تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصاعداً غير مسبوق على نسق الهجمات المتبادلة فيما بين “حزب الله” وإسرائيل، فيما تبدو تلك الهجمات نذر صراع وحرب مفتوحة بين الجانبين بينما ترتفع حناجر القوى الدولية الفاعلة محذرة من خطر سيولة الجبهة في لبنان وتداعيات ذلك إقليمياً ودولياً.

وحتى اللحظة تتحرك الجهود الدبلوماسية والسياسية لنزع فتيل الاشتعال فيما بين تل أبيب و”حزب الله”. بيد أن أغلب السيناريوهات تميل أن الأولى لن تدع اللحظة الحالية، تمر دون أن تقوض قدرات “حزب الله” القتالية وتعديل ميزان القوة على هذه الجبهة مهما كانت كلفة، الأمر وموقف الولايات المتحدة وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من اندلاع أعمال ميدانية واسعة على تلك الجبهة.

في نفس الوقت تتحرك وزارات لبنانية لمواجهة تداعيات ذلك الاحتمال المرجح، إذ كشف وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، أن وزارته “أطلقت خطة طوارئ الحرب ورفعت الجاهزية الصحية لدى طواقمها الطبية”. بينما وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية عدداً من السيناريوهات للمواجهة وللتخفيف من نتائج الحرب إذا ما وقعت.

هل اقتربت ساعة الصفر؟

يشير العميد الركن، سعيد قزح، إلى أن إسرائيل تتجه إلى تصعيد عملياتها العسكرية على الجبهة الشمالية من أجل إيجاد حل لمشكلة سكان المستوطنات الشمالية ولخطر صواريخ ومسيرات “حزب الله”.

ماذا ينتظر حزب الله بعد إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني؟
منظر جزئي يظهر نهر الليطاني في لبنان في وادي البقاع الجنوبي. (تصوير جوزيف عيد / وكالة الصحافة الفرنسية)

يتابع الخبير العسكري اللبناني تصريحاته لـ”الحل نت”، قائلاً إن تل أبيب تدرك أن اللحظة الحالية لا ينبغي أن تمر دون تعديل لميزان القوة وضرورة أن يفقد “حزب الله” فائض الأسلحة الذي يمتلكه. وبالتالي أمام إسرائيل طريقان لا ثالث لهما. الأول يتمثل في الحل السلمي الدبلوماسي، بينما الثاني يخضع لاعتبارات وتقديرات الحل العسكري.

بحسب المصدر ذاته، فإنه بفشل المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين بالتوصل إلى الحل الدبلوماسي لم يعد أمام إسرائيل وللدقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سوى الحل العسكري والذي سيكون حسب التقديرات العسكرية من خلال خيارين: غزو بري للجنوب اللبناني أو تصعيد الغارات الجوية والاستهدافات النوعية المباشرة لقيادات ومقاتلي “حزب الله”.

وفقا للعميد الركن سعيد قزح الذي يرجح الخيار الثاني، فإن التصعيد سيستهدف البشر والحجر وكذا قيادات “حزب الله” وأماكن تمركزه في لبنان وسوريا مما يؤدي نحو كسر إرادة الحزب، وإجباره على القبول بشروط إسرائيل المتمثلة بسحب قوات الحزب إلى شمال الليطاني ووقف إطلاق النار.

وبالسؤال حول لماذا يقيد “حزب الله” تحركات عناصره واستعمالهم للجوالات بغرض حمايتهم؟ يرى الخبير العسكري اللبناني أن ذلك يعود إلى التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به إسرائيل في مجال الرصد والمراقبة والاستهداف ولاستعمالها الذكاء الاصطناعي وتطورها بهذا المجال.

يؤكد الخبير العسكري اللبناني سعيد قزح، أن هذه حرب وجودية بالنسبة لإسرائيل. لذلك لن تسطيع ولن تسمح بأن تخرج منها مهزومة، وبالتالي أي توقف عن الحرب حاليا سيتم تقديره في تل أبيب بمثابة كونها لم تحقق جملة الأهداف الاستراتيجية.

 يستدرك العميد سعيد قزح قائلا مع افتراض انزلاق الأقدام نحو سيناريو الغزو البري ضد الجنوب اللبناني، حينها ستقدم إيران على إرسال ميليشياتها الولائية العراقية والسورية والأفغانية والباكستانية، إلى مسرح الأحداث في لبنان للانخراط في العمليات العسكرية، لكنها لن تتدخل بقواتها أو صواريخها، لأنها تخشى رد الفعل الإسرائيلي أو الأميركي تجاهها وتجاه برنامجها النووي.

كما أنه لن يكون هناك أي رادع أمام إسرائيل باستهداف المرافق الحيوية أو البرنامج النووي في إيران في حال وقع انخراط إيراني مباشر. بيد أن ذات المصدر أردف قائلاً إن السيناريو الأكثر ترجيحاً سيكون صوب التصعيد الجوي والعمليات النوعية الخاصة.

الأسلحة الجديدة

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان عاموس هوكشتاين، الثلاثاء الماضي، إن واشنطن تسعى إلى تجنب اندلاع “حرب أكبر” بعد تصاعد إطلاق النار عبر الحدود بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي على مدى الأسابيع الماضية. ووصف هوكشتاين الوضع على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل بأنه “خطير” وقال إن ذلك ما يفسر وجودي في لبنان. جدير بالذكر أن المبعوث الأميركي زار لبنان ليوم واحد بهدف عقد اجتماعات بعد زيارة قصيرة إلى تل أبيب.

آموس هوخشتاين (يسار)، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، الوسيط بين إسرائيل ولبنان، يلتقي برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (يمين) في بيروت، لبنان في 04 مارس 2024. (تصوير حسام شبارو/غيتي)

بدوره يلفت الكاتب السياسي حنا صالح لما جاء في مقال جريدة “التليغراف” البريطانية عن مطار بيروت الدولي وما تضمنه من ادعاءات غير مسنودة عن وجود مخزن صواريخ وأسلحة لـ”حزب الله”.

 ويتابع حنا صالح الكاتب اللبناني حديثه لـ”الحل نت”، أن على اللبنانيين التنبه أن تقرير “التليغراف” لم يأتِ من فراغ، فدعونا نتذكر أن احتلال “حزب الله” لبيروت في السابع من شهر أيار/مايو من العام 2008 بدأ مع انفجار الصراع حول إقالة مسؤول أمني عن المطار؟

من حيث التوقيت لا ريب أنه خطير ويتماهى مع سياق الحرب النفسية، أو مع ما هو حاصل من تدهور مريع، وضع الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية على حافة الحرب الواسعة. ولقد جاء التقرير بعد “هدهد” “حزب الله”، وبعد رسائل التهديد لقبرص، حيث القواعد البريطانية التي تنطلق منها الطائرات الحربية البريطانية المشاركة في قصف الميليشيات “الحوثية”، التي تنفذ أخطر قرصنة تستهدف التجارة الدولية، ما تسبب بإضعاف دور قناة السويس وارتفاع حاد في أسعار كافة السلع وخاصة الحبوب والمحروقات.

كما أن ذلك يعد خطيرا جداً خاصة أنه جاء بعد تهديد “يديعوت احرونوت” التي قالت بأن “لا حصانة لبيروت”.

ولافت أيضا أن حدثاً إعلامياً من هذا النوع لم يجد جهة رسمية تتولى نفيه غير وزير “حزب الله”، علي حمية، وزير الأشغال ومدير المطار المحسوب على الحزب فأين دولته؟ ووزير داخليته؟ ووزير دفاعه؟ وأين هو التقرير المفصل عن وضع المطار الدولي، وخلوه من أي مخازن أسلحة أو ممنوعات، والممهور من جهاز أمن المطار ومن قيادة الجيش؟ المسألة أخطر من خطيرة ولا يمكن معالجتها بدعوة فولكلورية للإعلام لزيارة المطار؟ بحسب المصدر ذاته.

المعادلة الصعبة

اللبنانيون اليوم، وخاصة أبناء العاصمة، استعادوا ذكرى التفجير يوم آب/أغسطس 2020 الذي دمّر المرفأ وأجزاء واسعة من قلب بيروت وأسفر عن أخطر إبادة بشرية.

دبابة إسرائيلية تطلق قذائفها باتجاه جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية تطلق قذائفها باتجاه جنوب لبنان (أ.ف.ب)

إذاً – والحديث للكاتب حنا صالح – مطلوب خطوات حكومية عسكرية ملموسة من شأنها أن تطمئن اللبنانيين أولاً، تؤكد على مدنية المطار، وتقطع الطريق على مخطط استكمال عزل لبنان عن العالم. مطلوب بإلحاح خطوات حازمة تؤكد فرض السيطرة الجدية للمؤسسات الأمنية والعسكرية الشرعية على أهم منشأة مدنية، والضمانة التي يطلبها الناس، لضمان تحييد المطار بعدما راح العدو يوسع من استباحته للبلد، شراكة جهة محايدة وليس أفضل من الشراكة مع “اليونيفيل”.

إن مطار بيروت رئة لبنان الأساسية هو الصلة بالعالم، وجسر التواصل بين اللبنانيين، وليس مستغرباً أن يكون أحد عناوين الحرب النفسية في الصراع المفتوح مع العدو، بعد إعلان “حزب الله” منفرداً ومن فوق رقبة الدستور فتح جبهة الجنوب لـ”مشاغلة” العدو و”إسناداً” لغزة.

بهذا السياق لا يعود مهماً التحليل والقول إن تقرير “التليغراف” يفتقر إلى الأدلة، فخطورة التقرير أنه استحضر المطار الدولي إلى مسرح الأهداف الحيوية المحتملة من العدو. كما أن الخطورة برزت على وجوه كل اللبنانيين، وأولهم أهالي الضاحية الجنوبية للعاصمة، لأنه منح العدو فرصة وضع المطار الدولي ضمن بنك أهداف العدو وهذا شأن خطير يتطلب الحزم والوضوح ووضع مصالح اللبنانيين ومصلحة البلد فوق كل اعتبار.

وبالسياق، يبقى التساؤل: إلى متى يستمر التحريض المقيت ضد مناوئي “حزب الله” والتشكيك بوطنيتهم، وإلى متى غطرسة الإصرار على حق طلب فحص دم اللبنانيين من جانب قوة أمر واقع، لا يرف لها جفن وهي تعلن أنها جزء من الأمة التي يقودها الولي الفقيه؟. كما يشير صالح.

الثمن الباهظ

يقول اللواء دكتور سيد غنيم زميل للأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، حول الهجوم المحتمل من قبل إسرائيل ضد “حزب الله” في لبنان، إن إسرائيل ستستمر في حربها في غزة كاتجاه ثانوي دون اتفاق سياسي في محاولة لتحقيق أهدافها جنوباً.

إسرائيل لبنان حزب الله
متظاهرون لبنانيون يبحرون في قوارب تحمل شعارات تؤكد حق لبنان في ثروته البحرية من الغاز، بالقرب من العوامة الحدودية بين إسرائيل ولبنان في مياه البحر الأبيض المتوسط قبالة بلدة الناقورة الجنوبية في 4 سبتمبر 2022. (تصوير محمود الزيات/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأضاف في إطار حديثه لـ”الحل نت”، أن ذلك في الوقت الذي ستعمل فيه الفصائل الفلسطينية على إعادة تأهيل قدراتها العسكرية، وذلك من خلال تجنيد المزيد من المقاتلين لكتائب “القسام” والكتائب الأخرى. 

“حماس” ستبذل المزيد من الجهود من أجل تجنيد وتدريب مقاتلين جدد للجناح العسكري للحركة، لتعويض خسائرها خلال الحرب، معتمدة على الشباب البالغ من العمر 18 عاما للالتحاق بصفوفها، وربما أقل عمراً.

وفي سياق متصل والحديث لغنيم الأستاذ الزائر بحلف ـ”الناتو” والأكاديمية العسكرية ببروكسل، أنه ما زالت واشنطن تضغط على إسرائيل بتعليق بعض الأسلحة والذخائر، ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي يؤآف غالانت للتوجه إلى واشنطن لمناقشة أربع قضايا هامة: 

الأولى: نتائج العملية في رفح والانتقال للمرحلة الثالثة من القتال في غزّة. 

الثانية: التطورات على الساحة اللبنانية في مواجهة “حزب الله”.

الثالثة: الأسلحة التي يحتاجها الجيش الإسرائيلي مع قرار واشنطن تعطيل للإمداد بـ3000 قطعة ثقيلة. الرابعة: برنامج إيران النووي.

إذاً، فإن إسرائيل قد تستخدم أسلحة لم تستخدمها من قبل (غير معلومة بدقة حتى الآن) في حال نشوب حرب شاملة مع “حزب الله” في لبنان. وهو ما سيأتي في إطار التمهيد النيراني الكثيف والمركز والقوي للغاية بهدف إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في حزب الله، وبما يقوض قدراته بشكل كبير يمنعه من تهديد شمال إسرائيل، وذلك بدافع الحسم الإسرائيلي الأولي بالنيران، وعدم الانجرار إلى حرب طويلة.

ويختتم الدكتور سيد غنيم تصريحاته التي خص بها “الحل نت”، قائلا إنه في حالة عدم نجاح الضربات النيرانية الإسرائيلية ضد “حزب الله” في تحقيق الهدف منها، وهو تقويض أو ردع “حزب الله”، في أقرب وأسرع وقت ممكن، فستقوم القوات الإسرائيلية بالتحرك لشن عملية عسكرية برية محدودة ضد الحزب في لبنان.

بدورهما تبدو؛ إيران و”حزب الله” في موقف حرج للغاية، ولن يحسن موقفهم إلا أحد أمرين، إما تنفيذ ضربة إحباط قوية مؤثرة على القدرات الإسرائيلية تمنعها من تنفيذ ما تصورته وهو سيناريو صعب للغاية ولكنه ممكن باحتمالات أقل، أو محاولة وقف التصعيد بأي شكل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات