عبرت المواقف الإقليمية عن وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه بعد تحطم الطائرة، أول أمس الأحد، عن تباينات عديدة، وكانت سوريا التي تملك علاقات استراتيجية وتحالف متين أخذ أبعادا أعمق بعد انخراطها الميداني في الحرب بسوريا خلال نحو عقدٍ تقريبا أو أكثر قليلا، قد أعلنت الحداد الرسمي لثلاثة أيام. 

الوكالة السورية للأنباء “سانا”، قالت إن سوريا تشارك الشعب الإيراني أحزانه بوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، فيما استبق بشار الأسد إعلان الحداد بتقديم التعازي إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، وكذا الحكومة والشعب بحسب منطوق بيانه الرسمي. 

الأسد ذكر إخلاص الرئيس الإيراني – الذي يشتبه بحادثته – في عمله وأداء مسؤولياته، وعرج على عمله مع رئيسي لبقاء العلاقات الاستراتيجية التي تربط سوريا وإيران مزدهرة، مذكّرا زيارته إلى سوريا وأنها محطة مهمة في هذا المسار. إلا أن هذا الإطراء يراه البعض، أنّه تنفس الصعداء بعد سلسلة من موجات الضغط التي مارسها رئيسي على الأسد لتنفيذ تعهدات وسداد ديونه.

راحة مفصلية

منذ الإعلان الرسمي عن وفاة رئيسي، تتالت البيانات والبرقيات التي صدرت من جهات عديدة، لا سيما القوى المتمحورة حول “محور المقاومة”، سوريا والعراق ولبنان واليمن، فضلا عن الفصائل الفلسطينية في سوريا. واللافت أن القيادة الفلسطينية لحزب “البعث” في قطره السوري، بعث باسم محمد قيس، الأمين العام لقوات الصاعقة، رسالة تعزية لخامنئي.

الأسد مقابل الاقتصاد سوريا ستصبح ضحية صفقات إيرانية؟ (3)
وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في زيارة تستغرق يومين بدعوة رسمية من الرئيس السوري بشار الأسد في 03 مايو/أيار 2023 في دمشق، سوريا. (تصوير: ماتين قاسمي/غيتي)

ثمة من يرى أن عهد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، اتسم بممارسة درجة لافتة من الضغط التكتيكي على الرئيس السوري بشار الأسد فيما يختص بتحصيل الديون الإيرانية وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وتذهب بعض التقديرات إلى أن الديون الإيرانية لدى سوريا تبلغ نحو 50 مليار دولاراً.

في ذات السياق كان لافتا تناول وسائل الإعلام الإيرانية حالة الديون الإيرانية وضرورة تحصيلها من الحكومة السورية، وذلك فور تقلّد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الحكم خلال العام 2021.

إلى ذلك قد يبدو منطقيا أن بشار الأسد برغم كل مسحات الحزن التكتيكية غير أنه سيرتاح خلال تلك المرحلة الانتقالية وحتى تسمية الرئيس القادم، غير أن ذلك أيضا قد لا يضع بصمات مختلفة على شكل ومنسوب حضور طهران الميداني في سوريا كون ذلك يقع داخل دائرة نفوذ بيت المرشد.

فقدان السهم

أشارت مصادر عديدة أن زيارة الرئيس الإيراني الراحل رئيسي لسوريا خلال العام الماضي كانت تبرز حجم وعمق الفجوات في عيني رئيسي تجاه سلوك دمشق والأسد الابن وضرورة أن يعكس صيرورة ردّ الجميل لطهران بصورة أكبر وأدق.

لماذا يجب على إيران التخلي عن بشار الأسد في عام 2024؟ (6)
المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (يسار) والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يمين) يلتقيان بالرئيس السوري بشار الأسد (الثاني على اليمين) في طهران، إيران في 08 مايو 2022. (تصوير المكتب الصحفي للزعيم الإيراني / غيتي)

بيد أن دمشق ماطلت كثيرا في تنفيذ عدد من الاتفاقيات التي أبرمت خلال زيارة رئيسي لدمشق مما دفع الأول للضغط كثيرا عبر التدخل في عمليات تدفق النفط.

على أية حال، ربما فترة الاستعداد وترتيب الاستحقاق الانتخابي في إيران تضحى مساحة فاصلة للأسد وحكومته أن يختار من الناحية التكتيكية والاستراتيجية منهاج تحركاته خلال الفترة المقبلة على أكثر من صعيد سواء في محيطه الإقليمي وكذا الدولي.

ولهذا، يرجّح بأنه ما بعد مقتل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته عبد اللهيان ستكون هنالك انعطافة كبيرة في مشروع إيران، والسبب الرئيسي في ذلك بأن وزير الخارجية هو عرّاب مشروع إيران الخارجي وهو صاحب الاتفاقيات التي أبرمت، سواء كان على صعيد نطاق اتفاقية بكين أو حتى على صعيد اتفاقيات التهدئة التي جرت في المنطقة العربية. وأيضا في بعض الأحيان كان هناك اتفاقيات تصعيد فكان حاضراً ويطير من بغداد إلى دمشق ومن دمشق إلى بيروت ومن بيروت إلى صنعاء.

فبالتالي عبد اللهيان يعتبر صانع السياسة الإيرانية الخارجية، وفق الكاتب والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، أما إبراهيم رئيسي فإنه لا يحظى بذات الأهمية بالنسبة لمشروع إيران وحتمية مقتلهما سيؤثر إيجاباً في الساحات العربية من ناحية الضغوط الممارسة ضد الشعوب العربية بشكل عام، وخاصة عندما نتحدث عن دور الأذرع الولائية متعددة الجنسيات، وعلى رأسها “فيلق القدس” الإيراني الذي يقود كافة العمليات العِدائية تجاه الشعوب العربية بينما سيضمحل دوره تدريجيا إلى أن يتم ترتيب البيت الداخلي في طهران. 

بين فكي كماشة

الأسد وحكومة دمشق، بموجب التفاهمات العربية والتهدئة ومحاولة إعادته إلى جامعة “الدول” العربية يبدو وفق حديث النعيمي، لـ”الحل نت”، مضطراً للتعامل مع هذا المتغير وفق أولويات، وهذه الأولويات يحددها أيضا التفاهمات التي تجري على نطاق أوسع مما كانت عليه في السابق، وهنا الحديث عن العامل العربي والعامل الروسي؛ حيث سيمارسان الضغوط القصوى على الأسد من أجل أن ينفك عن طهران.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) يلتقي hgرئيس السوري بشار الأسد في الرياض، المملكة العربية السعودية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. (الصورة من الرئاسة الإيرانية)

هذا المناخ بشكل عام سيكون المناخ الأنسب. لأن يكون هنالك تنصيب تلك الجهود بهذا الاتجاه. لكن هل يقبل الأسد أن يكون هو ضمن مشروع الدول العربية دون أن يكون هنالك دور لإيران في المنطقة، خاصة وأن بشار الأسد لا شك يشعر بارتياح بالغ من غياب الرئيس الإيراني كونه مارس ضغوطا ًهائلاً على دمشق خلال الفترة الأخيرة لتفعيل كافة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وإكراهات تسديد الديون وضرورة الدفع مقابل الحماية.

بيد أن مركز السلطة في سوريا بنفس التوقيت كونه نظام وظيفي، لن يستطيع التخلّي وربما قد يكلفه التخلي فقدانه للسلطة بشكل كامل وما حصل مع إبراهيم رئيسي، ربما قد يتكرر مع بشار الأسد، إن بقي على تعنته السابق في عدم قبوله بالتفاهمات الدولية لما يخص العملية السياسية برمتها بسوريا التي تنطلق من اتفاقيات جنيف سواء كانت الأولى أو الثانية. 

وبالمثل، تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 والمعني بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات ليس للأسد دور فيها. فالأسد اليوم بين فكين؛ إما أن يبقى ضمن مشروع إيران وإما أن يخرج من المشروع.

لكن في حال خرج من المشروع، فيرى النعيمي، أن حتمية المواجهة مع المشروع الإيراني ستكون في دمشق وسيؤثر كثيراً على قدرة الحكومة من خلال تلك الاتفاقيات الاقتصادية، وكذلك أيضا بعض الاتفاقيات مثل برامج النفوذ العسكرية، سيما في البرامج العسكرية المشتركة على صعيد المسيرات وبعض الصواريخ البالستية وأجهزة التوجيه للصواريخ والمسيرات.

إذاً، فالمرجّح بأن بشار الأسد لن يستطيع الانفكاك عن النظام الإيراني بسهولة ويسر، بالرغم من تقديم كافة المغريات سواء كان من خلال جامعة “الدول” العربية أو من خلال الاتفاقيات الثنائية أو من خلال فتح مسارات للتهدئة عربياً، إلا أنه ما زال يمارس سياسة “البلطجة” تجاه دول الجوار خاصة في مشروع المخدرات والمتفجرات، وبالتالي من الصعوبة بمكان إعادة تأهيل الأسد طالما لم يستطع حسم تموضعاته الاستراتيجية من قوات “الحرس الثوري” الإيراني.

على أية حال ما زال الموقف في الداخل الإيراني، يعتريه الغموض على مستوى الانتخابات الرئاسية، وما سيفضي إليه الأمر من ترتيب البيت من الداخل، والحفاظ على موازين القوى وخلال ذلك ينبغي أن يحسم بشار الأسد مواقفه إقليمياً ودولياً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات