محكمة ألمانية تدين قائد ميليشيا ارتكب جرائم ضد الإنسانية في درعا

قضت محكمة ألمانية في مدينة شتوتغارت، أمس الثلاثاء، بالسجن مدى الحياة على السوري عمار علي المزرعاني، أحد قادة الميليشيات الموالية للنظام السابق في درعا جنوب سوريا.

جاء الحكم بعد إدانة المزرعاني بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق مدنيين في مدينة بصرى الشام بريف درعا.

حكم المحكمة جاء بعد جلسات امتدت لثمانية أشهر، واستندت إلى شهادات نحو 30 شاهداً، بينهم ناجون من الاعتقال والتعذيب، إضافة إلى أفراد من الجالية السورية في ألمانيا وأوروبا، قدّموا وثائق وشهادات وصوراً ومواد مرئية تدين المتهم.

هجمات ليلية وترهيب للسكان

بحسب ما ورد في منطوق الحكم، فإن المزرعاني، الذي كان يقود فصيلاً محلياً مدعوماً من ميليشيا “حزب الله” اللبناني، شارك في تنفيذ مداهمات مسلحة ليلية ضد منازل المدنيين في مدينة بصرى الشام، خلال الفترة الممتدة من 2012 وحتى 2014.

وشملت التهم الموجهة إليه القتل والخطف والتعذيب وتسليم معتقلين لجهاز “المخابرات العسكرية” السوري، حيث تعرضوا لانتهاكات جسيمة، حسب توصيف المحكمة.

وركزت المحاكمة على حادثة جرت في آب/ أغسطس 2012، عندما اقتحمت مجموعة مسلحة يقودها المزرعاني منزلاً في بصرى الشام وقتلت شاباً في الحادية والعشرين من عمره أمام أفراد أسرته، قبل أن تسرق محتويات المنزل وتضرم فيه النيران.

الملاحقة القضائية في أوروبا لمجرمي الحرب: إجراءات شكلية أم نافذة أمل للسوريين؟

وصل المزرعاني إلى ألمانيا عام 2015 ضمن موجة اللجوء الكبرى، قبل أن يُلقى القبض عليه في نهاية عام 2023 بعد بلاغات متكررة من ضحايا وشهود تعرّفوا عليه داخل الجالية السورية.

عيون المجرم عند نطق الحكم

أحد أبرز الشهود في القضية كان الشاب محمد أحمد العيسى، وهو من أبناء بصرى الشام ويقيم حالياً في ألمانيا.

كتب العيسى عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عشية النطق بالحكم: “ست سنوات من العمل على هذه القضية، نتمنى أن ينهيها القاضي بالقول: إدانة المتهم”.

وأضاف: “أشعر باختلاط في المشاعر، وأن هذا الحكم هو انتصار لكل أم شهيد في سوريا، وإنصاف لأهل بصرى الشام طال انتظاره، وإثبات جديد لمقولة لا يضيع حق وراءه مطالب.”

وكشف العيسى إن والدته، التي كانت شاهدة أيضاً، أصرّت على حضور الجلسة الختامية رغم أنها كانت في بلد آخر.

قائلاً: “ناقشناها كثيراً لأن السفر مرهق، لكن رفضت وقالت: هكذا موقف لا يتكرر في الحياة سوى مرة واحدة، وأريد أن أرى عيون هذا المجرم عند نطق الحكم”.

سقوط الأسد يفتح أبواب العدالة

أشارت المحكمة إلى أن سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي أزال حاجز الخوف لدى كثير من الشهود، ومكّن بعضهم من تقديم أدلة لم يكن من الممكن مشاركتها في السابق، بينها صور ومقاطع فيديو لمراكز احتجاز ومنازل تعرضت للحرق والنهب، يُعتقد أنها ضمن العمليات التي شارك فيها المتهم.

الحكم جاء في إطار سلسلة محاكمات تجريها السلطات القضائية الألمانية لملاحقة مسؤولين ومتورطين في جرائم حرب في سوريا، مستفيدة من مبدأ “الاختصاص القضائي العالمي”، الذي يتيح محاكمة المتهمين بجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان وقوعها.

الحكم على المزرعاني لاقى ترحيباً في أوساط الحقوقيين السوريين، إذ كتب المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس على صفحته في “فيسبوك”: “لا للإفلات من العقاب… العدالة لكل الضحايا”. وأشار شماس إلى أن المحكمة الألمانية استمعت بإمعان إلى الشهادات والوثائق قبل أن تُصدر حكمها بالإجماع.

وسبق أن أصدرت محكمة ألمانية في عام 2022 حكماً مشابهاً بالسجن المؤبد على الضابط السابق في جهاز الأمن السوري أنور رسلان، بعد إدانته بتهم تتعلق بتعذيب وقتل معتقلين في فرع الخطيب بدمشق.