خلال الأسابيع الماضية، توسعت “هيئة تحرير الشام” شمال غرب سوريا، لتبسطت سيطرتها على مدينة عفرين، وتقدمت نحو مدينة أعزاز، أبرز مناطق المعارضة في شمال سوريا، والتي كانت تحت سيطرة ما يسمى بـ “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، وسط صمت تركي حذر على الرغم من تبعية فصائل “الجيش الوطني” له، ويبدو أن التغيير في خريطة السيطرة في شمال سوريا يجري تحت أنظار وموافقة تركيا.

الصمت التركي على هذا القتال الذي وقع منذ وقت ليس ببعيد، يشير إلى أنها تخطط لمشروع يسهّل السيطرة والتحكم بهذه الفصائل حسب رغبتها ووقت ما تشاء، خاصة وأن تركيا معروفة بأنها دولة تبحث عن مصالحها الخاصة فقط ودون النظر إلى رغبات الدول والشعوب الأخرى من حولها، لذلك وضعت تركيا مجموعة فصائل المعارضة في قبضة واحدة سهلة التحكم فيها، مما يُسهّل عليها الكثير من القضايا التي تخدم مصالح أنقرة، بما في ذلك تبييض صفحة الحكومة، خاصة مع اقتراب الانتخابات التركية الصيف المقبل، إضافة إلى أن ضعف الفصائل يخدم ما تسعى إليه تركيا منذ فترة، وهو فرض توافق بين المعارضة وحكومة دمشق وجمعهم على طاولة المفاوضات سويا، والتي أعلنتها بوضوح شديد مؤخرا.

تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أفاد بأن السلطات التركية تخطط لدمج فصائل “الجيش الوطني” المعارض، الذي تدعمه ضمن جيش موحد وتحت قيادة مركزية. وبالنظر إلى أنه خلال الفترة الأخيرة بدأت أنقرة تتقارب نحو حكومة دمشق بشكل لافت، ومن ثم برزت الرغبة في التقارب من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، بدءا من الرئيس التركي، رجب أردوغان، وصولا لوزير خارجيته، جاويش أوغلو، الذي أكد قبل أيام على أهمية التوصل لحل بين الحكومة السورية والمعارضة السورية، تُثار عدة تساؤلات حول مساعي تركيا للسيطرة على تحركات هذه الفصائل، سواء من أجل الانسجام مع خطتها للتقارب مع دمشق، بالإضافة إلى أسباب أخرى للسعي التركي، قد يكون أحدها القضاء على الوضع الفصائلي المستشري بين الفصائل التي تدعمها أنقرة. وما إذا كانت تركيا ستنجح في تشكيل قيادة جديدة لفصائل “الجيش الوطني”، والهدف التركي من وراء هذه القيادة الجديدة وما قد يترتب عليها من تداعيات.

“قيادة مركزية موحدة”

موقع “ميدل إيست آي “البريطاني، كشف أن السلطات التركية تخطط لدمج فصائل “الجيش الوطني” المدعون من أنقرة، ضمن جيش موحد وتحت قيادة مركزية، بهدف إنهاء حالة “الفصائلية” التي تتسبب بتكرر حالات الاقتتال الداخلية، وكان آخرها قبل أيام في ريف حلب.

هذا ونقل الموقع عن مصادر أمنية تركية أن كل المجموعات والمكونات التابعة لـ “الجيش الوطني” ستُحل بموجب الخطة الجديدة.

ستظهر خلال الفترة القادمة قيادة مركزية وجيش موحد يشمل جميع الفصائل، على الرغم من أن العديد من المحاولات لإنشاء جيش موحد في السابق كانت بلا جدوى.

المصادر ذاتها أشارت إلى أن جميع الفصائل العسكرية التابعة “للجيش الوطني” ستنسحب من المناطق المدنية، وسيجري تشكيل جيش نظامي بقيادة مركزية، فيما استبعدت دمج “هيئة تحرير الشام” داخل “الجيش الوطني”، لأنها ليست جزءا من الحسابات التركية.

في هذا الإطار يرى المحلل السياسي السوري حسن النيفي، أنه يمكن التأكيد على أن استشراء الحياة الفصائلية في مناطق “غصن الزيتون أو درع الفرات أو نبع السلام”، ربما بدا مشكلة في حد ذاتها، سواء بالنسبة للسوريين بالدرجة الأولى كمواطنين وكذلك الحكومة التركية كراعٍ، ذلك لأن هذه الفصائل استطاعت بالدرجة الأولى أن تفشل حالة الحوكمة الموجودة في تلك المناطق، فكما يعلم الجميع، فإنه من الناحية الشكلية هناك “حكومة مؤقتة” تابعة لـ”الائتلاف السوري” والمدعوم من أنقرة، ولها مؤسسات مدنية تعمل في تلك المناطق وهناك قضاء وهناك قوى أمنية تتدخل بالشرطة العسكرية والمدنية، إلا أن فشل جميع أشكال الحوكمة الموجودة كان سببه وجود الحالة “الفصائلية”، التي كانت عصية على الضبط وظلت تعتبر نفسها أن من يحمل السلاح ويملك القوة هو فوق الجميع.

واقع الحال أن هذه الكيانات العسكرية، أيّ الفصائل والتي تعمل بدون قوانين وبدون مأسسة حقيقية، كان لها الدور الأكبر في إفساد كل أشكال الحوكمة الموجودة في تلك المناطق، على حدّ تعبير النيفي لـ”الحل نت”.

عناصر من “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة “الأناضول”

النيفي يعتقد أن الحكومة التركية إذا كانت تسعى لدمج الفصائل العسكرية في جيش واحد، ربما من هذا الجانب لتزيل عنها الحرج في موضوع انتشار الفساد والفوضى الأمنية، على اعتبار أن النقد الذي يطال تلك الحالة “الفصائلية” كانت تطال الحكومة التركية كونها الجهة المشرفة أو الراعية وربما نتيجة ازدياد النقد المتوجه إلى تركيا ولتزيل عنها حالة الحرج هذه، ربما تلجأ إلى دمج هذه الفصائل في جيش واحد.

قد يهمك: ترسيم الحدود مع سوريا.. تأجيل أم تهرّب؟

مصالحة مع دمشق؟

في سياق متّصل، فإن اقتتال الفصائل والمراقبة التركية دون أي تدخل يشير إلى أنه يصب بشكل أو بآخر في مصلحة التقارب التركي السوري.

من جانب آخر، يمكن أيضا النظر إلى هذه المسألة من زاوية الاستدارة التركية باتجاه التطبيع مع الحكومة السورية بدمشق، ذلك لأن أي تقارب أو أي مشروع مصالحة أو تطبيع مع دمشق يستوجب من الجانب التركي إعادة النظر بالحالة “الفصائلية” أو بمجمل ما يسمى بـ”الجيش الوطني”، الذي ترعاه وتصرف عليه الحكومة التركية، على حد قول النيفي.

هذه الخطة التي تسعى أنقرة لتحقيقها، بحسب ما أشار إليه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، لا يمكن أيضا تبرئتها من رغبة تركيا في المصالحة بين دمشق ومعارضتها

في هذا السياق يرى المحلل السياسي حسن النيفي، أنه في كلتا الحالتين؛ سواء كان الهدف التركي هو القضاء على الوضع الفصائلي والفساد أو لسبب آخر يتعلق بالمصالحة مع دمشق، كلا الأمرين قائمان وواردان، وهذه الخطوة التركية إن حصلت، أيّ دمج جميع الفصائل في جيش واحد، هي خطوة تمثل استحقاقا مهما أمام الحكومة التركية، سواء من حيث توحيد الفصائل لما له علاقة بالحوكمة، أو من حيث إذا كان هناك مشروع سياسي مستقبلي مع دمشق.

الصحفي عقيل حسين، بيّن في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا تراقب ما يجري حتى الآن ولم تتدخل، ومن الواضح أنه من صالحها إذا لم تُنهِ هذه الفصائل بعضها، فعلى الأقل ستُضعف نفسها وبالتالي يصبح فرض الحل بين المعارضة وحكومة دمشق أسهل، وهذا ما تريده تركيا وأعلنت عنه بكل وضوح مؤخرا بتصريحات مسؤوليها وكان آخرها على لسان وزير خارجيتها، جاويش أوغلو، و بذلك تكون فصائل المعارضة في أضعف حالاتها فهذا يعجّل بالذهاب إلى طاولة الحوار بين المعارضة وحكومة دمشق، خارج إطار جنيف والقرار الدولي 2254.

قد يهمك: دمشق تستولي على أملاك النازحين واللاجئين.. ما تبعات ذلك؟

ماذا تريد تركيا من الشمال؟

تركيا ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تسعى إلى إيجاد حالة من الاستقرار في الشمال السوري لطالما تسببت الفصائل المختلفة بفقدانه، كما تنوي إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، وهذا يتطلب استقرارا أمنيا من جهة، ودعما من الواضح أن تركيا ستعمل على استجراره من دول الاتحاد الأوروبي التي لا ترغب بتدفق المزيد من اللاجئين عبر الأراضي التركية.

مقاتلون من “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا ينتشرون على حاجز في منطقة كفر جنة على أطراف بلدة عفرين السورية في 19 تشرين الأول 2022 (AFP)

العديد من المحللين تحدثوا في وقت سابق لـ”الحل نت”، وأشاروا إلى أن سيطرة “هيئة تحرير الشام” على الشمال السوري، بحيث تكون هي الجهة الوحيدة الفاعلة في المنطقة، ستجعل من تركيا اللاعب الرئيسي في الشمال السوري بواسطة “الهيئة”، وبذلك ستعلم الدول الأوروبية أن تركيا هي من تسيطر فعليا، وبذلك سيكون هناك مصلحة أوروبية بدعم تركيا لوقف موجات اللاجئين حيث يقيم في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، فالإبقاء عليهم والحفاظ عليهم في مناطقهم من خلال التنمية الاقتصادية وإنشاء البنى التحتية، وهذا من الأولويات الأوروبية.

يبدو أن تركيا تريد إحكام قبضتها على شمال سوريا وإظهار بعض الاستقرار فيه، ومن ثم تحقيق المصالحة، وإن كانت هشة، بين دمشق ومعارضته، إلى جانب حلحلة ملف اللاجئين السوريين في تركيا وإعادتهم إلى شمال سوريا، مما يعزز فرص حزب “العدالة والتنمية” بزعامة أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، وكذلك تبييض صفحة الحكومة التركية من سجل الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا.

قد يهمك: القضية الفلسطينية خارج حسابات مصالحة “حماس” والأسد.. ما الدوافع الحقيقية لاستعادة العلاقات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.