اسطنبول – عمار الحلبي:

لا يختلف وضع السوريين الذين لجؤوا إلى #تركيا جراء الحرب، عن أقرانهم الذين اختاروا مصارعة ضيق المعيشة في الداخل السوري، فالسوريين في الداخل الذين انخفض مستوى دخلهم إلى حوالي 50 #دولار شهرياً، يظنون أن الدخل الأكبر الذي يحققه أبناء جلدتهم في تركيا يؤمن لهم مستوى معيشة أفضل، لكن من يعيش في تركيا يعلم جيداً عدم صحة هذه الفرضية.

 

وصحيح أن مستوى الدخل في تركيا يعتبر أعلى من #سوريا ولا سيما خلال أزمتها، غير أن هذا لا يعني أن الحياة أكثر رخاءاً، حيث يعاني السوريون في تركيا من ظروفٍ سيئة مع ساعات عملهم الطويلة ودخلهم المحدود الذي لا يكاد يسد رمقهم.

أجور محدودة

على الرغم من ساعات العمل الطويلة التي يقضيها السوريين، إلى أن الأجور التي يتقاضونها محدودةً مقارنة مع الإنفاق للأسر الموجودة هناك، وأقرت الحكومة التركية بتاريخ 7/1/2015 سلسلة إجراءات خاصة للاجئين السوريين من بينها تحديد الحد الأدنى للأجور بمبلغ 1300 #ليرة_تركية “حوالي 430 دولار”، وأقرت أيضاً حينها منح السوريين ” #تصريح_عمل” وهو خاص للاجئين الحاملين بطاقة الحماية المؤقتة من #الحكومة_التركية، وذلك لضمان حقوقهم العمالية.

غير أن هذا القرار لم يطبّق في كثير من الحالات وفق ما رصد موقع #الحل_السوري ، فثمة أجور تتراوح بين 850 -1000 ليرة تركية حتى يومنا هذا، ولا سيما إذا كان العمال من الأطفال واليافعين، وترتفع ساعات العمل لتصل بين 11-15 ساعة عمل يومياً، هذا الأمر يعززه أكثر ما كشفته دراسة أجراها المعهد العالي للدراسات السكانية، وتفيد الدراسة بأن نسبة عمالة الأطفال في دول الجوار وصلت إلى 49% وبالتالي فإن نصف #الأسر_السورية في دول الجوار تعتمد على دخل أبناءها لتتمكن من العيش.

في منطقة “#اسنيورت” الصناعية، والتي تحوي اكبر تجمّع للسوريين في #اسطنبول، كونها تحوي الكثير من المصانع التي تحتضن السوريين، يعيش “براء العجي 46 عام” مع عائلته المكونة من 6 أشخاص.

يقول براء في حديث لـ”الحل” هربنا إلى تركيا عبر الحدود نهاية عام 2013، وبدأنا بتكوين حياتنا من جديد، إلا أن ضغوط الحياة هنا أكبر بكثير مما توقعناه، علينا العمل دائماً بدون راحة وإلا سنجوع، لدي 4 أطفال أكبرهم 14 عام، اضطررت لتشغيلهم بمصنع “البرادات الذي أعمل به لأتمكن من العيش، كون راتب لا يؤمن سوا إجرة المسكن مع فواتيره”.

وأضاف العجي: “لم أتقبّل أن يعمل أبنائي بمصنع للأدوات الثقيلة وهم صغار في بداية الأمر، لكن راتبي انتهت في الأيام العشر الأولى من الشهر، فما كان مني إلا أن سحبت أطفالي للعمل”.

معيشة مرتفعة

مقابل هذه الأجور التي يتقاضاها السوريون لقاء ساعات العمل الطويلة، نجد أن تكلفة الإنفاق والمعيشة تزيد عن متوسط دخلهم، لتصبح ميزانية #العائلة_السورية في تركيا في عاجزة، ومتوسط إنفاقها يفوق متوسط دخلها، حيث وصل متوسط العجز داخل العائلة السورية المقيمة في تركيا حوالي 500 ليرة تركيا، وذلك وفقاً لحسبة أجراها موقع “الحل” بعد لقاءات موسعة مع سوريين بمدينة “اسطنبول” التركية، والتي تعتبر من المدن المتوسطة في تركيا من حيث تكاليف المعيشة من جهة، ومتوسط الأجور والرواتب من جهة أخرى.

رحلة العثور على منزل

يحتاج اللاجئون للعيش في تركيا لعدة أمور، أبرزها تأمين #منزل للاستئجار، وهي المحطة الأصعب في رحلة السوري الساعي للاستقرار في تركيا لعدة أسباب، أبرزها أن المنازل المعروضة للآجارات كثيرة، غير أن قلةً قليلة منها تقبل بتأجير السوريين، إضافة لحاجة أي منزل حديث الآجار لدفع مبلغ مالي يعادل ضعف مبلغ الآجار وهو ما متعارف عليه محلياً “كمسيون” أي عمولة تأمين المنزل، وبحاجة لدفع مبلغ مثله “تأمينات” للمياه والكهرباء والغاز إضافة للتأمين الأساسي على المنزل.

وتتراوح أجور المنازل بمدينة اسطنبول بشكل غالباً بين 600 – 2500 ليرة حسب جودتها وقربها من مركز المدينة والوضع العمراني للمبنى، وإذا ما افترضنا أن الثمن المتوسط لآجار المنزل 900 ليرة، فإن على اللاجئ أن يدفع مبلغ “2700 ليرة” خلال الشهر الأول لاستئجاره، علماً أن هذا المبلغ لا يشمل فواتير المياه والكهرباء والغاز والانترنت الشهرية والتي تصل إلى 250 ليرة وسطياً.

وبحسب ما رصد موقع “الحل” فإن رحلة البحث عن منزل في تركيا شاقةً جداً بالنسبة للسوريين، وذلك بسبب حالات اختلاس ظهرت سابقاً، حيث قام بعض السوريين بتأجير المنازل التي استأجروها لجهة ثلاثة والفرار بالمبلغ، وعلى المقابل ثمة حالات اختلاس من الأتراك على السوريين كما حدث مع يحيى الأمين، الذي تكلّف بمبلغ 3500 ليرة لاستجئار منزل بمنطقة “غازي عثمان باشا” في اسطنبول مع تأميناته وعمولته، لكن ما لبث أن عاد صاحب المنزل وأخرجه منه بعد عشرة أيام، وهي المدة التي كان متفق عليها بالعقد.

يقول الأمين لموقع الحل، “اتفقت معه على دفع آجار شهري ودفعت الكمسيون والتأمينات، لكنه كتب في العقد أن الآجار لمدة عشرة أيام ولم أتمكن من كشف ذلك لجهلي قراءة اللغة التركية”.

المأكل والمشرب

إضافة إلى تكلفة اسئجار المنزل والتي تعادل حوالي 80% من راتب العامل السوري في تركيا، ثمة تكاليف الطعام والشراب والتي لا تختلف كثيراً عن سوريا، حيث تتقارب أسعار الخضار واللحوم والمعلبات بين سوريا وتركيا إلى حدٍ كبير،  إلا أن تفاصيل أخرى حياتية تكون في تركياً مرتفعة أكثر، ولا سيما المواصلات ، وتتراوح تكلفة المعيشة بين طعام وشراب ومواصلات واتصالات، للعائلة المكونة من 5 أشخاص حوالي 800 ليرة علماً أن هذا المبلغ لا يشمل الرفاهيات كارتياد المطاعم والمولات.

يقترح الخبير الاقتصادي عبد الله عثمان والمتواجد في ريف حلب الشمالي، “أن تمنح السلطات التركية تسهيلات محدودة للسوريين ليتمكنوا من مجابهة صعوبة الحياة، ولا سيما منح بطاقة “بيم” وهو سوبر ماركت حكومي على أن تكون بمبلغ 250 ليرة تركية لكل عائلة شهرياً وهو ما يساعد على تحسين وضعهم المعاشي وهو اقل ما يمكن أن يتم تقديمه”.

وقال عثمان”حصلت تركيا على مبلغ 3 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي بموجب وقف تدفق اللاجئين فأين ذهبت هذه الأموال؟، ولا سيما أن السوريين لم يشهدوا أي تحسّن ملموس على الأرضي التركية”.

وثائق رسمية

لا تنتهي رحلة مصاريف السوري عند حد الطعام والشراب وحسب، فإذا أراد هذا اللاجئ إعطاء شرعية لتواجده على الأراضي التركية التمكن من تسجيل الأطفال والوفيات والسفر، هو بحاجة لأوراق ثبوتية رسمية وأبرزها “الإقامة السياحية” التي تكلّف اللاجئ ألف ليرة تركية سنوياً ما بين تصديق العقد من “النوتر” والتأمين الصحي والمبلغ المدفوع للأمنيات في تركيا.

ويشار إلى أن تجديد الإقامة بحاجة إلى تجديد جواز السفر باستمرار، وتبلغ تكلفة تجديده من القنصلية السورية في اسطنبول “220 دولار”.

وحصل اللاجئون المقيمون في تركيا على بطاقة “الحماية المؤقتة من الحكومة التركية” والتي يتم التعارف عليها محليا باسم “#كيملك” وهي تعطى بشكل مجاني للاجئين، إلا ان صاحبها لا يحصل على أي نوع من الإعانات المادية أو العينية، ولا تخوّله السفر خارج تركيا، حيث تتحدد فائدتها في الدخول إلى #المشافي العامة التركية بشكل مجاني فقط.

عجز بنسبة 500 ليرة

لتحديد متوسط ميزانية العائلة السورية في تركيا، لجأنا لحوار مع اللاجئ “براء العلي”.

يقول براء لموقع “الحل السوري ” أحتاج شهرياً إلى 700 ليرة إجرة المنزل، و250 ليرة فواتير المياه والكهرباء والغاز والانترنت، إضافة إلى مبلغ يتراوح بين 500 – 700 ليرة تركية وبالتالي فإن المبلغ الإجمالي 1600 ليرة”، بالمقابل يتقاضى براء مبلغ 1200 ليرة مقابل عمل يومي لمدة 11 ساعة و6 أيام اسبوعياً.

وعليه فإن ميزانية براء خاسرة 400 ليرة تركية كل شهر، علماً أن هذا الرقم يشمل الطعام والشراب وآجار المنزل، ولا يشمل أية مصاريف أخرى كالاتصالات والاستطباب والأدوية والمواصلات والألبسة وغيرها من تكاليف الحياة الأخرى وأبرزها أن أطفاله محرومين من التدريس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.