كيري1

ما تزال واشنطن تأمل أن بشار الأسد سوف يُعزل عن السلطة، لكنها لم تعد تُصر عليه كشرط مسبق للسلام.

سيمون تِسدول، الغارديان، 25 كانون الثاني 2015.

ترجمة موقع الحل السوري.

 

يُنظر إلى التأييد الأمريكي لمحادثات السلام السورية التي تستضيفها الحكومة الروسية في موسكو خلال هذا الأسبوع على أنها دليل آخر على أن حكومة أوباما قامت _ بهدوء _ بتخفيض حدة مطلبها طويل الأمد والذي يقتضي بتنحي الرئيس بشار الأسد كجزء من أي تسوية.

قامت روسيا، وبدعم من إيران، بالتأييد المستمر لنظام الأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، ذلك حتى بعد أن ورّطت الأمم المتحدة الرئيس السوري بجرائم حرب. وقد جادلت كل من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والمعارضة السورية في المنفى المدعومة من بريطانيا والاتحاد الأوربي وتركيا والمملكة العربية السعودية، جادلت وبشدة متساوية أنه لا مكان لعملية السلام في حال بقاء الأسد في السلطة.

وقال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مؤخراً في شهر تشرين الأول إنه لن يكون هناك سلام في سوريا ” في حين لا يزال الأسد في مركز السلطة “. ولكن الآن فقد غيّر كيري من موقفه. ففي لقاء له مع مبعوث الأمم المتحدة لدى سوريا ستيفان دي ميستورا، أهمل كيري وتغافل عن أي إشارة إلى تغيير النظام في دمشق، سواء طواعية أو قسرياً.

“لقد حان الوقت للرئيس الأسد ونظام الأسد أن يضعوا شعبهم في أولوياتهم ويفكروا في نتائج أعمالهم التي تستدرج المزيد والمزيد من الإرهابيين إلى سوريا، والسبب الرئيسي لقدومهم هو إزالة الأسد من موقعه” قال كيري.

إن تركيز كيري على التهديد الإرهابي هو المبدأ الرئيسي لفهم تغيير البيت الأبيض لموقفه. فقد أصبح القضاء على مقاتلي الدولة الإسلامية التي تسيطر على نصف سوريا تقريباً وعلى مساحات واسعة من العراق، الأولوية القصوى لدى إدارة أوباما، وقد استبقت تلك الأولوية إنهاء الحرب الأهلية وإفشال الصفقة النووية مع إيران. ولو أنه يمكن أن يتحقق الهدف التالي إذا ما اتفقتا كل من واشنطن وطهران بشأن سوريا.

لقد كان دائماً كبح الإرهاب داخل سوريا وخارجها الهدف الأكثر أهمية من وجهة النظر الروسية، وفق ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تصريحات له تسبق مؤتمر السلام الذي سيدوم ثلاثة أيام، والذي سيُفتتح في موسكو يوم الاثنين. تعتقد روسيا الآن وبوضوح أن الأمريكان قد تقرّبوا من الطريقة التي تفكر بها. وقال لافروف: “هناك قناعةٌ تامّة في الغرب بأن الحل السياسي للأزمة في سوريا أمر لا مفر منه”.

ومنذ وقت ليس ببعيد، تحمّل رسمياُ المؤتمر المدعوم من قبل روسيا كل من الجماعات المعارضة السورية، وكان من الممكن أن يتم عزل بشار الجعفري، ممثل النظام السوري وسفيرها لدى الأمم المتحدة، وعدد من الأفراد من التحالف المعارض الرئيسي في المنفى والتحالف الوطني، في العواصم الغربية كعمل يقصد به الإثارة وشد الأنظار.

ولكن وفيما يبدو أنه اعتراف، إن سياسة كل من واشنطن تجاه سوريا وعملية السلام في جنيف التي انطلقت عام 2012 قد نفدت، وقال كيري أنه يأمل بأن اللقاء سوف يكون “مفيداً”.

وقد شجّعت وزارة الخارجية المعارضة السورية للحضور إلى موسكو، فقالت المتحدّثة باسم الخارجية جين بساكي: “لقد أفضينا حقاً أننا ندعمهم لكي يحضروا اللقاءات”.

وقال لافروف إنه يأمل بأن المؤتمر المدعوم من قبل مسؤولين روس سوف لن يقدم عملاً جديداً ومباشراً، إنما من شأنه أن يساعد دي مستورا على إعادة إطلاق عملية جنيف للسلام والمدعومة من قبل الأمم المتحدة والتي أُجّلت العام الماضي. تدعم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا جهود دي مستورا أيضاً في الترتيب للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار المحلي في داخل سوريا، مثل تلك التي في حلب.

أصبح من الواضح الآن لدى الحكومات الغربية _ وبشكل غير مريح _ أن الحرب السورية التي حصدت أرواح أكثر من 200000 شخص حتى الآن قد وصلت إلى طريقٍ مسدود، وأن نظام الأسد لا يزال صامداً بتحدٍ. وأشار محللون روس وأمريكان _ على نحوٍ متزايد _ إلى البلدان أن يشاركوا بجدول أعمال مشترك لسوريا من شأنه تحقيق: القضاء على الإرهاب، تصعيد إنساني لوقف إطلاق النار، وإعادة إحياء عملية جنيف للسلام.

في الوقت الذي لا تضمن فيه روسيا مستقبل الأسد الشخصي، ستواصل دعم نظامه كحكومة سوريا الشرعية في أي من محادثات السلام في جنيف. وتواصل _ من جهتها _ الولايات المتحدة الأمريكية تمنيها بأنه سوف يتم عزل الأسد، لكنها لم تعد تصر على مطلبها هذا بشكل علني كشرط مسبق للتوصل إلى اتفاق سلام.

يقول المحلل توني بدران: “إن ما يدعوا للاستغراب بشأن أولويات روسيا هذه هو مدى التوافق بينها وبين نقاط الحوار التي يطرحها البيت الأبيض”. وكتب قائلاً: “من خلال تصريح نهاية العام الذي نُشر على صفحة سفارة الولايات المتحدة في دمشق على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، توضح دور الولايات المتحدة وجهود قيادتها لتلبية الحاجات الإنسانية والقضاء على داعش، وتعزيز التوصل إلى حل سلمي للنزاع. لا شيء هناك حول الإطاحة بالأسد”.

“لقد لاحظت موسكو تأكيداً جديداً تماماً في تصريحات كيري بشأن الرئيس الأسد ونظامه، مما يدل على أن نهج الولايات المتحدة الأمريكية المتشدد حتى الآن قد أصبح أكثر مرونة.. مما يعني بأن كل من موقف موسكو وواشنطن لم يعد عدائياً”. قالها فيتالي نُمكين من الأكاديمية الروسية للعلوم.

سوف لن ترغب المعارضة السورية الرئيسية ومؤيديهم الترك والسعوديين في ذلك، ولكن يُرجّح اتفاق القوى الكبرى أنه قد يمكّن ذلك الأسد على البقاء.

ذكرت صحيفة النيويورك تايمز في تعليق لرئيس التحرير في نهاية الأسبوع أنه: “على ما يبدو ليست هناك فرصة تقضي بأن السيد الأسد سوف يترك السلطة طواعية في أي وقت قريب، ولا أن الثوار غير المنتمين لداعش سيضطرون للقيام بذلك ما لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهذا ما قد تم رفضه من خلال تحرّك الرئيس أوباما”.

“علاوة على ذلك، فإن الأسد لا يشكل الآن التهديد الأكبر، إنما الدولة الإسلامية، خاصةً إذا ما استمرت في التوسع في سوريا، وجذب المزيد من المقاتلين الأجانب إلى صفوفها، واستخدام أراضيها لشن هجمات على الغرب.. إن الحقيقة المقلقة الآن هي أن الدكتاتور المتوحّش لا يزال متمسكاً بالسلطة، وأن الولايات المتحدة وحلفائها سوف يتوجب عليهم التعايش معه، على الأقل الآن”.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.