مع كل قفزة في سعر الصرف يرافقها ارتفاع في أسعار الأدوية بسوريا، يبدو الأمر كما لو أن الأدوية أصبحت بالفعل عبارة عن بورصة تتعلق بتقلبات أسعار الصرف، وحجج الشركات المصنّعة بزيادة تكاليف الإنتاج من استيراد المواد الأولية إلى زيادة أسعار حوامل الطاقة من وقت لآخر.

بمجرد أن تجاوز سعر الليرة السورية حاجز 10 آلاف أمام الدولار، ووصول الليرة وفق تداولات اليوم لأكثر من 12 ألفا، بدأت الأخبار تتداول أن المعنيين بالصحة بدؤوا بدراسة زيادة أسعار الأدوية المصنّعة محليا، الأمر الذي لم يتم نفيه من قِبل نقابة الأطباء في سوريا، بل أكدت ذلك ونسبته لمنعه من الانقطاع عن السوق.

زيادة قريبة بأسعار الأدوية

نحو ذلك، صرّح نقيب الأطباء في سوريا الدكتور غسان فندي، أن “وزارة الصحة السورية” تدرس تعديل أسعار بعض أصناف الأدوية حتى لا يكون هناك انقطاع لهذه الأصناف من الأسواق، في الوقت الذي انقطعت بعض الأصناف ما قد يؤدي إلى أزمة دوائية خلال المرحلة المقبلة، حسبما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الأربعاء.

ارتفاع قريب في أسعار الأدوية بسوريا-“إنترنت”

فندي برّر سبب رفع الأدوية لاحتواء تركيبتها على مواد مستوردة من الخارج، وأن الظروف الاقتصادية تطغى على سعر الصرف مما يؤثر سلبا على أسعار معظم المواد المستوردة. ومن الممكن أن تكون هناك زيادة بنسبة 40 بالمئة على بعض الأصناف، والبعض الآخر تكون الزيادة على أسعارها بنسبة 10 بالمئة، وفق توقّعات فندي حول الزيادة المحتملة على الأدوية.

رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور حسن ديروان، قال أيضا إن الصحة تدرس رفع أسعار الأدوية بحيث لا يكون هناك إرهاق للمواطنين فيما يتعلّق تأمين هذه الأدوية وخصوصا بعد ارتفاع سعر الصرف أمام الليرة، وفق صحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

ديروان أشار إلى أن هناك تقنينا في بيع بعض الأدوية من المعامل للمستودعات ومن ثم للصيدليات حتى لا ينفد مخزون تلك المعامل بسرعة وبالتالي هذا يؤدي إلى أزمة دوائية، ويرى ديروان أن تأمين الدواء ولو تم رفع سعره بشكل بسيط أفضل من انقطاعه في الأسواق.

كما ونوّه ديروان إلى معاناة الكثير من الصيادلة في تأمين كامل الكميات من الدواء أو الأعداد التي تحتاجها صيدلياتهم، معربا عن أمله ألا تطول هذه الفترة وأن يكون هناك حلولا سريعة لتدارك أي حدوث لأزمة دوائية كما حدث في الماضي.

بورصة للأدوية

في المقابل، قال الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق لؤي العلان، “اليوم نشاهد بداية أزمة من خلال انقطاع بعض أصناف الأدوية”، مشيرا إلى أن تقنين بعض المعامل في بيع الأدوية للمستودعات يهدد بانقطاع وهمي للعديد من الأصناف وذلك حتى يحافظ المعمل على مخزونه وبالتالي لا تكون هناك أيّ خسارات كبيرة.

كلما تحدث أزمة في توفير بعض أنواع الأدوية في سوريا، يصاحب ذلك تسعيرة جديدة بعد توفره لاحقا، ودائما ما يتحجج أصحاب مصانع الأدوية أو يهددون إما بوقف تصنيع الدواء أو رفع سعره وفقا لمتغيرات سعر الصرف، فضلا عن ترك مساحة لأرباحهم، وطبعا وزارة الصحة لا تحرّك ساكنا حيال ذلك، وكالعادة الضريبة تُدفع من جيب المواطن الذي يعاني الأمرّين كل يوم في مواجهة ارتفاع الأسعار.

العلان بدوره شدد على ضرورة أن يكون هناك تمويل كامل من القطع الأجنبي للمعامل من “المركزي السوري” لاستيراد المنتجات التي تدخل في صناعة الأدوية حتى لا تكون هناك فوارق في الأسعار باعتبار أن المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية يتم استيرادها بالكامل، وبالتالي يكون تسعير الأدوية وفق منظومة التسعير لدى الوزارة ولا يكون هناك اختراق لهذه التسعيرة بحجة ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية.

ارتفاع أسعار الأدوية في سوريا شبه دوري وعلى فترات متقاربة، وذلك وفق تقلبات سعر الصرف الذي يستمر في الصعود بين الحين والآخر، فمنذ عام 2021 ارتفع سعر الأدوية بنسبة تصل إلى 500 بالمئة، أي بنحو خمسة أضعاف عن أسعارها السابقة.

في شهر شباط/فبراير 2021، أعلنت “وزارة الصحة” رفع أسعار الدواء المعتمدة لديها بنسبة 30 بالمئة، وبررت ذلك بأن هذه الخطوة جاءت لتغطية الكلفة التشغيلية للأصناف الدوائية ولتوفير الضروري منها في الأسواق المحلية. وبعد مرور ما يقارب العشرة أشهر من هذه الزيادة، عادت أسعار الأدوية للارتفاع في ظل انقطاع أصناف كثيرة منها، وأعلنت مديرية الشؤون الصيدلانية التابعة لـ”وزارة الصحة” أواخر العام الماضي، رفع أسعار مجموعة من الأدوية بنسب مختلفة، وصلت إلى نحو 30 بالمئة. وكانت الليرة السورية آنذاك مقابل الدولار الأميركي تساوي نحو 6 آلاف ليرة سورية.

بحسب ما تداولته صيدلياتٌ عدّة عبر صفحاتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي حينذاك، تراوحت نسبة رفع أسعار الأدوية ما بين 20 و30 بالمئة من أسعارها القديمة، وشمل القرار تعديل نحو 1277 صنفا دوائيا.

مطلع العام الجاري، رفعت الجهات المعنية، أسعار معظم أنواع الزمر الدوائية، بنسب مختلفة، وذلك بعد أشهر على فقدانها من الصيدليات بضغط من معامل الأدوية. ووفق “وزارة الصحة” جاء رفع الأسعار بناءً على ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، وارتفاع تكاليف حوامل الطاقة من جهة ثانية.

عضو نقابة الصيادلة في سوريا محمد نبيل القصير، أوضح حينذاك أن نسب رفع الأدوية بموجب قرار الوزارة وصلت إلى نحو 50 بالمئة، وشمل معظم أنواع الأدوية، بينما وصلت نسبة رفع بعض الأنواع إلى 80 بالمئة، وفق صحيفة “الوطن” المحلية.

أحد صيدليات سوريا-“إنترنت”

عادة ما يجري رفع أسعار الأدوية استجابة لمطالب معامل إنتاجها، وذلك بذريعة تأمين استمرار توفرها وعدم انقطاعها عن الصيدليات، وسط ارتفاع تكاليف إنتاجها نتيجة تهاوي الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وتعرّض أصحاب المعامل لخسارات مالية، وفق زعمهم.

بالتالي، فقد أصبحت أسعار الأدوية بالفعل بورصة مرتبطة بتذبذبات سعر الصرف، فكلما ارتفعت أسعار الأخيرة، ارتفعت أسعار الأدوية تلقائيا معها، ورغم استحالة انخفاض سعر الصرف، تظل أسعار الأدوية كما هي، بحجة شراء المواد الخامة والتي تم إنتاجها في أوقات ذروة ارتفاع الدولار.

بيع الأدوية على البسطات

في سياق متّصل، ونتيجة أزمة الدواء المتكررة، ظهرت سوقٌ سوداء لها أسوة ببقية القطاعات الصناعية السورية. ويتوفر في الصيدليات بسوريا عموم أنواع الأدوية، ولكن يتم اخفاؤها بحجة نفاذها في الأسواق، ليُصار إلى بيعها بطرق التوائية للزبائن وبأسعار مضاعفة، مثلا يبلغ سعر المضاد الحيوي “أوغمانتين” حوالي 15 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، وبالسعر الحر يُباع بأكثر من 27  ألف ليرة.

من جهة أخرى، ونتيجة غلاء أسعارها، باتت الأدوية تُباع على البسطات في سوق يسمى “سوق الحرامية، إذ تبيع تلك البسطات أدوية مختلفة بطريقة عبثية وكأنها سلع عادية، فضلا عن أن مصدر تلك الأدوية غير معروف، أو إذا كانت منتهية الصلاحية أم لا، لكن الغريب أن الناس مهتمون بشراء هذه الأدوية، وربما لأن أسعارها المنخفضة تجذبهم، وسط الظروف المعيشية الصعبة.

هذا السوق لا يحكمه قانون حماية المستهلك بالرغم من غرابة الاسم وما يُعرض فيه للبيع هو من كلّ شيء تقريبا حتى لو كان متداعيا، والسوق كان قد تراجع خلال السنوات الماضية، ولكن مع تردي الأوضاع المعيشية عاد للانتعاش وبقوة.

حول ذلك، زعم نقيب الصيادلة حسن ديروان، إن مديرية صحة دمشق والمكتب الصحي في المحافظة يتابعان الموضوع، لأن النقابة مسؤولة عن الصيدليات، وادّعى أيضا أنها لم تتعرض لمثل هذه الواقعة الغريبة سابقا، وسيتم معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، على الرغم من أن هذه التجارة موجودة قبل عام 2011 ولكنها ازدادت مع تتالي الأزمات الاقتصادية في البلاد.

بينما يعترض ديروان على انتشار ظاهرة بيع الأدوية على البسطات وفي الشوارع، ومطالبته بمصادرة أي دواء يُباع بهذه الطريقة، خاصة وأنه قد لا يكون قابلا للاستهلاك، غير أن السوريين يقبِلون على شرائها بسبب ظروفهم الاقتصادية السيئة وتردي الرواتب والأجور.

ليس هذا فحسب، فمع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية والكشفيات الطبية، ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في سوريا وهي صيدليات “الفيسبوك”، حيث انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي، مجموعات عديدة خاصة بتسويق بعض الأدوية والمكمّلات الغذائية المفقودة من الصيدليات، وسط تحذيرات رسمية حول خطورة التعامل مع هذه المجموعات التي تأتي بالمنتجات من مصادر غير معروفة.

كذلك، انتشرت مؤخرا ظاهرة الاستشارات الطبية على الإنترنت بسبب ارتفاع تكاليف الفحوصات الطبية، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي خاصة منصة “فيسبوك” دور مهم باطلاع الناس على كل ما هو جديد وما يهمهم، ومن بين تلك الاهتمامات الناحية الطبية والصحية، وذلك لتفادي التكاليف المادية عند الذهاب لأحد العيادات الطبية.

إضافة لارتفاع أسعار الدواء، تشهد أجور الأطباء ارتفاعا كبيرا، وذريعة ذلك هو ارتفاع أسعار المواد ضمن عياداتهم، علما بأن “وزارة الصحة” لم تُصدر أي تسعيرة رسمية تحدد أجور الأطباء منذ أكثر من 12 عاما. نقيب أطباء سوريا أكد فيما يخص ذلك أنه كان من المفترض أن تصدر تسعيرة أجور الأطباء منذ فترة، إلا أن المتغيرات الاقتصادية أبطأت من صدورها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات