جرمانا

ليلى زين الدين

اشتعلت الجبهة الشمالية الشرقية من مدينة جرمانا، حيث سيطرت قوات المعارضة على منطقة كشكول وكادت تتمركز في الدخانية، لتصبح إدارياً في أراضي المدينة، وعلى بعد أمتارٍ من دخولها فعلياً.

جرمانا التي يقطنها الدروز والمسيحيون إلى جانب خليطٍ من مختلف أطياف المجتمع السوري، وحالياً يقطنها ما يزيد عن 200 ألف نازح ومهجر، رفضت الانجرار منذ بداية الثورة إلى المواجهة مع النظام، كما أن مشايخها كان يصورون في بياناتهم أنهم لا يريدون مسيرات تأييدٍ في مدينتهم، في إشارةٍ إلى رغبتهم بالبقاء على الحياد، وهو ما لم يسمح به النظام.

الموقع الجغرافي للمدينة يجعلها ذات بعد استراتيجي للطرفين حيث تعتبر مدخلاً رئيسياً بالنسبة لمقاتلي المعارضة للعاصمة دمشق، وبالنسبة للنظام هي بوابته إلى الغوطة الشرقية، ومنها شن حملته الأخيرة على المليحة، وعلى أسطح مبانيها تمركزت قناصته.

وأصبحت المدينة أشبه بجزيرةٍ معزولة خلال سنوات الثورة، تحيط بها المناطق المنتفضة على النظام من مختلف الاتجاهات، باستثناء اتجاه الشمال الغربي نحو دمشق وطريق المطار، فإلى الشرق أراضي المليحة التي وقعت قبل وقتٍ قريب بيد النظام وصولاً إلى زبدين ودير العصافير، وأيضاً إلى النشابية والبلالية، وفي الشمال سقبا وعربين وصولاً إلى حرستا وعين ترما ومنها كان التسلل الأخير قرب حاجز الكباس ومن ثم السيطرة على كشكول، وفي الشمال الشرقي كفر بطنا وحمورية ومسرابا، وفي الجنوب طريق المطار الفاصل بين جرمانا وبيت سحم وعقربا وشبعا، وفي الجنوب الغربي الحجر الأسود والحسينية والذيابية وكذلك ببيلا ويلدا وداريا والغوطة الغربية.

في شمال شرق المدينة أحرزت قوات المعارضة تقدماً يعتبره ناشط من المدينة فضل عدم ذكر اسمه، أنه تطور يهدد المدينة بالسقوط، حيث تم ضرب حاجز الكباس ومن ثم الاستقرار في الدخانية وهو حي صغير.

هذا التقدم يمكن مشاهدته إذا ما “نظرنا إلى كامل المشهد” وفق الناشط، حيث التطور الحاصل على جبهة القنيطرة، واتصال قوات المعارضة مع بعضهم في الغوطة الغربية وصولاً إلى جنوبي دمشق التي وقعت مؤخراً اتفاقيات مصاحة مع النظام “يمكن أن يتم نقضها في أية لحظة”.

أحداث ميدانية أعادت السؤال إلى الواجهة حول إمكانية دخول قوات المعارضة إلى المدينة المحسوبة على النظام، وسقوطها سيعني خسارة أهم المواقع الاستراتيجية بالنسبة له، لكنها في الوقت ذاته الحرب التي تعتبر استنزافاً لإمكانيات الطرفين.

وهنا يشير الناشط إلى واقع المدينة التي تعتبر خزاناً بشرياً للنظام حيث يقطنها الضباط ورجال الأمن، علاوةً عن احتوائها أعداداً كبيرة من قوات حزب الله والقوات العراقية والإيرانية التي تساند النظام، وتشير بعض الأنباء إلى أن غالبيتهم من مواقع قيادية.

ويضيف الناشط استطاع النظام تجنيد ما يقارب 700 شخص من أبنائها تحت ما يسمى “الدفاع الوطني”، مع العلم أن معظم أهالي جرمانا اليوم سواءً كانوا شبيحة أم لا يرفضون اقتحام مدينتهم، فتجربة عدرا العمالية ودير عطية ما زالت ماثلة أمامهم، وهم على يقين بأن النظام لن يرحم المدينة، وكذلك هو الحال بالنسبة للكتائب الإسلامية والفصائل المعارضة التي باتت تعتبر المدينة أحد ألدّ أعدائها بسبب ممارسات الشبيحة خلال سنوات الثورة.

الهيئة الروحية في مدينة جرمانا والتي صدر عنها العديد من البيانات عبرت خلالها عن ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي، وحماية المهجرين وعدم الصلاة على أي شخص يقاتل خارج حدود المدينة، ومؤخراً أصدرت قراراً بعدم الصلاة على أي شخص يشارك في عمليات التعفيش، لكن إلى الآن لم يصدر عنها أي رد فعل حيال الأحداث الأخيرة.

وهنا ينوه أحد شيوخ المدينة والذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن الهيئة الروحية والأهالي يتفقون على ضرورة البقاء على الحياد، لكن كان من الصعب منع النظام من استخدام أراضي المدينة في حربه على الغوطة، فكان لجرمانا الحصة الأكبر من القذائف والتفجيرات، لكن الهيئة الروحية حاولت قدر الإمكان حماية المدينة من ردة الفعل السلبية عبر بياناتٍ متقدمة في مضامينها، لا تعجب النظام، لكنها أيضاً عاجزة عن فتح مواجهة معه، وكل ما تريده سلام المدينة.

النظام ومنذ بداية الثورة أغرق المدينة بالسلاح، التي زادت وتيرته بالفترة الأخيرة، حيث اتجه الناس إلى التسلح بشكلٍ فردي لحماية بيوتهم وعائلاتهم، بغض النظر عن موقفهم مع أو ضد النظام، حسب ما يشير ناشط من لجنة العمل الوطني في المدينة، وبالتالي الدخول إلى المدينة سيفتح الباب أمام حمامٍ من الدماء، فالنظام لن يسمح بسقوطها، لكونها على تماسٍ مباشر مع طريق المطار الدولي وسقوطها سيعني سيطرة قوات المعارضة عليه، واتصال الفصائل مع بعضها البعض في الغوطة الشرقية وفي جنوبي دمشق وصولاً إلى الغوطة الغربية ووصولاً إلى درعا، كما أنها المدخل إلى المتحلق الجنوبي باتجاه دمشق، ومن جهةٍ ثانية يعتبر الناشط أن سقوط المدينة سيعني سقوط ورقة الأقليات التي يتذرع النظام بأنه يحميها.

ويشير الناشط إلى أن الأهالي الآن لا حول لهم ولا قوة منهم من بدأ ينزح منها، كما حدث في كشكول والدويلعة، هم في عين المواجهة منذ بداية الثورة دون أن يكون لهم رأي في ذلك، ودفعوا ثمناً باهظاً بالقذائف التي في أيامٍ كثيرة يتجاوز عددها الثلاثون قذيفة، أما التفجيرات وحسب توثيق ناشطون فوصل عددها إلى أكثر من 16 تفجير، أودت بحياة ما يزيد عن 500 شخص.

وعلى المقلب الآخر ومن ناحية فصائل المعارضة، فهذه العملية أيضاً يشوبها الصمت والتكتم كما سبق وحدث في معركة عدرا العمالية، حيث تعتبر الفصائل المشاركة فيها وهي (الجبهة الإسلامية، وألوية الحبيب المصطفى، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وفيلق الرحمن، ومجموعة من لواء فسطاط المسلمين)، أن التكتم على المعلومات جزء من نجاح العمل العسكري حسب أحد المقربين من الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية.

ورغم ما كانت تقوله بعض المصادر العسكرية بأن الدخول إلى جرمانا لن يكون إلا في سياق المعركة والتقدم باتجاه دمشق، إلا أن الوقائع الميدانية يمكن أن تفرض شروطاً مختلفة، وهنا يشير الناشط إلى أنه يمكن أن يقايض مقاتلوا المعارضة مدينة جرمانا بحي جوبر، حيث أتت العملية الأخيرة لتخفيف الضغط عنه لكونه يتعرض لقصف قوات النظام منذ حوالي خمسة عشر يوم، وتم قصفه مؤخراً بالكيماوي، كما يمكن اعتباره تعويضاً عن خسارة قلب مدينة المليحة التي سقطت مؤخراً بيد النظام.

أما عن إمكانية فتح معركة دمشق، فيعتبر أحد مصدر عسكري فضل عدم ذكر اسمه أنه من المبكر الآن الحديث عن هذا الأمر، فمثل هذه المعركة تحتاج إلى توافر الإمكانيات المادية والمعنوية واللوجستية، وإن كان هناك تقدماً على بعض الجبهات فهذا لا يعني أن الوقت حان لدخول العاصمة دمشق.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.