جعفري
الحربُ غير العادلة التي يتعرض لها الشعب السوري المظلوم، متعددةُ الجبهات. وليست المفاوضات سوى جانب واحد منها. إذ هناك الحرب (بكل مآسيها وضحاياها) التي تشتد ضراوة على الأرض، وعلى ربوع سوريا كلها، كما أن هناك حرباً أو جبهة الإعلام، وهي حساسة وموجعة. فهل ارتقى إعلام الثورة، ومن خلاله إعلام وفدها المُفاوِض في جنيف، إلى مستوى الحدث والمسؤولية؟!
هل يستطيع الائتلاف السوري المفاوض انتزاع شيء من ممثلي النظام خلال هذه المفاوضات؟! وهل يتصرف وفق منهج سليم يؤدي به حتما إلى تحقيق شيء ما؟ هل لديه أوراق تفاوضية صلبة؟ وهل لدية أوراق إعلامية ومخابراتية يستطيع زعزعة ممثلي الأسد في سويسرا؟
المفاوضات الشاقّة حربٌ شرسة تُخاضُ مع نظام شرس، ولكن للمفاوضات امتدادات وتمظهرات عديدة، يحتل الجانب الإعلامي فيها حصة كبيرة، مثلما المعارك على الأرض، والقدرة على تجاوز شِراك وأفخاخ النظام الذي طوّر ماكينة الخداع خلال عقود.
والحقيقة أن الائتلاف السوري، من خلال مفاوضيه، لم يُظهروا، لحد الساعة، قدرة كبيرة على المناورة، واستثمار جرائم النظام وهي أكثرُ من أن تُعدّ وتُحصى.
لِنَر كيف يستغل النظام كل اختراق، ولو كان صغيرا على الأرض، ليُحوّله إلى نصر سياسي وإعلامي، مثل حالة الطائرة التي حطت في مطار حلب، بعيد انطلاق المفاوضات. بينما الثورة، ومن خلالها وفدُها المُفاوِض، لم تستطع أن تستثمر لصالحها مأساة البراميل القاتلة (التي لم تُرَ مِن قبلُ) التي يطلقها طيران النظام على شعبه، فلا تفرق بين مسلح ومدني. كما أنها لم تستثمر فضيحة صور قتل الأسرى في سجون النظام السوري (التي عرضتها قناة سي إن إن وبعض الصحف ولم تَلْقَ الصدى الذي تستحقه)، والتي تستطيع أن تضعه في ورطة لا مثيل لها.
يلعب النظام على وتر الإرهاب، ولكن لماذا لا يتمّ كشف دوره في صنع وتغذية الإرهاب وتصديره؟ ألَمْ يَكُن رئيس الوزراء العراقي الحالي، نوري المالِكي، يشكو، للأمم المتحدة ولمجلس الأمن، دَعمَ بشار الأسد للإرهاب في بلاده؟ ولماذا (ويا لها من صدفة!) توقّف هذا الرجل، الآن، عن هذه الاتهامات المحقة؟ (لنبحث عن الدور الإيراني في مُصالَحة الرجُلين: المالكي والأسد) وإذا كانت الفصائل المتطرفة بمثل هذه القوة والشراسة، ألَيْس بسبب غض النظام السوري الطَّرْفَ عن نشاطاتها السابقة ما دام أنها كانت من أجل التصدير للخارج، أي إلى دول الجوار؟
يجب أن يُدرك مُفاوِضو الائتلاف السوري أنهم يمثلون كل أطياف المعارَضة، كل أطياف الشعب السوري التي تخلّى عنها النظام خلال العقود الأخيرة (والتي تعيش معه حالة طلاق نهائي)، وبالتالي يجب عليهم أن يتصرفوا وفق هذا التصور، من خلال استحضار كل مطالبها، على الطاولة، والمتمثلة في الحرية والكرامة والديمقراطية، أي إنهاء هذا الكابوس الذي جثم على صدورها خلال عقود. ولهذا السبب فعليهم أن يبْعثوا كلّ مرة رسائلَ تُطمْئِنُ الداخل المنتفِض، حيث تُخاض الحربُ، بشراسة رهيبة.
لماذا يبدو مُفاوِضو النظام أكثر حيوية من مفاوضي الائتلاف؟ ببساطة، لأن أعضاء الائتلاف لا يتوقفون عن التصريح لقنوات ومنابر عربية مضمونة سلفا إلى جانبهم (كقناتي العربية والجزيرة وغيرهما)، بينما الأهمّ هو عرض المأساة السورية أمام المنابر الغربية والأجنبية. وليس معنى هذا التوقف عن التحدث إلى المنابر العربية، بل التركيز الشديد على الرأي العام الدولي، الذي بدأ يتململ ويحس بنوع من السأم والقلق أيضا مع الأخبار التي تصله عن توافد مئات من مُواطِنيه للقتال في سوريا.
ولهذا فإن تصريحات من قبيل استعداد الجيش الحر لطرد المسلحين الأجانب قد تُثير رضى الدول الغربية وارتياح شعوبها. بل إن التعبير عن الاستعداد للتعاون مع هذه الدول لاسترداد مواطنيها سيكون عاملا فعّالا وإيجابيا في شرح طبيعة الصراع في سوريا: أي الحرب المفروضة على الشعب السوري من قِبَل نظام متفنن في القتل وشعب لا يملك سوى المقاومة لانتزاع حقوقه ومنها الحق في الحياة والمواطنة الحقة.
إن كل ما يقع على الأرض يمكن استثماره في المفاوضات الشاقة. كان على أعضاء وفد الائتلاف أن يقرأوا، مليّا، التجربة الفيتنامية في المفاوضات مع الأمريكان ( التناغم بين المقاومة والتفاوُض، ما دامت النتيجة واحدة: تحقيق تطلعات الشعب). من المؤكد أن ثمة أعضاء في الوفد يتمتعون بالخبرة والقدرة على الصبر والمناورة. ولكن المفاوضات حربٌ أخرى لا تَقِل شراسة عن الحرب في الجبهات المشتعلة. ولهذا فالغريب حقا عدم قدرة إعلام الائتلاف على فضح أكبر ماكينة تعذيب في الشرق الأوسط (كل الدول الغربية تعرف هذا، والنظام السوري إلى جانب بعض الأنظمة العربية ساهم في معركة أمريكا ضد ما يسمى بالإرهاب في تعذيب وقتل الكثير من مُواطِنِيه). لماذا لا يَستثمِرُ المُفاوِضُ والإعلامي المرتبط بالائتلاف السوري تصريحات الذين دخلوا سجون الموت “الأسديّة” وخرجوا منها شبه أموات؟! ولماذا لا يمنح صدى لتصريح الفنان يوسف عبدلكي من أن سجون الأسد الأب “أرحم” من سجون الأسد الابن؟! ولماذا عدم التركيز على أن سوريا تضم أكبر السجون وأكبر عدد من السجناء والمعتقلين والأسرى في الشرق الأوسط؟
لسنا في وارد التشكيك في قدرة وخبرة وفد الائتلاف، ولكن ما نود التركيز عليه هو أنه يستطيع أن يرتكز على الكثير من إنجازات الثورة، من بداياتها إلى الآن، وأن عليه أن يستفيد من كل الخِبْرات التي يمتلكها المُقاوِمون والثوار، دون أن ينسى الانفتاح وطلب الدعم من أصدقاء الثورة في الخارج وخاصة في الغرب. ألا يستفيد النظام السوري من بعض صحفيي الغرب، وخصوصا المشتغلين في صحيفة لوفيغارو الفرنسية، مثلا؟!
وبالمختصر: إن النظام السوري كذّابٌ ومُناوِرٌ ( حتى كيسنجر قال مثل هذا الكلام قبل عقود!)، وإن مُفاوضيه لا يَقلّون عنه كَذِبا ودجلا. وعلى مُفاوِضي الائتلاف أن يعرفوا، جيدا، مَعَ مَنْ يتفاوضون! وقديما قيل “كل شيء جائز في الحرب”. و”الحرب خدعة”!
بشير البكر ـ المدن
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.