فورين بوليسي: الهدف الحقيقي للوجود الروسي في سوريا

فورين بوليسي: الهدف الحقيقي للوجود الروسي في سوريا

وكالات (الحل) – نشرت مجلة الـ«فورين بوليسي» الأمريكية، تقريراً تتحدث فيه عن الهدف الرئيس الذي يقف خلف احتفاظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود قواته العسكرية في سوريا. حيث يبين التقرير أن روسيا لم تسع قط لأن تكون حجر أساس صغير مثبت في الشرق الأوسط، وإنما هدفها كان استرداد مكانتها كقوّة عالمية موجودة. فترى المجلة أن روسيا قد تلقّت أفضل هدية ممكنة لعيد الميلاد من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولها مطلق الحرية في تقرير مستقبل حليفها الشرق أوسطي المضطرب. كما ترى أن استراتيجية الكرملين في سوريا لن تتغير كثيراً مع استعداد الولايات المتحدة للانسحاب من الصراع السوري، ذلك لأنها لم تكن منذ البداية تتمركز حول سوريا. فلطالما كان هدف الكرملين من الحملة الروسية في سوريا هو إبراز تأثيرات حملتها خارج منطقة الشرق الأوسط. والصراع السوري كان دائماً أداة لعرض الطموحات التي تثبت وجود روسيا كقوة عالمية.

حيث ترى موسكو في قرار تخلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سوريا انتصاراً في رصيد رأسمالها السياسي. الأمر الذي يمكن أن يسمح لموسكو بالاتصال مع القادة الأوربيين في كل من فرنسا وألمانيا، إضافةً إلى رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي, من خلال إقناعهم بتبني رؤيتها الخاصة للتسوية السياسية.

فقد بدأت روسيا بشن غاراتها الجوية بشكلٍ رسمي في سوريا في شهر أيلول من العام 2015. وكان هناك في الوقت نفسه محاولات لموسكو لتشديد قبضتها على أوكرانيا الشرقية مصحوبة بموجات من العقوبات. وبالرغم من المحاولات الشاقة لإثارة غضب الغرب عند كل منعطف، إلا أن هدف موسكو الحقيقي كان اكتساب نفوذٍ كافٍ لإعادة العلاقات معهم كندٍ قوي. وبحسب ميخائيل زيغار، محرر سابق لقناة “Rain” الروسية الإخبارية المستقلة، فإن أوكرانيا كانت قضية خاسرة. ففي قمة الناتو في العام 2008، أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأنه “إذا ما انضمت أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، فإنها سوف تفعل ذلك دون شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية. وأنها سوف تتفكك ببساطة”. فقد كانت طموحات الكرملين الدولية تتجاوز كونه مجرد “قوة إقليمية”، الصفة التي أطلقها الرئيس الأمريكي على الكرملين بقصد الإهانة.

ويبين التقرير أنه عندما أرادت روسيا التدخل في شؤون الشرق الأوسط, كانت سوريا دولة فاشلة ممزقة، حيث تتصارع آلاف الجماعات مع بعضها وأصبح تنظيم الدولة الإسلامية أكبر شبح يهدد العالم. وبالرغم من ذلك، ما تزال موسكو تعاني مما يسمى “المتلازمة الأفغانية” التي سبقت انهيار الإتحاد السوفيتي. فأشباح الحرب في أفغانستان في الثمانينات ما زالت تطارد أروقة الكرملين, وقليلون هم من يرغبون في أن ينتهي بهم المطاف في مستنقع آخر في العالم الإسلامي. فبالرغم من أمل الكرملين في تحقيق انتصار سريع بعد الإطاحة بالرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين وإعادة تنصيب القيادة الشيوعية في العام 1979، إلا أن النتيجة كانت أن الجيش السوفيتي انتهى به المطاف بكارثة كبيرة حيث خسر نحو 15 ألف جندي. لذا فإن أية حملة عسكرية محتملة في سوريا كانت تتم بحذرٍ شديد. وبالرغم من أن التدخل الروسي كان مقامرة، إلا أن النتائج المرجوة من التدخل فاقت المخاطر في نظر بعد الاستراتيجيين في الكرملين. حيث وجدوا في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والخطوات الأولى في تحقيق تسوية سياسية في سوريا فرصة لإعادة إثبات وجود روسيا كقوة عالمية. فقد كان لدى روسيا فرصة للقتال إلى جانب القوى الغربية، وكذلك شاركت في معظم المعارك التي وقعت على الأرض, ما يعني أن الكرملين بإمكانه تقديم نفسه كمقاتل ضدّ قوى الشر العالمية على هيئة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويشير التقرير إلى أنه عندما يقرر شخص واحد في الكرملين ومجموعة مكونة من بضعة مساعدين مختارين كل شيء من خلال مكالمة هاتفية، فتلك ليست إلا وسيلة مألوفة لممارسة الأعمال التجارية التي يتردد صداها مع الأنظمة الفاشستية في أرجاء المنطقة كافة. وبعد ثلاث سنوات من القصف المتواصل، وانعقاد مؤتمرات سوتشي في روسيا والأستانا في كازاخستان, أصبح من الواضح أن روسيا كانت تدافع عن تسوية سياسية. وبدت مغامراتها الخارجية أنها قد أتت ثمارها. فقد ساعدت أعمال الكرملين على ضمان وصول روسيا إلى جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة, كما أصبح صوتها مسموعاً الآن في أروقة السلطة في طهران والقاهرة وصولاً إلى قصور حكام الخليج الفاخرة. وبالرغم من أن الطريق إلى تسويةٍ سياسية وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع سيكون محفوفاً بالمخاطر، إلا أنه هناك ثقة من أن أطر الأستانا سوف تحقق النتائج المرجوة في النهاية. ولذلك فقد شعر الكرملين بالحاجة إلى البدء في تقليص حضوره الإقليمي مع زيادة التركيز على مصالحه الربحية في المنطقة من خلال زيادة الصفقات التجارية والحضور الرأسمالي السياسي, والتي يجب أن تكون واضحة لجميع الأطراف في المنطقة.

وتختم الـ«فورين بوليسي» تقريرها بالتأكيد على أنه وقبل أن يقرر ترامب الانسحاب من سوريا, كانت موسكو قد اكتسبت مزيداً من رأس المال السياسي واستخدمت نفوذها في السلطة لتصبح العراب الرئيس في المنطقة, ما يجعلها شريكة الجميع وصديقة لا أحد. أما اليوم، ومع إلغاء واشنطن نفسها من المعادلة السورية، تبقى موسكو متيقظة حيال احتمال إعادة انبعاث لاعبين عنيفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. كما يسعى الكرملين مجدداً لإثبات نفسه كقوة رئيسة, حيث تبتغي موسكو من دول المنطقة أن تتعامل معها كقوة قادرة على استغلال الفرص سواء في مجال الطاقة أو تصدير الأسلحة أو الزراعة، إضافةً إلى حفاظها على التوازن الأمني المناسب.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.