حسام صالح

لا يكاد النظام السوري ينتهي من أزمة اقتصادية، حتى يقع في أخرى، تارةً أزمة مياه وتارة ارتفاع سعر صرف الدولار، وأخيراً وليس آخراً أزمة الوقود ومصادر الطاقة التي تفاقمت لدرجة كبيرة، حتى أصبح الحصول على اسطوانة غاز أو ليتر بنزين يحتاج لدفع مبالغ طائلة، والشوارع أصبحت شبه خالية من حركة السيارات، وبيوت السوريين أصبحت باردة ومعتمة، بعد انقطاع المازوت والكهرباء.

تفاقم هذه الأزمات المتلاحقة، يرى خبراء أنها جاءت نتيجة إيقاف #إيران (الحليف الأكبر) دعمها للنظام بشكل مباشر، في محاولة منها للحصول على ضمانات لسداد ديونها المقدرة بأكثر من 10 مليار دولار، منذ بدء الحرب.

صحيفة ليبيراسيون الفرنسية نقلت عن المبعوث الدولي لسوريا، (ستيفان دي #ميستورا) في منتصف العام المنصرم أن “نظام #الأسد مدين لإيران بنحو 35 مليار دولار، لكن #طهران لم تعد قادرة على الاستمرار في إغداق الأموال على الأسد، إلا بشروط أبرزها هيمنة إيرانية كاملة على آلية صنع القرار في دمشق”.

النظام في محاولة منه لاستدراك الموقف، أرسل وفداً برئاسة رئيس مجلس الوزراء عماد خميس للتوقيع على اتفاقيات تم وصفها بـ(الاستراتيجية) في حين، ووصفتها أوساط اقتصادية بأنها (سيطرة مطلقة على مفاصل الاقتصاد)، تتجلى بإعطاء ميزات لامتناهية لإيران في سوريا، مقابل الحصول على الدعم المادي، موقع الحل السوري سيحاول رصد أبرز الاتفاقيات الموقعة بين حكومة النظام، ومدى أثرها على الاقتصاد السوري.

تخوف إيراني!

يشير الخبير الاقتصادي سامر الموصللي في حديثه لموقع الحل لنقطتين أساسيتين الأولى أن “إيران تتخوف من عجز النظام عن سداد ديونه المتراكمة، التي تقوم إيران بإمداده بها عن طريق الخط الإئتماني، الذي وصلته قيمته لنحو 10 مليار دولار على 3 دفعات”، معتبراً أن “إيران أدركت تماماً انهيار احتياطي النظام من النقد الأجنبي، وأي مبلغ يتم إعطاؤه للنظام، لن ينقذ الاقتصاد، بل سيحاول حل المشكلة مؤقتاً”، واصفاً هذه الحلول بـ”إبرة التخدير”.

وفيما يخص النقطة الثانية، لفت الموصللي إلى أن “حكومة النظام حاولت تبديد القلق الإيراني والتخفيف منه، بزيارة توّجت بإبرام اتفاقيات في قطاعات النقل والصناعة والاتصالات والمرافئ والبحث والتنقيب عن النفط والفوسفات، مقابل استئناف إيران إمداد النظام بالمحروقات المتوقفة منذ حوالي 4 أشهر، لكن المحروقات لازالت متوقفة، وتعاني دمشق ومناطق سيطرة النظام بشكل كامل من أكبر أزمة في المحروقات منذ بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011”.

وكمبادرة إضافية من حكومة النظام للجانب الإيراني “أصدر مجلس الوزراء قراراً بإعفاء مستوردات القطاع العام من إيران من الرسوم الجمركية والضرائب لمدة 6 أشهر اعتباراً من بداية العام الحالي”، مبرراً ذلك بـ “التخفيف من الأعباء المالية المترتبة على توريد حاجات قطاعي الكهرباء والاتصالات”.

سيطرة اقتصادية مطلقة

بدوره، وفي حديث مع المحلل الاقتصادي يونس الكريم الذي أكد أن “السيطرة الاقتصادية لإيران في سوريا بدأت ملامحها مع بداية عام 2013، بعد محاولتها استملاك المدن التجارية، بعد دخولها للعاصمة دمشق بحجة حماية المزارات الدينية، ومحاولتها شراء العقارات وافتعال الحرائق في الأسواق التجارية (العصرونية ومحيط المسجد الأموي)، بغية إجبار التجار على عمليات البيع”.

وفنّد الكريم لموقع الحل العديد من النقاط بخصوص الاتفاقيات الموقعة بين حكومة النظام وإيران، والميزات التي حصلت عليها، وقال “النظام أعطى لإيران حق التنقيب في الفوسفات في ريف حمص والذي يعتبر من أكبر حقول الفوسفات في العالم”، مضيفاً أن “هذا ما تم تداوله على مستوى وسائل الإعلام، لكن هناك جانب آخر أن تلك المناطق الممتدة على حوالي 50 كيلو متر في منطقة السبخة غنية بالملح، والذي يعتبر من أنقى أنواع الملح الموجودة في العالم، ويمكن الاستفادة من تركيبته بحوالي 14 ألف صناعة”.

وفيما يخص موضوع إنشاء مرفأ إيراني على الساحل السوري، خالف رأي الخبير الاقتصادي سامر الموصللي بقوله إن “هذه الإشكالية أدت لأزمة الوقود الحالية في سوريا، فروسيا تريد منطقة الساحل منطقة نفوذ كامل لها، في حين أُجبر النظام على توقيع اتفاقية مع الجانب الإيراني لإنشاء مرفأ خاص بها، لكن النظام لم يف بتعهداته لذلك قامت إيران بالمماطلة في تسليم الوقود للنظام، ما أدى لتفاقم الأزمة”.

سيطرة على الاقتصاد مع الأسد أو بدونه

الخبير في الشؤون السورية والإيرانية رافي زاد، أكد في تصريح لهافنغتون بوست أن “لدى إيران خطة على المدى الطويل تهدف للسيطرة على سوريا اقتصادياً وجغرافياً بعد الحرب سواء بقي #الأسد أم رحل”، معتبراً أن “المساعدات الإيرانية المالية والعسكرية وفي مجال الطاقة، وكذلك الاستثمارات في البنية التحتية، لاتزال معظمها في شكل تسهيلات ائتمانية وقروض، ستسترد ثمنها في العقارات السورية عن طريق شراء الأراضي”.

وأوضح أنه  “حتى إذا انتهت الحرب، ستكون إيران اللاعب الأكثر أهمية في الاقتصاد السوري، ولا يمكن إنهاء الاتفاقيات الموقعة بسهولة”.

رأي زاد وافقه عليها المحلل يونس الكريم والذي قال إنه: “لا مفر من العقود التي تم توقيعها بين النظام وإيران حتى بعد سقوط النظام، فإيران تمتلك وثائق أنها مدّت النظام بأموال وخدمات على شكل قروض وستطالب بها حتماً، إضافة أن الاتفاقات التي تم توقيعها لا تنتهي بمجرد سقوط النظام، بحسب الأعراف الدولية”.

وطرح الكريم حلاً بديلاً يتلخص بـ “تبقى إيران تستثمر في سوريا وفق نظام الخصخصة، بحيث تحصل الدولة السورية على عائد مادي كجزء من الأرباح، ويتم تحديد مدة زمنية لعمليات الاستثمار تلك”، في حين قالت مؤسسات المعارضة في أكثر من مناسبة وأبرزها الائتلاف الوطني المعارض إن “الاتفاقات الموقعة بين إيران والنظام لا علاقة للشعب السوري بها، ولن نقوم بدفع الديون التي أخذها النظام من إيران، بعد رحيله”.

شركات معاقبة دولياً

في سياق ذلك، كشف استاذ الاقتصاد في جامعة دمشق والمقرب من دوائر النظام (فضل عدم ذكر اسمه) لموقع الحل أن “معظم الشركات الإيرانية التي تعمل داخل إيران وخارجها، وخصوصاً التي تسعى للاستثمار في سوريا يتم إدارتها عن طريق الحرس الثوري الإيراني، والتي تعمل بطريقة الشركات القابضة”.

وأضاف “هذه الشركات تنتشر بأسماء متعددة، عبر حلقات معقدة بغرض التمويه، تضمن انتشار النفوذ الإيراني، وفي ذات الوقت تحاول التهرب من العقوبات الدولية المفروضة على عملها”، مشيراً إلى أن “أهم الشركات التابعة للحرس الثوري هي شركة الاتصالات الإيرانية، وبنوك كارجوشي وملي إيران ومهر والمستقبل”.

ونوه في حديثه لموقع الحل إلى أن “أبرز الشركات المساهمة في قطاع البناء في سوريا هي شركة خاتم الأنبياء، التابعة أيضاً للحرس الثوري والمساهم فيها رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام بشار الأسد الذي يعتبر موكلاً عن أعمال الأسرة الحاكمة في سوريا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة