جوان علي – القامشلي
 
بعد أسبوع من بدء دخول الهدنة حيز التنفيذ في #سوريا، بدأت المظاهرات تعم العديد من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية في شمال البلاد وجنوبها كما في ريف العاصمة #دمشق، وعادت التظاهرات تستعيد زخمها مع حلول الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة السورية، خاصة مع تراجع منسوب العنف بحسب مصادر الأمم المتحدة بنسبة 90%.
وأقدم متظاهرون في مدينة #معرة_النعمان على إحراق مقرات لجبهة النصرة (فرع القاعدة في بلاد الشام)، وإخراج سجناء من معتقلاتها، في إشارة اعتبرها بعض نشطاء الثورة عودة للثورة إلى طابعها الشعبي ومطالبها السلمية، ورفضاً لكل محاولات السيطرة عليها بقوة السلاح، حتى من قبل الفصائل الإسلامية التي باتت متهمةً أكثر من أي وقت مضى بأسلمة الثورة وتحريفها عن طابعها الوطني العابر للمكونات السورية.
 
لكن في المناطق ذات الأغلبية الكردية والتي دخلت عامها الثالث تحت سيطرة #الإدارة_الذاتية، كان لافتاً عدم مواكبة شوارعها للتظاهرات، لكن ذلك لم يمنع اليوم وفي الذكرى الخامسة للثورة السورية، خروج حوالي 200 متظاهر في ريف منطقة ديرك(90 كلم شرق القامشلي) في احتفالية رمزية نظمتها حركة شباب الكرد المنضوية ضمن المجلس الوطني الكردي.
ومع ذلك يبقى تفاعل المناطق الكردية متواضعاً جداً، مقارنة بحالها قبل خمسة أعوام، إذ انضمت مدن القامشلي وعامودا في الأسبوع الثالث من خروج التظاهرات، إلى بقية المدن السورية، مطالبة بالحرية والكرامة والتخلص من نظام الأسد.
وتتقاطع رؤية عدد ممن نشطوا منذ البدايات الحراك الاحتجاجي في المنطقة، في أحد الأسباب الرئيسة التي حالت دون خروج التظاهرات في ذكرى الثورة، وهو التضييق الذي مارسه حزب الاتحاد الديمقراطي، فيما يختلف النشطاء حول أسباب أخرى تجاه تفاعل منطقتهم مع بقية المناطق، واقتصارها فقط على إقامة عدد من المحاضرات والندوات في الذكرى الخامسة للثورة.
 
“كنت أود الخروج والتظاهر وتجديد العهد للثورة ولكن للأسف لم أستطع” هكذا يعبر روني علي أحد النشطاء الأوائل الذين خرجوا في المظاهرات المناهضة للنظام في عامودا.
علي يرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي ومن بعده الإدارة الذاتية قاموا “بقمع الثورة والمظاهرات السلمية، وقد جاءت مجزرة عامودا لتكون اللحظة التي استخدم فيها العنف بأقصى أشكاله ضد الحراك السلمي في المنطقة، عدا أن المضايقات اللاحقة من قبل الإدارة الذاتية، تسببت بتهجير الكثير من النشطاء، والكثير غيرهم من الجيل الشاب”، لكن الناشط الذي عاد إلى استخدام اسمه المستعار روني علي كما أيام الثورة الأولى بداع أمنه الشخصي، يؤكد أن عدم هجرته يرجع إلى أنه لطالما كان يراهن “على تغير الحال حتى وقت قريب، كما أن عدم امتلاكي القدرة المادية وازدياد الصعوبة في الهجرة مؤخراً حالا أيضاً دون ذلك”.
وفيما نجد أن لدى الناشط غاندي سفر عضو المنظمة الآشورية الديمقراطية رأياً مشابها لروني؛ حيث يُرجع سبب عدم خروج التظاهرات المؤيدة للثورة في الفترة الأخيرة إلى هجرة النشطاء، وإلى مسؤولية الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية كسلطة أمر واقع؛ كونها تمنع ومنذ مدة جميع التظاهرات، وتتهم كل من يخرج سلمياً بالعمالة للنظام التركي.
إلا أن سفر يرى أن الأمر طبيعي “فالثورة قد تمر بفترة خمول بالنسبة لمناطق معينة خاصة وانها استمرت لفترة زمنية طويلة”، وفق قوله، بل ويذهب إلى التأكيد على أن “الثورة ما زالت محافظة على الكثير من مبادئها” وخير دليل على ذلك بالنسبة له “هو احراق مقرات جبهة النصرة من قبل أحرار معرة النعمان”.
 
أسباب يراها البعض فاعلة
 
يذهب القيادي بحركة الشباب الكورد وعضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكوردي محمود لياني، وهو أحد النشطاء الأوائل في بلدة كركي لكي (60 كلم شرق القامشلي) إلى اعتبار “عسكرة الثورة وظهور تنظيمات إرهابية في مناطق كثيرة من سوريا، وفرضها لأجندات إيديولوجيا تحت اسم الثورة، هو من أسباب انحراف الثورة وإعطاءها طابع حرب أهلية وطائفية، وهو ما جعلها تخسر الطابع الوطني والتعاطف ايضا بشكل تدريجي”، على الرغم من أن لياني يتفق مع روني وغاندي في تحميل الاتحاد الديمقراطي أسباب هجرة النشطاء، بل وتفريغ المنطقة من شبانها “نتيجة قوانين كالتجنيد الإجباري، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب” بحسب قوله، لكن لياني يؤكد أنهم في حركة شباب الكرد نظموا احتفالية رمزية في الذكرى الخامسة للثورة اليوم في منطقة حياكة ( 12 كلم عن ديرك)، وهو تعبير عن التضامن مع الثورة السلمية “التي لطالما حاول العسكر كما النظام اختصارها كصراع على السلطة وتبديل للوجوه لا أكثر”.
ويذهب الناشط خبات سمو (المعتقل الذي قضى ما يقارب عاماً في سجون النظام متنقلاً بين فرعي السياسية (الجبة) وفرع الأمن العسكري (كفرسوسة ) إلى أن “السبب الأهم في عدم خروج الكرد لتأييد الثورة ليس هجرة النشطاء فحسب، بل أن هناك ابتعاد عام للكرد عن الثورة، وهو ما خلفته الحرب الطائفية التي عمت الخراب في البلاد كما في الثورة، كما إن اسلمة الثورة وتعدد الكتائب والالوية التي تعادي الوجود الكردي في تنفيذها لأجندات خارجية، هي من الأسباب التي ساهمت في تحريف الثورة عن مسارها وتراجع خطابها وتناقص مناصريها في المناطق الكردية”.
ويضيف سمو إلى ما سبق “لا يخلو الأمر من تصريحات الشخصيات البارزة للمعارضة، وإظهار نواياهم الحقيقية باتجاه الكرد، بخاصة أثناء المؤتمرات والاستحقاقات المفترضة أن تكون وطنية، وأن تعكس قيماً ثورية تحقق العدلة لجميع من شارك في الثورة”.. ويرى الناشط أن الكرد لم يخرجوا في المناطق الكردية فحسب بل كان هناك حراك لهم في حلب ودمشق حيث نشط هو مع مجموعات كتنسيقيات آزادي وتنسيقية زورآفا وتنسيقية الشهيد سليمان آدي .. “لا يزال هناك العشرات من المعتقلين من أصدقائنا النشطاء في معتقلات النظام الفاشي دون أن نعرف أي شيء عن مصيرهم.. أرى أن النظام نجح في أجندته بجر الثورة الى حرب طائفية وانحاز الثوار للعب على الوتر الطائفي للأسف”.
ويمضي سمو في القول مفصحاً عن اعتقاده بأن “نسبةً لا بأس من مؤيدي الثورة كانوا حتى قبل بدايتها من مؤيدي النظام ومن المنتفعين ومن المتأثرين بفكره، لذا كان من الطبيعي أن يحدث هذا الابتعاد من قبل الشارع الكردي عن الانخراط في حراك أصبح عسكرياً إسلامياً يلغي وجوده”.
سمو لا ينفي أن تراجع الكرد عن الثورة بشكل ملحوظ يعود أيضا إلى “بسط وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على المناطق الكردية، فهم يمتلكون خط ثالثاً يناقض الثورة والنظام على حسب قولهم، ولهذا السبب اعتقلوا الكثير من النشطاء، ورموا بالبعض الآخر خارج الحدود، وما زال هناك الكثير من النشطاء في سجونهم” وفق قوله.
من ناحية أخرى يرى الناشط حسن علي العساف (من وجهاء قبيلة طي في القامشلي)، أن “انحراف الثورة عن مسارها أدى إلى تحولها إلى حاله من الصراع المجتمعي وليس حرب أهليه”، ويوضح رأيه في ذلك بالقول “لا اعتقد أن تكون حرب أهليه في الظروف الحالية ونسعى أن لا تكون، بل هناك حالة أقرب إلى صراع مجتمعي فكري ثقافي سياسي نتيجة تخبط الساسة واللاعبين الدوليين” وفق تعبيره، بينما نجده يصف مسألة عودة التظاهرات إلى منطقته “بأنه احتمال وارد جداً إذا تغيرت الظروف الحالية”.
يتفق العساف مع غاندي سعدو الذي يرى أن أمر عودة التظاهرات شيء وارد إذا ما سنحت الظروف. بل ويذهب سعدو وعلى نقيض بعض مما ذهب إليه خبات سمو ومحمود لياني إلى أن “تأثير النصرة والكتائب الاسلامية على نهج الثورة الاولى لا يُذكر، بل بالعكس، فتصرفات واخطاء الكتائب الاسلامية زادت من حدة رفض أسلمة الثورة، خاصة بعد اعتقال الناشطين المدنيين في المناطق الخاضعة لهم” وفق رأيه.
استمرار التظاهرات إلى ما لا نهاية
في رده على الاتهامات التي تطالهم من قبل نشطاء المنطقة يقول سيهانو ديبو المستشار الإعلامي للرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي “لا نعتقد أن وجود أو استمرار التظاهرات إلى ما لا نهاية له فائدة، بقدر ما يتوجب البحث سوية عن مخرج يفي حالة التغيير، ويوقف الدم الذي يسيل منذ خمس سنوات” فمسألة التغيير بحسب ديبو تتمثل عبر “مسائل قانونية وتصورات نظرية وعملية، وما نقوم به اليوم في روج آفا وشمال سوريا هو ما يمثل الحالة القصوى للثورة والحراك الثوري بمفاهيمه القيمية والثورية والسياسية ” وفق رأيه.
 
ويعبر ديبو عن اعتقاده “إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المظاهرات الأولى التي خرج من اجلها الشعب الثوري مطالباً بالتغيير والحراك الثوري، كان من الممكن أن تصبح حالة ثورية معممة، ولكن ما حدث من اعتراضات للثورة دفعها إلى الفوضى وإلى حالة حرب وعسكرة” بحسب قوله.
 
وتجدر الإشارة إلى أن حركات شبابية وتنظيمات كردية قامت في الذكرى الخامسة للثورة السورية، بتنظيم عدد من الندوات والمحاضرات في المناطق الكردية كما في إقليم كردستان، وهو ما يعتبر تراجعاً كبيراً في سوية تفاعلها مع الحراك الثوري مقارنة بالسنوات الأولى لانطلاقته.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.