بعد تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين، وارتفاع أسعار كل شيء، بما في ذلك الأدوية والكشفيات الطبية، عاد “سوق الحرامية” في العاصمة دمشق إلى الازدهار بشكل كبير وبات يُعرض فيه سلعا من كل حدب وصوب، حتى لو كانت هذه البضائع غير قابلة للبيع في هكذا سوق يُعتبر شعبي.

اللافت فيه أن هناك عدد من البسطات التي تبيع أدوية مختلفة بطريقة عبثية وكأنها سلع عادية، فضلا عن أن مصدر تلك الأدوية غير معروف، أو إذا كانت منتهية الصلاحية أم لا، لكن الغريب أن الناس مهتمون بشراء هذه الأدوية، وربما لأن أسعارها المنخفضة تجذبهم، وسط الظروف المعيشية الصعبة.

تباع الأدوية على “البسطات”

هذا السوق لا يحكمه قانون حماية المستهلك بالرغم من غرابة الاسم وما يُعرض فيه للبيع هو من كلّ شيء تقريبا حتى لو كان متداعيا، والسوق كان قد تراجع خلال السنوات الماضية، ولكن مع تردي الأوضاع المعيشية عاد للانتعاش وبقوة.

بيع الأدوية على البسطات في سوريا-“صورية تعبيرية من الإنترنت”

يباع في “سوق الحرامية” في دمشق كما يسميه العامة، أدوات مستعملة ومتهالكة، مثل الأدوات المنزلية والكهربائية والألبسة المستعملة “البالة” والكتب القديمة والتحف البالية وغيرها الكثير مما يسميه البعض “الكراكيب”، عدا عن فوضى البسطات الأرضية المتناثرة هنا وهناك، والمثير للدهشة، هو بيع الأدوية المختلفة بعبثية واضحة سواء كان بعضها مستهلكا أو منتهي الصلاحية وبأسعار متدنية، كحبوب الضغط و المضادات الحيوية وشرابات الأطفال المختلفة، وفق تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الثلاثاء.

حول ظاهرة بيع الأدوية وتداولها خارج الصيدليات، قال نقيب الصيادلة في فرع دمشق الدكتور حسن ديروان، إن ذلك مخالف للقانون بكل تأكيد ولا يجوز بيع الأدوية إلا في الصيدلية، وغير مسموح بيع أي ظرف دواء حتى في أماكن ومحلات تحت أيّ ظرف كان، وليس الشارع فحسب، ولو كان ظرف حبوب المسكّن “سيتامول” أو أي مسكن آخر.

ديروان زعم أنه سيصادر حكما أي دواء يُباع بطريقة مخالفة للمألوف، مشيرا إلى أن هناك تعاونا مع “وزارة الصحة السورية” ولجنة مشتركة من “مديرية صحة دمشق” والنقابة لضبط أي مخالفة، ومعالجة أي خلل يتعلق بالمنظومة الدوائية.

إلا أن هذا السوق يقع في شارع الثورة، أي في مركز العاصمة دمشق وتوجد هناك دوريات لشرطة المرور، فضلا عن حاجز للحكومة، وبالتالي الظاهرة منتشرة وأمام أعين الحكومة، ولكن ليس هناك من رادع لهذه المخالفات التي تُعتبر خطيرة جدا على صحة الناس.

مخاطر هذه الظاهرة

في المقابل، وردا على سؤال على مَن تقع مسؤولية ردع هذه التجاوزات الجسيمة، قال ديروان، إن مديرية صحة دمشق والمكتب الصحي في المحافظة يتابعان الموضوع، لأن النقابة مسؤولة عن الصيدليات، وادّعى أنها لم تتعرض لمثل هذه الواقعة الغريبة سابقا، و سيتم معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، على الرغم من أن هذه التجارة موجودة قبل عام 2011 ولكنها ازدادت مع تتالي الأزمات الاقتصادية في البلاد.

بينما يعترض ديروان على انتشار ظاهرة بيع الأدوية على البسطات وفي الشوارع، ومطالبته بمصادرة أي دواء يُباع بهذه الطريقة، خاصة وأنه قد لا يكون قابلا للاستهلاك، غير أن السوريين يقبِلون على شرائها بسبب ظروفهم الاقتصادية السيئة وتردي الرواتب والأجور.

ديروان، اعترف بموضوع بيع حليب الأطفال في السوق السوداء خلال الشهر الأول والثاني من العام الحالي أثناء فترة انقطاعه، واضطرار المواطن لشرائه بأسعار مرتفعة لحاجته الماسة له، متمنيا ألا تتفاقم أزمة الدواء في ظل الظروف الراهنة، وأن تُزال صعوبات تأمينه بدءا من المعمل بتأمين المواد الأولية للمستودع إلى الصيدلية، وفق تعبيره.

كما ويرى نقيب الصيادلة بدمشق وجوب توافر الأدوية في الوقت الراهن مع ضرورة تقنين بيعها، لضمان تواجدها في الصيدليات، وتأمين احتياج المواطن لها لفترة أطول، داعيا ألا يأخذ المريض دواءً كالضغط مثلاً لأربعة أشهر فيكفي لشهر واحد، والصيدليات قد لا تصرف أكثر من علبة أو اثنتين حسب الوارد لها، تحقيقا لمجال التقنين والمحافظة على الأمن الدوائي.

إن انتشار ظاهرة بيع الأدوية على البسطات بهذه الطريقة الفوضوية، يشير إلى مدى تراجع القطاع الطبي، وكذلك عدم قدرة الناس على شراء الأدوية وعلاج أنفسهم، ولا شك في أن المسؤولية تقع على عاتق الجهات الحكومية بالدرجة الأولى والأخيرة، وإذا لم يتم معالجة هذه الظاهرة الخطيرة على صحة الناس، فسيترتّب على ذلك عواقب سلبية على المجتمع عامة، من انتشار الأمراض وغيرها.

صيدليات على “فيسبوك”

في سياق متّصل، مع استمرار ارتفاع أسعار الأدوية، والفقدان الذي ضرب أصناف عديدة من الأدوية، لا سيما المكمّلات الغذائية وحليب الأطفال، بدأ السوريون يلجؤون إلى سماسرة الأدوية، الذين يبيعون الأدوية ومستحضرات التجميل والمكمّلات الغذائية المهرّبة، بأسعار أقل من الصيدليات.

ارتفاع أسعار الأدوية في سوريا-“إنترنت”

ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في سوريا وهي صيدليات “الفيسبوك”، حيث انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي، مجموعات عديدة خاصة بتسويق بعض الأدوية والمكمّلات الغذائية المفقودة من الصيدليات، وسط تحذيرات رسمية حول خطورة التعامل مع هذه المجموعات التي تأتي بالمنتجات من مصادر غير معروفة.

الإقبال على هذه المجموعات سجّل ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الماضية، لا سيما مع فقدان العديد من المنتجات، فبعض الأصناف من المكمّلات الغذائية مثلا مفقودة منذ أشهر من الصيدليات، بينما يتم الترويج لها في هذه المجموعات، هذا فضلا عن الارتفاع الكبير في الأسعار، في وقت تؤمّن هذه المجموعات منتجاتها بأسعار أقل ولكن بنسب طفيفة.

ديروان، أكد في تصريحات صحفية سابقة حول هذا الأمر، وقال إن المكمّلات الغذائية في سوريا سجلت مؤخرا ارتفاعا كبيرا في الأسعار وصلت نسبته إلى 80 بالمئة، مشيرا إلى أن هناك بعض الشركات كانت قد رفعت منتجاتها من المكمّلات، أكثر من ثلاث مرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية وبالتالي أصبحت أسعارها مرهقة، حتى إن العديد من الصيادلة بدأوا يشتكون من أن كميات البيع منها انخفضت.

بحسب تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن منع استيراد هذه المواد من خارج سوريا، أفضى إلى انتشار المنتجات المهرّبة، حيث يتم التسويق لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضمن مجموعات خاصة، لا سيما المكمّلات الغذائية وأدوية خاصة بالعناية بالبشرة والشعر وأخرى خاصة بالتنحيف وغيرها من هذه الأنواع.

كذلك، انتشرت مؤخرا ظاهرة الاستشارات الطبية على الإنترنت بسبب ارتفاع تكاليف الفحوصات الطبية، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي خاصة منصة “فيسبوك” دور مهم باطلاع الناس على كل ما هو جديد وما يهمهم، ومن بين تلك الاهتمامات الناحية الطبية والصحية، وذلك لتفادي التكاليف المادية عند الذهاب لأحد العيادات الطبية.

هذا وباتت زيارة الطبيب في سوريا تثقل كاهل المرضى، بعد أن لجأ معظم الأطباء في سوريا إلى رفع بدلات الفحص الطبي للضعف، وعلى الرغم من التحذيرات من هكذا ظواهر، سواء شراء الأدوية على البسطات أو أخذ استشارات طبية على الإنترنت، إلا أن الناس لا يأبهون لها، نظرا لأن الظروف الاقتصادية قد تضطرهم لفعل ذلك.

أما عن أسعار الأدوية، فإن التي تنتجها شركة “تاميكو” أعلى من الأدوية التي تنتجها معامل القطاع الخاص حيث إن سعر ظرف دواء الالتهاب الذي تنتجه “تاميكو” يصل إلى 7500 ليرة سورية، في حين سعره في القطاع الخاص نحو 4500 ليرة، وغيرها من الأدوية مثل “السيتامول”.

شركة “تاميكو” بحسب اللوائح التي لديها، تدّعي أن لها الحق في رفع أسعار الأدوية بعد حساب تكلفة الإنتاج؛ في حين أن رفع الأدوية التي تنتجها المعامل الخاصة يحتاج إلى قرار من وزارة الصحة واللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات