عمّار ديّوب

اجتث النظام السوري المعارضة التقليدية قبل عام 2000، ومن بقي خارج السجون، إما أنه فهم الخطوط الحمر ولم يتجاوزها، أو أنه أصبح شريك النظام وإن خارج جبهة النظام الوطنية التقدمية. بحلول العام المذكور تقريباً أفرج النظام عن المعارضة السياسية بأكملها؛ فهي إما تحولت نحو الليبرالية، كحال أغلبية اليسار، أو خرجت إلى الصمت المطلق كحال سجناء الإخوان المسلمين.

 

لاحقاً جرّبت هذه المعارضة حظها العاثر من خلال المنتديات التي سمح بها النظام، وقمعها حينما اشتد عودها قليلاً وراحت تتوسع، فوضع أبرز ناشطيها في السجون. ظهر بعدئذ #إعلان_دمشق عام 2005، والذي شهد تطورات مستمرة، إلى أن شهد انقساماً قبل عدة أشهر، وصار لدينا إعلانان متصادمان.. قوى هذا الإعلان وسواها، اصطفت مع الثورة الشعبية حالما اندلعت في 2011، وإن اختلفت رؤيتها السياسية وأساليب النضال لتغيير #سوريا، ولكنه بتتالي سنوات الثورة تبين أنها غير قادرةٍ على تمثيل الثورة السورية. فالثورة اتخذت اتجاهات مخالفة لأهدافها الأولى في الحرية والكرامة، أي في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتأمين العمل لأغلبية السوريين وقد أصبحوا فقراء قبل 2011، وهذا كان سبب الثورة الأساسي.

المعارضة وبدلاً من قراءة الثورة وأسبابها، فرضت رؤيتها السياسية على أهداف الثورة، أي الديمقراطية وكأن السوريين كانوا في عام 2011 يحتاجون الديمقراطية فقط. مشكلة المعارضة أنها أصبحت ثأرية مع النظام، وتخالفه حتى في أكاذيبه عن الاشتراكية والسيادة الوطنية وسوى ذلك، وبالتالي طالبت بالديمقراطية لخدمة اللبرلة، والتي كانت هي السياسة العامة للنظام بدءاً من عام 2000!، وطالبت هذه المعارضة بالتدخل الخارجي وبالدعم العسكري والمالي، وبعضها تغاضى عن الأسلمة. أما الإخوان المسلمون فقد عملوا من أجل مشروعهم الأصولي منذ دخولهم على خط الثورة.

كانت حصيلة سياسات المعارضة تحكماً إقليمياً ودولياً في الفصائل العسكرية، وتحويل قسم منها نحو الأسلمة وخلق تنظيمات إسلامية بالكامل، وتنظيمات جهادية كذلك. قبالة ذلك تلاشت الثورة وفرضت قوى السلاح والأسلمة سلطةً شمولية كاملة على النشاطات الثورية الشعبية. وبالتالي فشلت المعارضة في الاستمرار في قيادة الثورة. الإعلام العربي أعطاها فسحة كبيرة لتمثل الشعب، ولاحقاً تبين أن دورها كان في تبرير تدخل تلك الدول في نشاطات الثورة وتفشيلها. هذا ما حدث؛ ولم تنتقد المعارضة أسباب فشلها أو تغير سياساتها، ولازالت تتحرك من خلال رؤيتها ذاتها. الكلام يخص المجلس الوطني ولاحقاً الائتلاف الوطني.

نشأت في معمعة الثورة قوىً جديدةٌ هي تنسيقيات الثورة، وتعممت الفكرة في كافة المدن والبلدات والقرى، ولكنها كانت فكرة تجميعية لتنشيط الحراك الثوري أكثر مما كانت حركة سياسية، وسرعان من أُغرقت بالعائلية والشللية والمناطقية، ولاحقاً دخل إليها المال السياسي فأفسدت بأكثريتها. لم تستطع تشكيل رؤية سياسية مطابقة للثورة، وكانت بذاتها خليطاً متنوعاً من ليبراليين وإسلاميين ويساريين وأفراد بوعي تقليدي وبسيط. وطبعاً اخترقتها المعارضة، وألحقت قسماً بها، وكان هذا سبب مركزي في الهيمنة عليها، وانفصالها عن الحراك الثوري، وعدم فهم الواقع الذي أنتج الثورة.

الخيار الأمني العسكري للنظام أجهز بدوره على أغلبية قيادات التنسيقيات الأولى كذلك؛ بذلك فَرغت سوريا من القيادات الأولى للتنسيقيات. ورغم غياب رؤية سياسية لديها فإن قياداتها تمتعت بمصداقية شعبية وامتلكت القدرة على تحريك الشارع. بتغييبها من قبل النظام أولاً وبتشويه رؤاها من المعارضة وإلحاقها فيها ثانياً، فشلت كذلك هذه التجربة، وتبوأ بديل إسلامي عنها. النظام شارك في ذلك عبر الإفراج عن الجهاديين وأفسح المجال واسعاً للسلفيين، وبالتالي انتهت كذلك تجربة التنسيقيات وما يماثلها من أشكال تنظيمية للحراك الثوري.

بعد هذه التطورات ولا سيما في 2014 و2015، سادت روحٌ تشاؤمية وإحباطية في أجواء القوى السياسية وفي تنظيمات الشباب أي التنسيقيات، وبدا أن لا تغييراً ممكناً في الأفق أبداً، وأن سوريا دخلت بمستنقع الحرب الأهلية ذات النزع الطائفي المرتبط بتدخلٍ إقليمي ودولي واسع، وتصفية حسابات دولية بين الروس والأمريكان والسعودية وإيران وتركيا.

هنا لدينا حصيلة مقلقة، فالحركة السياسة فشلت في فهم الواقع وفي قيادة الثورة وكذلك التنسيقيات.

الجديد لقاء فيينا، وقد شكل فاتحة لنشاط سياسي كبير في أوساط المعارضة، وقبل ذلك كانت البداية في خروج مدينة إدلب من سيطرة النظام، وقد ساد حينها رؤية، أو لِنقلْ أفكارٌ، تؤكد ضرورة العودة إلى الخيار الوطني في الثورة، وتنشيط الأوساط السياسية الشبابية والابتعاد عن كل ما هو غير سوري، ولكن هذا الحراك بقي محدود الفعالية ولم تنتج عنه حركة سياسية.

لقاء فيينا، أتى على خلفية بوادر فشل التدخل الروسي، والضعف الكبير في قوى النظام العسكرية، وبالتالي شكل مساراً لانطلاقة جديدة لقوى الثورة. الأخيرة لم تفهم جيداً هذه التغيرات، وظلت تتحكم فيها خلافاتها وتناقضاتها، وربما شكلت تبعيتها للدول الإقليمية والعالمية سبباً مركزياً في الاستمرار في أدائها السياسي السلبي ذاته، عدا ضعف الدعم المقدم لها، وفساد قسم منها، وقوة التنظيمات الجهادية والإسلامية المسيطرة على الساحة السورية بشكل شبه كلي.

الآن هناك اجتماع لقوى المعارضة في السعودية، وهي بحالتها المذكورة، فهل تقوى على مواجهة التدخلات الإقليمية في قراراتها. الأكيد أنها ستذعن إليها. ما يشكل فارقاً رافضاً لهذه المكانة الهامشية في تقرير شؤون سوريا المستقبلية وشؤونها هي بذاتها، هو الانطلاق من رؤية مختلفة. رؤية لا ترفض #فيينا، ولكن تمثل أهداف الثورة فيها، وتشكل معارضة بقيادة موحدة، وترفض تمثيل معارضين تختارهم روسيا أو أمريكا أو الدول الإقليمية، وهذا يتطلب تشكيل مجلس معارض، أو ما يوازي ذلك، ومتابعة كل شؤون التفاوض في فيينا وفي غير فيينا؛ المعارضة تعلم أنها فشلت كلية في قيادة الثورة، وأصبحت بحالة هامشية، وأن إعادة الحياة لها تتم وفقاً لشروط الخارج، ولكن الأخير يحتاج إليها، والعملية السياسية تشهد تقدماً كبيراً رغم الخلافات بين الدول على شكل العملية ومصير الرئيس السوري، ولكنها تقريباً أصبحت بحالة إجماعٍ على ضرورة محاربة الإرهاب وتشكيل حكومة من النظام ومن المعارضة.

خارج إطار المعارضة المكرسة، يقع على كافة المجموعات السياسية والأفراد الثوريين، والمثقفين، تفعيل كافة النشاطات وإصدار رؤاهم انطلاقاً من أهداف الثورة، ورفض كل ما يتعارض معها، ومع آمال السوريين في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعمل، ورفض كل إدخالٍ للطائفية والأصولية في حقل السياسة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.