجود المعابر المفتوحة؟

لماذا ترغب موسكو بحصر المساعدات في دمشق؟

ملفا المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، هذان الملفان الشائكان، أصبحا من أبرز الملفات في المشهد السوري، لحساسيتهما وجوهريتهما في وضع حلول للملف السوري، فمشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، شروط تنفيذهما مرتبط بالحل السياسي، الذي لا زال معلقا حتى الآن، نتيجة تعنت الحكومة السورية بسياساتها وعدم إجراء مفاوضات جدية مع معارضيها، هذا فضلا عن عدم تطبيق القرار الأممي 2254. وفي المقابل، موسكو ترغب بتعويم حكومة دمشق وتقديم الرئيس السوري بشار الأسد على أنه الرئيس الشرعي الوحيد لسوريا, وأنه يجب القبول بهذه الرواية فقط، وبالتالي الحصول على الضوء الأخضر بشأن مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار التي تقدر قيمتهما بترليون و 200 مليار دولار وربما أكثر من هذا الرقم، ولأن الملفين مرتبطان بالحل السياسي من جهة وبالجانب الاقتصادي من جهة أخرى، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول جهود كل من موسكو ودمشق في سعيهما الدؤوب للبدء بمشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

بعد انتهاء شبه الكلي للمعارك في سوريا، يبدو أن موسكو وبعد فرضت هيمنتها على الحكومة السورية ووضعت قدمها لأكثر من خمسين عاما في الأراضي السورية من البوابة الاقتصادية، تريد اليوم الفاتورة التي أنفقتها أثناء معاركها العسكرية لصالح بقاء الأسد على الكرسي، فهي لا تتوانى في مجلس الأمن لحصر المساعدات الإنسانية عبر بوابة دمشق والمطالبة بتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، ومما لاشك فيه أنها تدفع بحكومة دمشق، للمطالبة بهذه المساعدات أيضا، والهدف من هذه المطالبات بات جليا، حيث أن الطرفان مستمران في استغلال الجهود الدولية الرامية إلى التخفيف من معاناة السوريين في الداخل، لكي تصب في صالح تقوية دمشق، عبر الإشراف على كيفية إنفاق أموال المساعدات الدولية، ومحاولة احتكار إدارتها، والتحكم فيها، في محاولة للالتفاف على الموقف الدولي الذي يربط عملية إعادة الإعمار، بتحقيق تقدم في الحل السياسي.

بالتالي تحاول كل من موسكو ودمشق إقحام هذا المصطلح ضمن جهود الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على الحكومة السورية من جهة، ولفتح باب مساعدات إعادة الإعمار المغلق بتوجه من المجتمع الدولي حتى الآن، والذي يدعو إلى أولوية تنفيذ القرار الدولي 2254 الذي أقر بالإجماع في مجلس الأمن عام 2015 ويتضمن إحداث انتقال سياسي في سوريا، كشرط ضروري ولازم، للمشاركة في إعادة الإعمار.

يظهر ذلك جليا، حين ركز مسؤولو الحكومة السورية، أواخر أيلول/ سبتمبر الفائت، من خلال تصريحاتهم على توجه جديد يتعلق بمشاريع التعافي المبكر، بدءا من الأسد، وصولا إلى وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، الذي عقد لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش.

على إثره تعهد غوتيريس “بالعمل على ضمان تمويل مشاريع التعافي المبكر، خاصة الكهرباء التي تعد من أهم القطاعات الحيوية وأنه سيتواصل مع الدول المعنية بهذا الشأن”، في حين اشتكى المقداد، وفق وسائل الإعلام المحلية، من أن بعض الدول تعرقل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2642 بخصوص مشاريع التعافي المبكر، وهذا إشارة واضحة على استعجال دمشق على تنفيذ هذه المشاريع ومدى حاجته وحاجة من خلفها؛ (موسكو) إلى هذه الحزم من المساعدات.

لا يخفى على أحد مساعي موسكو أيضا ضمن هذا الملف، حيث صرح المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أن تنفيذ مشاريع التعافي المبكر في سوريا ما زال يخضع لشروط سياسية أولية من جانب المانحين، متوعدا بوقف آلية دخول المساعدات عبر الحدود التي ربط العمل بها بمشاريع التعافي المبكر.

قد يهمك: ترسيم الحدود مع سوريا.. تأجيل أم تهرّب؟

موردا ماديا وورقة ضغط؟

نيبينزيا أردف خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في سوريا في وقت سابق، أن خطة الأمم المتحدة الإنسانية لسوريا لعام 2022 للتعافي المبكر، للمرافق الطبية والتعليمية وشبكات المياه تعاني من نقص كبير في التمويل، معتبرا أن لهذه الأسباب دورا كبيرا في أن أكثر من نصف السوريين يعيشون في مناطق بحاجة إلى إزالة الألغام حتى الآن فيما لا تزال إمدادات الكهرباء تشهد نقصا كبيرا.

بالتالي، فإن ما تسعى إليه موسكو ودمشق يمكن تفسيره على أن المساعدات الإنسانية ومشاريع الأمم المتحدة تشكل موردا رئيسيا لكلا الطرفين، خاصة وأن هناك العديد من الشركات والمؤسسات في سوريا، بما في ذلك الشركات العاملة لمسؤولين في حكومة دمشق، أو منظمات ومؤسسات إنسانية كـ”الأمانة العامة للتنمية” التي تعمل تحت مظلة زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، أسماء الأخرس.

هذه الشركات تستخدم عقودها لكسر الحصار والعقوبات على حكومة دمشق، وقد تستثمر بأنشطتها روسيا لأنها اليوم هي الأخرى تحت العقوبات وتحتاج للالتفاف عليها، ومن جهة ثانية فقد وضع الروس أيديهم على أهم الموارد الاقتصادية في سوريا، ولن تستثنى المساعدات الإنسانية عنهم. ويبدو أن المكاسب والتمدد والسيطرة أولوية عند الروس، وسيساومون بالطبع ويضغطون بشكل جدي بكل أوراق الضغط المتاحة للحصول على هذه المشاريع.

أسباب عديدة تقف وراء سعي موسكو لاستغلال ملف المساعدات الإنسانية في سوريا، وذلك عبر حصره بيد الحكومة السورية. فهناك أسباب سياسية، وهي حصر الحل السياسي والتفاوض مع الولايات المتحدة بأيديها، واستخدام الملف السوري لمصالحها، سواء داخل أو خارج الجغرافيا السورية، خاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وبالتالي أعطت بعض المساحة للتلاعب والابتزاز مع الغرب. كما لا ينبغي أن يُنسى أن موسكو سعت منذ سنوات لتعويم الأسد على المستويين العربي والدولي، وبالتالي إخضاع سوريا التي لها مكانة إستراتيجية مهمة في الشرق الأوسط، لمصالح بلادها لعدة عقود.

أما السبب الثاني الذي لا يختلف في أهميته عن الأول وهو الجانب الاقتصادي، فإن قيمة مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار تقدر بمبالغ ضخمة تعادل ميزانية الاتحاد الأوروبي لمدة عشرين عاما. وبحسب شركة “فرونتير إيكونوميكس”، فإن التكلفة الاقتصادية للصراع تقدر بحوالي تريليون و 200 مليار دولار ، إلى جانب تكلفة التداعيات الاقتصادية التراكمية للحرب السورية تصل إلى تريليون و 400 مليار دولار حتى عام 2035. وإذا أضيفت التأثيرات السلبية على صحة الأطفال وانقطاعهم عن التعليم، سوف ترتفع هذه الكلفة إلى مليار و700 مليار دولار.

لذلك لن تتردد موسكو ودمشق في طلب حصر المساعدات عبر دمشق والإسراع ببدء مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار من خلال استخدام وسائل الضغط، وأبرزها التهديد المستمر بإغلاق معبر “باب الهوى”، وبالتالي، ستكون موسكو مستعدة للاستفادة اقتصاديا من تدفق الاستثمار الأجنبي في سوريا إذا  تم تنفيذ هذه الحزم الإنسانية بالفعل.

قد يهمك: قيادة عسكرية جديدة للفصائل السورية المعارضة.. دور تركيا وأسبابها؟

الإلحاح بتسريع تنفيذ مشاريع “التعافي”

المقداد، لم يلتقِ غوتيرش فقط في نيويورك، بل عقد أيضا اجتماعا مع مدير “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، أخيم شتاينر، وناقش معه “دعم أنشطة التعافي، بما في ذلك تعزيز الوصول إلى الكهرباء والخدمات الحيوية، لتقوية مرونة المجتمعات المحلية”. بالإضافة إلى حديث نائب وزير الخارجية السوري، بشار الجعفري، عن مشاريع التعافي مع عدد من ممثلي وكالات الأمم المتحدة، في العاصمة دمشق، مؤخرا.

كل هذه اللقاءات والمطالبات بزيادة المساعدات والبدء بمشاريع التعافي حدث في غضون أيام معدودة، وهذا أمر يدعو للتساؤل حول إلحاح دمشق على قضية المساعدات والسيطرة عليها كليا، وغير مستبعد أن تكون هذه اللقاءات ذات خلفية سياسية.

خلال السنوات الماضية وحتى قبل أيام معدودة، تتالت تقارير عدة ومنها من مؤسسات بحثية وحقوقية، حول كيفية استغلال الحكومة السورية للمساعدات الإنسانية الأممية، من اختلاس المساعدات واستخدامها كسِلاح، سواء من خلال توزيعها في المناطق التابعة لها، أو التلاعب بسعر صرف الحوالات المالية للمساعدات، أو توظيف عُمال المساعدات والمُشتريات من دائرته، إلى غير ذلك من أشكال الفساد.

بالتالي، فإن دمشق تُدير وتنفذ المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة من قبل مجموعة من الموظفين التابعين لها بشكل غير مباشر، وتوظف هذه المساعدات كما ترغب، ولا يخفى أن دمشق استطاعت بشكل أو بآخر ترويض الأمم المتحدة، وإجبارها على العمل ضمن الحدود التي يعرفها. هذا الشيء عمل عليه من خلال عدة أدوات، ولاشك أن الدول المتبرعة ليست على دراية كاملة بواقع الأمور على الأرض. وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هو على دراية جزئية فقط بكيفية إنفاق أمواله بشكل كامل في سوريا، وهذا ما اثبته تقرير استقصائي لـ مؤسستان سوريتان هما “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” و”البرنامج السوري للتطوير القانوني”، حيث كشفتا عن “كيفية استفادة الشركات الخاصة المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من مشتريات الأمم المتحدة من الدولة، وحصة التمويل التي تذهب إليها”.

معدو التقرير قالوا إنها “أول جهد كمي ومنهجي لفحص ديناميات الموردين”. وهؤلاء ممن يرتبطون بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع الحكومة السورية، وقد تغلغلوا في سلسلة صفقات وعقود أبرمتها الوكالات الأممية، لأعوام سابقة. وحلل التقرير الأموال التي ذهبت إلى أكبر 100 مورد معروفين للأمم المتحدة في سوريا.

معدو التقرير وجدوا أن حوالي 137 مليون دولار ذهبت إلى ما أسماه التقرير شركات ذات خطورة “عالية” أو “عالية جدا”، بما في ذلك الشركات المملوكة لمستغلي الحرب، والأشخاص المعاقبين، وحلفاء دمشق البارزين. بالتالي، “عندما يتم إساءة استخدام المساعدات الإنسانية وتشويهها بشكل منهجي، بحجة حماية حيادية العمليات الإنسانية، فقد تصبح سلاحا خطيرا في يد الحكومة ضد شعبها”.

قد يهمك: 2023.. العام المقبل على السوريين أقسى اقتصادياً ومعيشياً؟

خلاصة واستنتاجات

إن سيطرة دمشق على ملف المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، دون التوصل إلى حل سياسي شامل للملف السوري وتطبيق القرار الدولي 2245، يضع الملف السوري أمام منعطف خطير جدا، فمن جهة سيعتبر هذا اعترافا رسميا بالحكومة السورية في دمشق وإعادة تعويم الأسد، ومن جهة أخرى ستذهب كل هذه الأموال لصالح القوى المهيمنة على دمشق وأولهم موسكو، إلى جانب توظيف كل هذه الأموال وفق ما يتم حاليا في مناطق دمشق في خدمة المقربين منها، هذا عدا عن قضايا الاختلاس التي ستتم، وبالتالي نهب حصة السوريين من كل هذه الأموال.

صحيح أن مشاريع التعافي المبكر تساهم في تحسين مستويات المعيشة للسوريين، وإعادة الإعمار ستمكّن من عودة الملايين السوريين إلى بيوتهم المدمرة، ولكن هذا يعتمد على مدى نهب دمشق لهذه المساعدات والأموال.

لكن بالتأكيد تدرك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تماما أن استعادة الخدمات الأساسية من خلال التعافي المبكر ستقوي قبضة الحكومة السورية وسلطة بشار الأسد على الرئاسة لعقود، وهذا سيضعف ميله للجلوس على طاولة المفاوضات بهدف الوصول إلى تسوية مستدامة للصراع، وبالتالي فإن المفاضلة بين صانعي السياسة الغربيين، ولا سيما الأميركيين، تدور حول أفقها الزمني في الوقت الراهن؛ فإن قدموا المساعدة المتعلقة بالاحتياجات الأساسية فقط، هذا سيضر بالسوريين المدنيين على المدى المنظور، ويعزز من فرص التوصل إلى حل سياسي شامل على المدى الطويل، أو أن يقوموا بالعملية بشكل عكسي، أي إيجاد حل سياسي شامل وتطبيق القرار الأممي 2254، ومن ثم البدء بمشاريع التعافي وإعادة الإعمار، والجواب على هذا السؤال حتى اليوم واضح تماما، أي أن الغرب لن يسمحوا بمشاريع التعافي وإعادة الإعمار طالما أن الأسد يترنح تحت هيمنة الجانب الروسي من جهة والجانب الإيراني من جهة أخرى. فضلا عن تعنته بشأن نهج سلطته الشمولية الذي لم يجلس حتى الآن على طاولة المفاوضات مع خصومه بشكل جدي.

قد يهمك: “داعش” فزاعة قديمة جديدة في درعا.. ما الذي ينتظر المنطقة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.