التوتر المتصاعد بين صربيا وكوسوفو، يؤكد أن الخلاف الذي نشب بينهما في الأشهر القليلة الماضية حول لوحات السيارات الآتية من صربيا والتي تريد كوسوفو استبدالها بلوحات من إصدار كوسوفو، لم يكن سوى تفصيل أمام وقائع سياسية وجغرافية وإثنية، حوّلت منطقة البلقان في القرون الماضية إلى قنبلة موقوتة مؤهلة للانفجار في أي لحظة. وعلى الرغم من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا في 2008، لا تعترف بلغراد بهذه الخطوة وتشجع الأغلبية الصربية في شمال كوسوفو على تحدي سلطات بريشتينا.

 شرطة كوسوفو ووسائل إعلام محلية، أفادت أمس الأحد، بوقوع انفجارات واشتباكات بالأسلحة ونصب حواجز على الطرق خلال الليل في مناطق شمال البلاد، التي تقطنها أكثرية صربية، وذكرت الشرطة الكوسوفية في بيان، أن “جماعات إجرامية قطعت عدة طرق شمالي البلاد، أطلقت أعيرة نارية من مواقع مختلفة على وحدات للشرطة، كانت في مهمة رسمية بالقرب من سد بحيرة غازيفود، في طريقها إلى معبر برنياك مع صربيا”، وفي المقابل، انتقدت السلطات الصربية خطوة حكومة كوسوفو معتبرة أنها “محاولة لغزو مناطق شمالي البلاد”.

عودة التوتر بين الطرفين بعد مرور 14 عاما على استقلال كوسوفو، يثير التساؤل حول أسبابه، وما إذا كان مقدمة لحرب جديدة في منطقة البلقان وتأثيرها على دول الاتحاد الأوروبي.

ما هي أسباب التوتر؟

الاشتباكات التي جرت مساء أمس، أسفرت عن وقوع إصابات، كما أفادت بعثة الاتحاد الأوروبي المعنية بسيادة القانون، المعروفة باسم “إيوليكس”، بأن قنبلة صوتية أُلقيت على دورية استطلاع تابعة للبعثة الليلة الماضية ليل السبت الأحد، ولم تتسبب في وقوع إصابات ولا أضرار مادية. وطالبت “إيوليكس”، التي تضم نحو 134 جنديا من بولندا وإيطاليا وليتوانيا وتنتشر في مناطق الشمال، بتقديم الجناة “المسؤولين عن هذه الأعمال الاستفزازية إلى العدالة”.

الحدود الصربية الكوسوفية “وكالات”

سلطات كوسوفو، أعلنت في وقت متأخر من مساء السبت الفائت، عن ثلاثة حوادث جرى فيها إطلاق أعيرة نارية في مواقع مختلفة على وحدات للشرطة كانت في مهمة رسمية، شمالي البلاد، مضيفة أن “وحدات الشرطة اضطرت دفاعا عن نفسها، للرد بالأسلحة النارية على الجماعات الإجرامية التي ابتعدت وتراجعت إلى وجهة غير معروفة”.

حول أسباب التصعيد، يوضح الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه بعد 14 عاما من إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا، “نجد أن حدّة التوتر بين كوسوفو وصربيا تطل علينا من جديد وذلك بعد اتخاذ كوسوفو عدة إجراءات وقرارات، والعمل على تنفيذ خطه كان من المفترض ان تدخل حيز التنفيذ في أيلول/سبتمبر الماضي، تتعلق بالوثائق المدنية التي بموجبها يتم منح مواطني صربيا الإذن بالدخول، وأيضا ضرورة الحصول على لوحات معدنية صادرة من كوسوفو لمركبات الصّرب. وهو ما أثار غضب الأقلية الصربية في شمال كوسوفو والمقدّرة بحوالي 50 ألف صربي، مما جعلها تصعّد بإطلاق الأعيرة النارية تجاه الشرطة وإغلاق الطرق والتعدي بالضرب على العديد من الألبان الذين يمثلون العرقية الرئيسية في كوسوفو”، مضيفا أن المشكلة الكبرى أن الصّرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو لا يعترفون بالمؤسسات التابعة لبرشتينا عاصمة كوسوفو، وأيضا بلغراد حتى هذه اللحظة تعتبر كوسوفو جزءا من أراضيها وتدعم بشكل مطلق الأغلبية الصربية الموجودة فيها.

قد يهمك:طبول الحرب تقرع في أوروبا الشرقية.. ما نتائج الصراع بين صربيا وكوسوفو؟

حرب جديدة في البلقان ما علاقتها بما يجري بأوكرانيا؟

التوترات تأججت مع إعلان الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، يوم السبت، أن بلغراد ستطلب رسميا من بعثة “حلف شمال الأطلسي” لحفظ السلام في كوسوفو المعروفة باسم “كفور”، نشر عناصر من الشرطة والجيش الصربي في كوسوفو وفقا لقرار الأمم المتحدة 1244، الصادر في 10 يونيو/حزيران 1999.

الرئيس الصربي، كشف أنه “سيتم اتخاذ القرار الإثنين أو الثلاثاء”. ولفت إلى أنه متأكد أن الطلب سيُرفض، لكن لصربيا الحق في إرسال القوات وفقا لقرار الأمم المتحدة. وأوضح أن قرار الأمم المتحدة “ينص بشكل لا لبس فيه على وجوب قبول هذا الطلب”، و”يؤكد أن الجيش والشرطة الصربيين سيعودان إلى الأراضي الكوسوفية من أجل أداء مهام معينة”.

في هذا السياق، يتعين على “كفور” أن تعطي الضوء الأخضر للقوات الصربية لدخول شمال كوسوفو، وهو أمر غير مرجّح إلى حدّ بعيد لأنه سيعني تسليم الأمن في المناطق الشمالية التي يقطنها صرب كوسوفو إلى القوات الصربية، وهي خطوة يتوقع أن تؤجج التوترات في البلقان.

فارس يضيف، ما يحدث الآن بين كوسوفو وصربيا، لا يمكن فصله عما حدث بين روسيا وأوكرانيا على اعتبار أن صربيا حتى هذه اللحظة تنظر إلى كوسوفو على أنها جزء من أراضيها ولا تعترف بها كدولة، وهي لا تستجيب للضغوط الأوروبية في هذا الملف، خاصة أن العلاقات الصربية الروسية قوية تصل إلى درجه التطابق على مستوى القضايا الثنائية أوعلى المستوى الدولي، وعلى الرغم من الرغبة الشديدة لدى صربيا بالانضمام للاتحاد الاوروبي منذ العام 2009، إلا أن هذا لن يكون عاملا مؤثرا في الرضوخ للرغبات الغربية، خاصة أن هناك تشابها كبيرا بين الحالتين الروسية الأوكرانية والصربية الكوسوفية، على اعتبار أن هناك مواطنين في كلا الحالتين يقيمون داخل الدولة الأخرى مما يدفع في اتجاه أن يحدث بين صربيا وكوسوفو، كما حدث بين روسيا وأوكرانيا.

أيضا فإن قادة روسيا وصربيا الحاليين لا يتشاركان التقارب التاريخي فقط ولكن أيضا رؤية الدولة التي تعزز الميول القومية القوية، خاصة أنه في حالة تعرض صربيا لتهديد عسكري لن يساعدها أحد سوى روسيا التي لا تعترف بكوسوفو، وبالتالي فإن جميع المؤشرات على واقع الأرض تنبأ بتصاعد الأحداث في الفترة القادمة، مما يشير إلى الدخول في حرب جديدة سيكون لها تأثير كبير على أوروبا التي تعاني تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولن تحتمل اشتعال صراع جديد قديم بين صربيا وكوسوفو، والتداعيات الكارثية على الاقتصاد الأوروبي نتيجة هذه الصراعات، وأيضا على وحدة الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من تصدعات بالفعل نتيجة عدم وجود موقف موحّد ضد روسيا ورفض بعض الدول الأوروبية العقوبات الاقتصادية الموقّعة عليها وعلى رأسها صربيا.

ما هي إمكانية خفض التوتر في البلقان؟

مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ذكر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن “صربيا وكوسوفو توصلتا إلى اتفاق على إجراءات لتجنب مزيد من التصعيد”.

الاتفاق تم على أن تتوقف صربيا عن إصدار لوحات ترخيص للسيارات الخاصة بمدن كوسوفو، وأن تتوقف الأخيرة عن اتخاذ مزيد من الإجراءات المتعلقة بإعادة تسجيل المركبات. كما وافق الكوسوفيون على مقترح أميركي بتأجيل فرض غرامات على الصرب في كوسوفو الذين لم يسجلوا سياراتهم في بريشتينا.

قوات “كفور” بين صربيا وكوسفو “وكالات”

من جهته، قال الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت في تغريدة على “تويتر”، أمس، إن “الأزمة تختمر في شمال كوسوفو مرة أخرى”. وأضاف بيلدت، الذي كان مبعوثا أوروبيا في الحرب اليوغوسلافية، إن “الأمور ستزداد سخونة مع نيّة كوسوفو تقديم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الأيام القليلة المقبلة”.

في هذا السياق، يرى فارس، أن الاتحاد الأوروبي قادر على الوصول إلى توافقات بين الطرفين من أجل إيجاد أرضية مشتركة بينهم ،مما سيكون سببا رئيسا لتبريد وتلطيف الأجواء، ويكون دافعا لتحقيق الاستقرار في أوروبا، خاصة أن هناك اتفاقا تم الإعلان عنه بالفعل من قِبل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، يقضي أن تتوقف صربيا عن إصدار لوحات ترخيص للسيارات الخاصة بمدن كوسوفو، ولكن هذه الحلول هي حلول مؤقتة تؤخر انفجار الوضع فقط، وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي سيسعى بكل قوة إلى إيجاد حل شامل لهذه القضية التي تؤرق الاتحاد الأوروبي وتؤثر على استقراره.

أوضاع قابلة للانفجار من جديد في البلقان، خاصة أن صربيا تحاول إيجاد أي ذريعة للتدخل في كوسوفو التي لم تعترف بها حتى الآن دولة مستقلة، وسبق أن حشدت صربيا جيشها على الحدود مع كوسوفو مرات عدة في العامين الماضيين، مهددة بالتدخل في كوسوفو، بوصفه إقليما تابعا لسلطتها، لكن الاتحاد الأوروبي نجح مرارا في خفض التوتر، والذي قد ينفجر بشكل كبير مع احتمال تقديم كوسوفو طلبا رسميا للانضمام للاتحاد الأوروبي.

إقرأ أيضا:صربيا تفتح بوابة أوروبا مع دمشق.. هل تنجح المساعي الروسية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.