د. محمد حبش

خرجنا قبل أسابيع من مؤتمر #الرياض ونحن مشبعون بالتفاؤل والأمل، وفي الرياض قلت لهم إننا نحظى في هذه اللحظة بتعاطف المجتمع الدولي كله، فلقاء الرياض ليس طموحاً مغامراً للدبلوماسية #السعودية وإنما هو تفاهم دولي يريد فيه العالم الخلاص من الفوضى المدمرة التي بدأت تجتاح العواصم المستقرة، وتضرب في العمق الأوربي.

 

ولكنني في الواقع اليوم مصدوم من الجدل الذي يخوضه كثير من زملائنا في فريق التفاوض حول ألقاب المشاركين وتسمياتهم وأوصافهم، ومكانة كل حزب أو فصيل أو تجمع وحجمه على طاولة التفاوض.

أعلم ان تمثيل السوريين شرف لا يسع أحدا أن يترفع عليه، ولا شك أن الأجواء التي صاحبت لقاء الرياض كانت طافحة بالأمل ومن الطبيعي أن يتسابق الزملاء لشرف كهذا، وأعتقد أن أي فريق يتقدم لهذه المهمة يمكن أن يكون مناسباً طالما أنه يعمل بروح الفريق ويمارس الشورى والتناصح، ولكن ما لا يجوز أن ننساه هو أن نجاح هذا المساق يتوقف تماماً على سلوكنا في التفاني والإيثار والتسامي فوق حظوظ الحزب وحظوظ الذات.

لم أشأ أن أترشح في أي موقع، وبت مقتنعاً أن التفاوض يتطلب قدرات ومواهب لا تتوفر لكل أحد، لقد رضيت بمكاني ناصحاً ومؤيداً وناطراً بإحسان.

ولكن المحزن أن صفحات التواصل الاجتماعي ضجت في الأسابيع الماضية ببيانات ومواقف يتهم فيها المعارضون بعضهم بعضاً تهماً تسيء إلى الجميع، وتؤثر على تماسك الفريق المفاوض وقدرته على تمثيل السوريين وانتزاع الحقوق لهم من النظام والمجتمع الدولي.

قلت لهم في الرياض وقبل الرياض، قد لا ننجح في اختيار أفضل المفاوضين، ولا في الوصول إلى كفاءات التكنوقراط الأعلى، والمبادرة السعودية ليست المكان المناسب لازدهار الديمقراطية فهي عاصمة لا تملك الخبرات الديمقراطية ولا تزعم أنها تملكها، ولا يتوفر لنا الوقت الكافي للإعداد لهكذا انتخابات، ولكنني على يقين أننا سنختار فريقاً جيداً، وهكذا فإن الانتخابات التي جرت على عجل وبدون أي إعداد لن تكون مثالية بالطبع ولكنها قادرة أن تحمل آمالنا وأمانينا إلى جنيف وان تسمع العالم مطالبنا ومطالب الثوار وتفرض الحلول على النظام الهارب من كل حل سلمي.

لن تأخذ طائرة #جنيف كل الناس، ولكننا مدعوون لقبول زملائنا ودعمهم، فالأوراق كلها متشابهة، والمرء قوي بإخوانه، والسوريون يترقبون أسماء كبيرة ترفع الصوت بحقوقهم وأمانيهم، وتشعر بمأساتهم وعذاباتهم.

حصل أن عثمان بن عفان بدل في سنة النبي الكريم في صلاة العيد فقدم الخطبة على الصلاة، وقد أغضب ذلك أبا ذر الغفاري أشد الغضب، وقال ما على هذا تركنا رسول الله!!! ولكن حين جاء العيد التالي قام أبو ذر يصلي بمن معه في الربذة ففعل كما فعل عثمان!! قالوا: أليس قد نهيت؟ أليس قد أنكرت عليه شديد خلافه؟ قال لهم: الخلاف أشد!! أن نتفق على خطأ خير من أن نفترق على الحق!!

المفاوضات من وجهة نظري هي صورة درامية لإخراج المشهد السوري الذي صار كما يعرف كل احد مجرد لعبة للأمم، وأصبح القرار الخارجي أكبر في المعادلة من القرار الداخلي نظاماً ومعارضة، ولولا مخاوف الكبار الجدية بأن تحرقهم نار الفوضى السورية لاستمروا باتباع نصيحة اسرائيل المتلخصة في قولهم: دعوا أعداءنا يقتتلون، فاستمرار الحرب أفضل خيار بالنسبة لإسرائيل والدول الداعمة لها وعلى رأسها #روسيا وبرنامجها الجديد في الشرق الأوسط.

قلت للأصدقاء: بوصلتنا في التفاوض يجب أن تكون أرواح الشهداء الأبرياء الذين قضوا في الحرب، بوصلتنا هي السوري المنكوب في خيام الزعتري، والأسر المتجمدة في خيام عرسال، بوصلتنا هي السوريون الهائمون على وجوههم في المطارات والموانئ والبحار يبحثون عن خلاص، بوصلتنا هم الأطفال الذين فقدوا فرصهم في التعليم وتحولوا إلى جيل كامل من البائسين لا يعرف المدرسة ولا يحسن أن يفك الحرف..

ومع أن #سوريا كانت تلتزم برامج مقبولة في التوجيه والتربية، ولكن الحرب أخرجت أسوأ ما في الإنسان من شرور فماذا سيخرج الجهل والظلم الذي كابده جيل كامل من السوريين.

أكثر من تسعة أعشار العذاب يكابده ناس ليس لهم علاقة بقرار الثورة ولا بقرار البطش، هم سوريون يعيشون في هذا الوطن وكانوا يحسبون أنهم في عاصمة الأمان العالمي قبل أن يكتشفوا أنهم باتوا في قلب مزرعة ضباع…

التفاوض الذي لا يوقف قصف النظام على رؤوس الناس تفاوض لا معنى له، والتفاوض الذي لا يخرج المعذبين والمعذبات من ظلمات القهر والزنازين الرهيبة عبث لا طائل تحته، والتفاوض الذي لا يعود بالمهجرين والنازحين دون مساءلة مخابراتية لئيمة هو مجرد تقليعات إعلامية فارغة.

في كل لحظة يتأخر فيها الحل فهناك نساء تترمل وأطفال تتيتم وأمهات تتثكل، ومجتمع يتحطم ومدن تتدمر….

قلت لهم هاتوا أربعة رجال مثل شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وسعد الله الحابري وفارس الخوري وسيكون كافياً لكل السوريين أن تصل كل أمانيهم إلى نادي الأمم، وأن يعودوا بالحقوق المغصوبة إلى السوريين الهائمين في الأرض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.