خلال شهر رمضان الذي لم يكمل نصفه بعد، ارتفعت الأسعار بشكل كبير مثل كل عام، وكأنه أمر ملازم لكل مناسبة في سوريا، وبالنظر إلى هذا الغلاء الفاحش، التوقعات أشارت ولا تزال إلى مضاعفة أسعار مستلزمات وحاجات العيد، مثل الملابس والحلويات واللحوم.

اللافت أن المحلات التجارية في العاصمة دمشق وجميع المحافظات السورية بدأت منذ الآن بعرض الملابس الصيفية في واجهة محلاتهم وبأسعار وصفت بـ”الفلكية” وتُقدَّر بالضعف عن العام الماضي، رغم أنه لا يزال هناك 15 يوما على عيد الفطر، وبالتالي من المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر مع اقتراب العيد وسط غياب أي دور رقابي للحكومة السورية، أو حتى تعويض المواطنين بمنحة أو مكافأة مالية من أجل تمرير العائلات العيد بحيث تدخل البهجة إلى قلوبهم، وسط التصعيد المستمر للأسعار، والتي أصبحت فوق قدرة المواطنين.

أسعار “خيالية”

على إثر اندفاع الناس إلى الأسواق لشراء ملابس العيد الجديدة ولا سيما لأطفالهم، بدأت بعض المحال في العاصمة دمشق بعرض موديلات جديدة للملابس، ولكن بأسعار خيالية بحسب صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء. 

هذا وبلغ متوسط سعر البنطال الجينز النسائي 85 ألف ليرة سورية ذي الجودة المتوسطة، أما البلوزة النسائية فتراوح سعرها بين 45-70 ألف ليرة، ووصل سعر القميص النسائي إلى 65 ألف ليرة، ذي الجودة المتوسطة أيضا، وكذلك الأمر بالنسبة للألبسة الرجالية، فقد وصل وسطي سعر البنطال إلى 80 ألف ليرة، والبلوزة إلى 50 ألف ليرة، والقميص 60 ألف ليرة فما فوق.

بالاستناد إلى الأرقام المذكورة هذه، فإن سعر القطعة الواحدة منها يعادل إما نصف راتب موظف حكومي أو ثلثه، وبالتالي إذا اقتنى مواطن قطعتين أو ثلاث قطع لنفسه، فإن هذا سيكلّفه كامل راتبه، ولكن ماذا عن باقي أفراد أسرته وخاصة الأطفال، بالإضافة إلى مستلزمات العيد الأخرى مثل الحلويات والقهوة وغيرها.

قد يهمك: سعر “الجاكيت النسائي” يعادل دخل الموظف.. المنتج السوري أغلى من التركي؟ – الحل نت 

هذا يقود بالحديث إلى أن نسبة كبيرة من السوريين في هذا العيد سيمتنعون عن شراء الملابس والعديد من احتياجات العيد، خاصة ذوي الدخل المحدود، وهم الشريحة الأكبر من المجتمع السوري اليوم. أو ربما تنقذ بعض العائلات من براثن هذا الغلاء غير المسبوق، إما بحوالة مالية خارجية من أحد الأقارب في دول الغرب أو الخليج، أو باللجوء إلى عمل إضافي شاق، من أجل تأمين بعض الحلوى لإضفاء البهجة على منزله، بحسب بعض الآراء من الشارع السوري. والباعة نفسهم يعترفون بأن المغتربين هم العامل الأبرز والحقيقي في تحريك تجارتهم.

تبريرات متكررة

في إطار هذا الارتفاع الهائل بأسعار الملابس، بيّن عضو “غرفة صناعة دمشق وريفها” مهند دعدوش، للصحيفة المحلية أن حال الصناعات النسيجية أصعب من العام الماضي بكثير، وأن تكاليف الإنتاج ارتفعت ضعفين كأقل تقدير، بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات وسعر الصرف لعدة مرات خلال العام الحالي، لافتا إلى أن الصناعات النسيجية كغيرها من الصناعات ترتبط بمدى القدرة على تصريف البضائع التي تسوء حتما بسبب انخفاض دخل المواطن.

دعدوش استدرك ذلك بأن هذا ما حصل خلال الموسم الشتوي الحالي حيث اضطر الكثير من الصناعيين إلى بيع بضائعهم بخسارة ليتمكنوا من شراء مواد أولية مرة أخرى والاستمرار في الموسم القادم، فمن غير المجدي الإنتاج من دون بيع بالنسبة لهم، على حدّ زعمه.

وفق تبريرات الحكومة السورية المتكررة حول ارتفاع أسعار الألبسة، فإن التصدير أقل بكثير مما كان عليه في السابق، وأن أكثر الدول التي يتم التصدير إليها هي دول الخليج والعراق ولبنان، إضافة إلى ليبيا والجزائر بشكل قليل. وأشار دعدوش إلى أهمية التصدير بالنسبة لاستمرار المعامل ليصل المنتج السوري إلى دول الخارج ولتكون مشهورة ومعروفة بالنسبة لهذه الدول.

جميع هذه الصعوبات تؤدي إلى خسارة الصناعي، وأكبر دليل على ذلك وجود كثير من المعامل التي أغلقت أبوابها وخاصة في محافظتي دمشق وحلب، إضافة إلى موجة الهجرة إلى مصر وخاصة في عامي 2020 و2021، وفق دعدوش.

أحد مسؤولي “غرفة صناعة حلب”، عزا غلاء أسعار الألبسة في وقت سابق لارتفاع تسعيرة المواد الأولية الداخلة في صناعة الألبسة بسبب مشاكل استيراد الأقمشة التي يتدخل فيها التاجر وأكثر من جهة أخرى، حيث يرتفع سعر القماش الواصل إلى المعمل بنسبة 30 بالمئة عن سعره الحقيقي. وبحسب وجهة نظره فإن القرارات الحكومية الأخيرة بخصوص ترشيد الاستيراد زادت الأمر سوءا، إضافة إلى أن تمويل الاستيراد لا يتم إلا عبر عدة مراحل وهذا ما يدفع التاجر إلى وضع نسب أرباح كبيرة جدا لأنه يقوم بتجميد أمواله لفترات معينة نتيجة ذلك.

أما الصناعيين والتجار فإنهم يبررون هذا السعر المرتفع بسبب تكاليف الإنتاج ورسوم الشحن وأن مصانع الألبسة رفعت أسعارها بما يتزامن ويتماشى مع ارتفاع تكاليف المواد والإنتاج، وكذلك متطلبات العمل، مثل حوامل الطاقة البديلة، هذا فضلا عن  أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى يؤدي إلى ارتفاع أسعار الألبسة أيضا، بمعنى آخر فإن تكاليف صناعة الألبسة تدخل ضمن دائرة واحدة مع أسعار المواد والخدمات بالقطاعات الأخرى.

العزوف عن الشراء

في ظل هذا الغلاء الكبير فإن من يعيش في سوريا بشكل طبيعي وحقيقي هو من الطبقة الغنية جدا، ومعظمهم من تجار الحرب، أما الطبقة الفقيرة التي تمثل نسبة كبيرة من السوريين اليوم، فحياتهم المعيشة في مستويات صعبة حيث أن الأعباء الاقتصادية تتزايد وتتراكم يوما بعد يوم.

هذا الحال هو نتيجة تدهور قيمة الرواتب مقارنة بمستوى المعيشة، بالإضافة إلى حالة التضخم في البلاد، وتزايد البطالة، وغياب الدور الحكومي الذي يفترض أن يدعم الوضع المعيشي للمواطنين، وتحسين الرواتب والأجور أو بخفض الأسعار بما يتناسب مع مستوى مداخيلهم.

على إثر هذا الغلاء ولا سيما ارتفاع أسعار الملابس بنسبة 200 بالمئة عن العام الماضي، لا شك أن نسبة كبيرة من السوريين ستمتنع عن شراء ملابس العيد وستكتفي إما بشراء قطعة واحدة لأطفالهم، أو قد لا يتمكنون من شرائها أيضا. ويبدو أن معظم السوريين لن يفكروا في شراء جميع مستلزمات العيد بعد هذه الأرقام الفلكية لأسعار السلع، وسيحصرون احتفالهم ببعض حلويات العيد المصنوعة في المنزل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات