جنيف2

لم يعد مهماً شكل الذهاب الى مؤتمر جنيف 2، المهم الان طريقة الخروج منه، وسبل عودة الوفدين السوريين الى المعسكرين اللذين لن يكسبا من التواجد معا، للمرة الاولى، في قصر سويسري واحد، او ربما الجلوس في قاعة اجتماعات واحدة، سوى تحديد موازين القوى المتقاربة بينهما، واستكشاف فرص احداث خلل فيها.

لا بد من الاعتراف اولا بان احد المعسكرين، معسكر النظام، يذهب الى جنيف، او بالتحديد الى مدينة مونترو القريبة، بجبهة متماسكة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بل وحتى اجتماعيا، وبالاعتماد على حلفاء خارجيين اقوياء يمثلون غالبية دولية ساحقة، تضم اميركا وروسيا والصين وايران واسرائيل وعددا كبيرا من الدول الاوروبية الغربية والشرقية التي تختلف مع سلوك النظام واساليبه، لكنها لا ترى له بديلا في الظرف الراهن.. ولا تعتبر ان بروز شبكات تنظيم القاعدة في سوريا عارض مؤقت، انتجه البطش الشديد، ويمكن ان يصفى من قبل الجمهور السوري باسرع من التصفية الجارية هذه الايام للاسلام السياسي في مصر وتونس.
ولا بد من الاقرار بان المعسكر الاخر، معسكر المعارضة، ما زال في طور التشكل، بل في مرحلة التأسيس، بناء على معطيات المغامرة، او بتعبير ادق المخاطرة الاولى التي بدأت قبل نحو ثلاث سنوات ودفعت جزءا من الجمهور السوري الى الخروج الى الشوارع مناديا بالاصلاح والتغيير، بوحي من الربيع العربي، بموجته التونسية والمصرية، ثم الليبية في مرحلة لاحقة، لكنه عاد خائبا من تلك الرحلة التي لم تثمر كياناً معارضاً موحداً وقوياً وموثوقاً ، ولم تؤد حتى الى حصوله على السلاح النوعي القادر على تعديل موازين القوى العسكرية على جبهات القتال.
ما زال هذا المعسكر يعتمد على غالبية شعبية حاسمة، وحالة ميليشياوية كاسحة، تزيد بمعدل الضعفين عن القوة العددية للنظام وميليشياته، وتقدر بما يزيد على 350 ألف مسلح سوري منتشرين في مختلف الانحاء السورية، عدا طبعا عن مئات المتطوعين الاسلاميين العرب والاجانب الذين ارسلتهم بلدانهم، او فتحت لهم ابواب الهجرة الى سوريا، لممارسة هواية القتل وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث على الطريقة الشرعية.. واقفلت في وجههم سبل العودة، بحيث لم يبق لهم سوى خيار الموت على الارض السورية.
وما زال هذا المعسكر يستند الى دعم اقلية خارجية تقتصر على دول الخليج العربي، وليبيا، ويفتقد  الدعم المصري الذي لا يمكن ان يعوضه احد من العرب، وترتاح  الى العون التركي، الذي لا يمكن ان يكون بديلا كافيا، لا سيما في ضوء الجدل الداخلي المستمر بين الاتراك، الاسلاميين والعسكر، حول افضل السبل للتعامل مع الثورة السورية.. وبالتالي حول افضل التصورات لمستقبل سوريا.. وهو جدل يربك الموقف الخليجي، ويزيد من صعوبة تحديه للتفاهم الاميركي والروسي، على ضبط المواجهة داخل حدود سوريا، واستنزاف جميع المتورطين فيها من دون استثناء.
القاسم المشترك الوحيد، او ربما بند الاجماع النادر بين جميع اطراف الازمة السورية، هو ان النظام الحالي لا مستقبل له في الشكل الحالي. والرئيس بشار الاسد لم يعد رئيساً “الى الابد”. ولعل النجاح الابرز للثورة حتى الان هو انها اسقطت التوريث الذي كان يمكن ان يستمر مع بقية اجيال العائلة.. لكن البحث عن البديل للنظام الحالي لم يبدأ بعد، والارجح انه لن يبدأ في مونترو الاربعاء المقبل، لا بين معسكري المواجهة اللذين لم يستنزفا تماما، ولا بين القوى الاقليمية والدولية التي ليس لها رغبة او مصلحة أكيدة حتى في وقف اطلاق النار.
طالما ان موازين القوى لم تتبدل، فان نقل السلطة وفق بنود جنيف 1 ليس واردا، ولن يكون مؤتمر جنيف 2 مهتماً حتى في البحث عن هدنة، هي في الجوهر خطوة اولى نحو تقسيم سوريا استنادا الى خطوط التماس المرسومة حاليا، والتي لم يستطع احد من المعسكرين اختراقها الا في مناطق محدودة..والتي لم يحن أوانها الدولي بعد.
اهم ما يمكن ان يسفر عنه المؤتمر هو ان كلا الوفدين سيعود من مونترو ليواجه من جمهوره اسئلة وردود فعل متشابهة، ستتطور الى عمليات محاسبة متفاوتة.. واستعدادات لمعارك طاحنة تؤدي الى تغيير طبيعة الوفدين الى مؤتمر جنيف 3.
ساطع نور الدين ـ المدن
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.