في إحدى محامص الموالح بسوق “الهال” في مدينة الحسكة، يقف عيسى، 16 عاما، لساعات طويلة يوميا، من أجل الحصول على أجره اليومي الذي لا يكفي أسرته لأسبوعين. حيث يعمل عيسى في تقليب المكسرات وتحضير الطلبات وتوصيلها، وسط ظروف عمل غير لائقة، لكنّه مجبر على ذلك. 

ولا يُعتبر عيسى الطفل الوحيد الذي يعمل في أعمال شاقة، إذ انتشرت عمالة الأطفال في سوريا، نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال 14 سنة، إذ باتت الأُسر تعمد إلى إخراج أبنائها من المدارس للالتحاق بسوق العمل، للبقاء على قيد الحياة، إلى جانب التكيّف السلبي. 

من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل

بصوت خافت تخنقه المسؤولية المبكرة يروي عيسى قصته وهو يواصل عمله لمراسل “الحل نت” في الحسكة، إذ قال إن والده توفي منذ سنوات، وأصبح المسؤول عن أمه وأخواته بعد زواج أشقائه ومغادرتهم البيت، ما أجبره على العمل في سنّ مبكرة لإعالة أهله.

عيسى أثناء عملة في محمص بمدينة الحسكة – “الحل نت”

ترك عيسى مدرسته منذ أربع سنوات، وانخرط في سوق العمل وهو ما يزال في الرابعة عشرة من عمره، ليتحمّل عبء توفير الإيجار والمصاريف اليومية. يقول: “أدفع الإيجار، وأجلب الطعام، وأحاول ألا ينقصنا شيء.” 

يعمل عيسى من الساعة السابعة صباحًا وحتى الرابعة مساءً، ويتقاضى مقابل ذلك 300 ألف ليرة سورية شهريًا فقط، من دون أي حوافز أو تأمين صحي، بسبب صغر سنه وكونه يُعتبر قاصرًا، بينما يخشى أن يتعرض لإصابة خلال عمله. 

وقال عيسى لـ “الحل نت“: “الشغل صعب ومتعب والراتب قليل لكن ما في عندي بديل، إذا ما اشتغلت بنصفي بالشارع. طلعت من المدرسة مجبر لأنه ما في غير هذا الحل.”

يأمل عيسى بأن تتحسن الظروف الاقتصادية في البلاد، التي شهدت تحوّلا سياسيا وتستعد لرفع العقوبات، وأن يتمكن من متابعة دراسته، رغم أن ذلك لم يَعد سهلا عليه، لكن “على الأقل سيساعد الآخرين أن يعيشوا بوضع أفضل وإكمال دراستهم”، وفق تعبيره. 

ظاهرة متنامية بلا حلول

قصة عيسى ليست استثناءً في الحسكة، بل تمثل نموذجًا شائعًا لأطفال اضطروا إلى التخلي عن طفولتهم من أجل البقاء. ففي ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة، وغياب الدعم الاجتماعي، أصبحت عمالة الأطفال ظاهرة واضحة في الأسواق والورش والمحال، وسط تجاهل شبه تام من الجهات المعنية.

طفل يبيع على عربة متنقلة في مدينة الحسكة – “الحل نت”

بحسب ما رصد مراسل “الحل نت” في الحسكة، فإن عمالة الأطفال تتركز بشكل أكبر في المنطقة الصناعية وفي محال بيع المواد الغذائية وبين الباعة المتجولين، حيث يعمل الأطفال في مِهن شاقة تفوق قدرتهم البدنية. وأشار إلى أن الأطفال غالبا ما يتعرضون للاستغلال، إذ يعملون لساعات طويلة وبأجور متدنية، وسط غياب الحماية القانونية. 

ظاهرة عمالة الأطفال، لا تنحصر بمحافظة أو منطقة بعينها، بل تُعتبر مشكلة في كل المحافظات السورية، نتيجة تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد وغياب الحماية الاجتماعية.  

“فريق منسقو استجابة سوريا” ذكر في تقرير له صُدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن عدد الأطفال المتسربين من المدارس في جميع أنحاء سوريا يبلغ نحو 2.3 مليون طفل.

وقال تقرير لمنظمة “يونيسف” صدر في آذار/مارس الماضي، إن الحالة الإنسانية العامة للأطفال في عموم أنحاء سوريا تبقى مروّعة؛ إذ يعيش 9 من كل 10 أشخاص تحت خط الفقر، والعديد من الأُسر يضطرها اليأس وضيق اليد إلى اللجوء إلى تدابير مثل عمالة الأطفال وتزويج القاصرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات