الظروف الاقتصادية المتدهورة في سوريا أجبرت العديد من الشباب وحتى كبار السن على الاعتقاد بأن الهجرة هي أملهم الوحيد لصناعة مستقبل أكثر إشراقا، ولتحقيق هذا الطموح، غالبا ما يلجأ السوريون إلى مكاتب السفر والسياحة، التي تغريهم إعلاناتها البراقة بسهولة استخراج الإقامة والتأشيرات وعقود العمل في الخارج. 

مع ذلك، فإن الحقيقة المؤسفة هي أن هذه الأحلام تفسح المجال في كثير من الأحيان لأن يقع الشخص فريسة لممارسات احتيالية وخداع من مكاتب السفر والسياحة، مما يتركه أمام خيبة أمل فضلا عن ضياع أمواله التي حصل عليها بشق الأنفس، فكيف استغلت العديد من المكاتب لهفة هؤلاء وباعت لهم الوهم، حيث تم تسجيل عشرات الحالات خلال العام الماضي والحالي.

الجانب المظلم لمكاتب السياحة السورية

غالبا ما تنتهي أحلام أولئك الذين لجأوا إلى المكاتب السياحية في سوريا بعدم تحقيقها، رغم مخاطرتهم ببيع ممتلكاتهم، بما في ذلك المنازل والسيارات، بالإضافة إلى مدخراتهم الذهبية، أو الاستدانة من مقربين لهم لتحمل الرسوم التي تطلبها هذه الشركات الاحتيالية.

أحد المكاتب السياحية في دمشق - إنترنت
أحد المكاتب السياحية في دمشق – إنترنت

 مدير القياس والجودة بوزارة السياحة، المهندس زياد البلخي، أكد في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، أمس الاثنين، أن عمل المؤسسات ووكالات السياحة والسفر تقوم على إصدار تذاكر السفر داخل وخارج سوريا، وتسهيل الحصول على تأشيرة الدخول إلى بلاد المقصد كخدمة مكملة للرحلة السياحية، ولاسيما عندما تكون عملية إصدار تأشيرة الدخول أو ما في حكمها تتم عن طريق منصات إلكترونية.

خلال هذا العمل تظهر إشكالات نظرا لاختلاف طبيعة التذاكر المصدّرة والتي تتراوح ما بين تذاكر قابلة لتغيير الموعد وأخرى غير قابلة، وأيضا قيام بعض الوكالات بالعمل على إصدار تأشيرة دخول لدول مختلفة، التي تتغير في شروطها وطبيعتها وينتج عن ذلك إشكالات من رفض منح هذه التأشيرات.

لكن وطبقا لما أورده موقع “أثر برس” المحلي، أمس الاثنين، فإن عددا من المكاتب السياحية في مدينة دمشق أغلقتها وزارة السياحة بتهمة النصب والاحتيال وتقاضي مبالغ مالية من أصحابها؛ وبعد أن أغلقت الوزارة هذه المكاتب أعادت بموجب القانون المبالغ إلى أصحابها.

خلال العام الماضي والعام الحالي تم ورود 57 شكوى، أُحيلت منها 21 شكوى للجنة إدارية ذات طابع قضائي حيث نتج عنها تجميد عمل 6 مواقع سياحة وسفر وإغلاق 8 أخرى، كما أُحيلت اثنان من الشكاوى للقضاء المختص وفي بعض الشكاوى تمت المعالجة حيث أعيدت أموال المواطنين إليهم.

يأس الشباب السوري أمام الكذب

معظم مكاتب السياحة تغري السوريين المستضعفين بوعود كاذبة بحياة أفضل من خلال السفر مستفيدين من رغبة الأشخاص ولا سيما الشباب في الهجرة عبر تقديم تسهيلات شفهية لوجهات أحلامهم، وأماكن إقامة فاخرة، وتجارب مثيرة غير محققة على أرض الواقع متلاعبة بعواطفهم.

مسافرون في مطار دمشق الدولي - إنترنت
مسافرون في مطار دمشق الدولي – إنترنت

من الأساليب الشائعة التي تستخدمها مكاتب السياحة بحسب حديث المواطنة لمياء الأسود، لـ”الحل نت”، إمّا عدم الإفصاح حول أسعار التذاكر وموعد السفر، أو “تقديم المكاتب عديمة الضمير تأشيرات ووثائق سفر مزورة”، حيث يواجه السوريون الذين يسعون إلى السفر العديد من التحديات، بما في ذلك قيود التأشيرات والعقبات البيروقراطية.

الاستغلال المالي هو جانب رئيسي من جوانب الاحتيال في مكاتب السياحة السورية، حيث يتم إجبار الضحايا على دفع رسوم باهظة للخدمات التي لا يتم تقديمها في كثير من الأحيان أو لا تفي بالتجربة الموعودة، وتشترط هذه المكاتب أن جميع الرسوم المدفوعة غير مستردّة.

إحدى الممارسات الحية بحسب الأسود، هو تهافت الشباب السوري نحو المكاتب السياحية للحصول على تأشيرة إلى ليبيا، لينطلقوا منها نحو أوروبا عبر قوارب الموت، إلا أن هذه المكاتب تستغل التهافت عليها من خلال إما تزوير التأشيرات أو رفع سعرها حيث وصلت قيمة التأشيرة إلى 3 آلاف دولار للشخص الواحدة.

ما يدفع الشباب في سوريا نحو هذه المكاتب بحسب الأسود هو اليأس، ولذلك فإن أغلبهم يرون أنفسهم مضطرين لتأمين المبلغ المطلوب، ولكن المفاجأة هي إما أن يقوم المكتب بإلغاء المعاملة بحجة إغلاق باب التأشيرات من البلد المصدر، أو امتلاء حجوزات الطيران في سوريا، وفي كلا الحالتين فإن العميل يخسر أمواله التي دفعها بحجة أنها رسوم مكتب غير مستردة.

سراب الوعود الفارغة 

أما الطريقة الأخرى التي باتت تتّبعها بعض المكاتب، وهي تزوير الفيزا المطلوبة لدخول البلد، ولا يتم كشفها إلا عند نزول الشخص في هذا البلد، ليتفاجأ أن ما دفعه من أموال ذهبت نتيجة تعرّضه للاحتيال والتزوير، وفي ذات الوقت يتم إعادته إلى بلده، وهنا الضحية تكون أمام خيارين إما الذهاب للمحاكم التي ستمتد إلى سنوات أو إعادة المحاولة مع مكتب آخر.

بوابة مطار دمشق الدولي - إنترنت
بوابة مطار دمشق الدولي – إنترنت

عدد طالبي اللجوء السوريين منذ بداية عام 2023 بلغ نحو 131 ألفا و700 شخص، وتم قبول 94 بالمئة من طلباتهم، بينما لا يزال هناك 88 ألف طلب معلّق، وفق ما ذكرت أحدث بيانات صادرة عن وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، وكل هؤلاء قدموا بعد سفرهم من سوريا إلى بلدان مثل ليبيا وتركيا ولبنان مستغلين قدرة بعض المكاتب السياحية استخراج تأشيرات دخول لهم.

منذ عام 2021، تشهد مراكز وفروع الهجرة والجوازات السورية طوابير غير مسبوقة من آلاف المتقدمين للحصول على جوازات سفر بشتى الوسائل، بما فيها الرشاوى والوساطات، هربا من الوضع الاقتصادي المتردي، حيث بلغت قيمة استصدار الجواز المستعجل 1000 دولار رغم التعريفة الرسمية والمقدّرة بـ  800 دولار أميركي.

في أيلول/سبتمبر 2022، أصدرت وزارة الداخلية تعميما نص على رفع رسوم الحصول على “جواز السفر المستعجل” من 300 ألف ليرة سورية إلى 500 ألف ليرة، بذريعة تسريع الحصول عليه ومنحه خلال يوم واحد، لتعود في كانون الثاني/يناير 2023 برفع سعر الجواز الداخلي الفوري إلى مليون وخمسة آلاف ليرة سورية، بعدما كانت تكلفته 500 ألف في السابق.

مدّة انتظار الجواز العادي بعد الحجز على المنصة الإلكترونية تصل من 6-8 أشهر مع دفع مبلغ 120 ألف ليرة سورية لمكاتب المعاملات والحجز، فيما تُقدر مدّة انتظار حجز الجواز المستعجل من 1-3 أشهر ودفع مبلغ يصل إلى 500 ألف ليرة سورية أو أكثر في بعض الأحيان.

على الرغم من أن جواز السفر السوري يحتل المرتبة 108 وفقا لمؤشر “غايد” لترتيب جوازات السفر حول العالم، إلا أن ذلك لم يمنع بعض المكاتب السياحية من خداع وبيع الوهم للسوريين الذين يحاولون إيجاد طريقة للخروج من حياتهم المضطربة، عبر الإعلانات البراقة والوعود الزائفة مستغلين رتابة وبيروقراطية الأجهزة الحكومية في ملاحقتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات