سوريا (الحل) – لاتزال الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، قائمة في معظم دول العالم بما فيها المتقدمة، ورغم تفاوتها النسبي بين الدول، فلا مؤشرات حالية على إمكانية ردمها على المدى القصير، إذ لاتزال النساء يعانين من أشكال تمييزية عدة تقف عائقًا أمام حصولهنّ على حقوقهنّ الأساسية، بما فيها حصولهنّ على رواتب متساوية، وفرص عمل متكافئة، أو قدرتهنّ على تأسيس أعمال، أو تبوئهن مناصب قيادية والمشاركة في صنع القرارات والقوانين.

ورغم التطور الكبير والمتسارع الذي تشهده مختلف مناحي الحياة، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات، إلا أن المساحة الفاصلة بين الرجال والنساء لاتزال موجودة في كثير من النقاط المفصلية، وهو ما دعا المؤتمر الاقتصادي العالمي “دافوس” للتنبؤ بأن هذه الفجوة لن تغلق تمامًا إلا بحلول عام 2186.
وربما يكون أمرًا مستغربًا أن هذه الفجوة لا تزال قائمة في عدد من الدول المتقدمة، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يتقاضى الرجال رواتب أعلى بـ 20 ألف دولار سنويًا من النساء، أي أن الرجل يجني راتبًا يفوق راتب المرأة بنسبة 8%، هذا ما بينته دراسة جديدة عن الفجوة بالأجور بين الجنسين في قطاع الصحة، أعدها فريق من الباحثين في مستشفى “ماساشوستس” العام وكلية الطب في جامعة “هارفرد” في كانون الثاني من عام 2018، فيما أفاد تقرير لشبكة “CNN” الأمريكية بأن النساء لن يتمكنّ من تحقيق المساواة في الأجور مع الرجال إلا بحلول عام 2059.

أعمال غير مدفوعة الأجر تستهلك المرأة
وتشير منظمة العمل الدولية في تقرير لها هذا العام، والذي أصدرته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى أن الفارق في الأجور بين الرجال والنساء في العالم استقر على نسبة 20٪ والتي قد تصل إلى الضعف في دول مثل المملكة العربية السعودية وباكستان.

ولفتت المنظمة إلى وجود عوامل عدة تمنع المساواة في الوظيفة بين الجنسين، أكثرها تأثيرًا موضوع رعاية الأطفال، إذ أنه وفي السنوات العشرين الأخيرة لم يتراجع الوقت الذي تكرسه النساء لرعاية الأطفال والمهام المنزلية، فيما ازداد الوقت الذي يكرسه الرجال في هذا المجال بثماني دقائق فقط، وذلك وفقًا لمديرة دائرة ظروف العمل والمساواة بالمنظمة، مانويلا توميي التي أشارت إلى أن “استمرار هذه الوتيرة يعني أننا نحتاج أكثر من مئتي عام للتوصل إلى المساواة في الوقت المكرس للنشاطات غير مدفوعة الأجر”.
وأكدت تومي أنه “عندما يشارك الرجال بشكل أكبر في نشاطات الرعاية غير مدفوعة الأجر، سنجد عددًا أكبر من النساء في مراكز المسؤولية”.

وتشير إحصائيات التقرير إلى أن نحو 647 مليون امرأة في سن العمل، وهو ما يشكل نسبة 21.7 ٪ في العالم، يقمن بدوام كامل بعمل غير مدفوع الأجر في مجال رعاية الآخرين، وتصل هذه النسبة إلى 60٪ في العالم العربي، بينما يقوم 41 مليون رجل أي 1.5٪ بهكذا نشاط.
من جانبها أشارت الأمم المتحدة إلى أن الفروقات المهنية بين الرجال والنساء لم تشهد تراجعًا فعليًا، منذ ربع قرن، واعتبرت أن هذا الوضع لن يتغير ما لم يتولَّ الرجال مزيدًا من المهام المنزلية.

دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر تمييزًا
وفي دراسة حديثة أصدرها البنك الدولي بعنوان: “المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2019” والتي استمرت على مدى عشر سنوات، تبيّن أن النساء لا يحصلن سوى على 75٪ مما يتمتع به الرجال من حقوق قانونية على مستوى العالم، وهو ما يؤثر على فرصهن في الحصول على عمل، أو إنشاء أعمال خاصة، أو اتخاذ قرارات اقتصادية تصب في مصلحتهنّ ومصلحة أسرهن.

واعتبرت الدراسة أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي الأكثر تمييزًا ضد المرأة، لافتة إلى وجود 56 دولة حول العالم لم تقم بأي إصلاحات، على الإطلاق، لتحسين تكافؤ فرص العمل للنساء خلال السنوات العشر الماضية. بينما تنحصر الدول التي تساوي بين الرجال والنساء بست بلدان أوروبية وهي: “السويد وفرنسا وبلجيكا والدنمارك ولاتفيا ولوكسمبورغ”.

إلغاء القوانين التمييزية يعزز الاقتصاد العالمي
القائمة بأعمال رئيس مجموعة البنك الدولي، كريستالينا جورجييفا، اعتبرت من جهتها أنه إذا تمتعت النساء بفرص متكافئة لبلوغ كامل قدراتهن، فإن العالم لن يصبح فقط أكثر إنصافًا بل وازدهارًا أيضًا.
ولفتت إلى أن نحو 2.7 مليار امرأة لا زلن يواجهن قيودًا قانونية تحول دون حصولهن على نفس الخيارات الوظيفية المتاحة للرجال.
كما أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أن الاعتماد على المزيد من النساء في الوظائف الهامة وإلغاء القوانين التمييزية سيعزز الاقتصاد العالمي بشكل كبير، إذ أن توظيف المزيد من النساء سيؤدي إلى نمو اقتصادي أعلى وانخفاض في مؤشر عدم المساواة.
وأضافت لاغارد أن الدول المصنفة في أسفل 50٪ فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، مثل باكستان والسعودية ولبنان، ستحقق مكاسب اقتصادية تصل إلى 35٪ عند توظيف المزيد من النساء.

اتفاقيات تحظر التمييز على أساس الجنس
تاريخيًا لا يُعتبر مفهوم المساواة في الأجور بين النساء والرجال” حديثًا، فقد أقرّته منظمة العمل الدولية منذ عام 1919 في دستورها كركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية.
وفي عام 1951 وعقب الحرب العالمية الثانية، اعتُمدت أول اتفاقية حول المساواة في الأجور والتي حملت رقم (100)، على إثر تبوء النساء عدة مناصب خلال الحرب.
وفي عام 1958 تم اعتماد الاتفاقية رقم (111) والتي تحظر أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على عدة أسس منها النوع الاجتماعي، وقد أقرها أكثر من 90٪ من الدول الأعضاء في المنظمة.

ما هي أسباب استمرار الفجوة؟
أسباب متنوعة ومركبة تقف خلف وجود فجوة في الأجور بين الجنسين، تصب في الأساس في التمييز على أساس جندري.

فكيف ينظر المجتمع السوري إلى أسباب وجود هذه الفجوة واستمرارها؟
الحل استطلع آراء شريحة من السوريين حول ذلك:
ميليا عيدموني من شبكة الصحفيات السوريات، تعتبر أن الفجوة في الرواتب هي مشكلة عالمية وشكل من أشكال التمييز والعنف الاقتصادي الذي تعاني منه النساء، نتيجة لغياب المساواة والعدالة في المجتمع، وعدم تطبيق سياسات توظيف تعتمد منظور النوع الاجتماعي.
وهي ترى أنه غالبًا ما يتم تحديد الأجر في أماكن العمل على أساس الجنس وليس الكفاءة أو الخبرة، ليتم تقدير جهد الرجل أكثر من جهد المرأة، مع التبرير بأنه لا يوجد نساء لديهنّ الخبرة الكافية لتولي مناصب إدارية، ومن جانب آخر تضطر المرأة لاختيار فرص عمل أكثر مرونة وبدوام جزئي نتيجة التزاماتها المنزلية.
وذلك في الوقت الذي يحصل فيه الرجل على الراتب الأعلى من دون التردد في سياق الأحكام المسبقة، وفي إطار الصورة النمطية السائدة بأنه “معيل الأسرة” وتقع على عاتقه التزامات كثيرة، فيما لا يتم احتساب العمل والجهد الذي تصرفه النساء داخل المنزل.

أنس تللو من منظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، اعتبر أنه وبسبب الأدوار الجندرية النمطية في المجتمع، يتم توزيع أدوار عمل للنساء مختلفة عن الرجال، فعلى سبيل المثال أغلب من يعمل في قيادة الطائرات هم من الذكور، بينما تكون المضيفات من النساء، وهو “ما يستدعي تفاوت في الأجور”.
وأشار أنس إلى أنه كلما تم تنميط مجال عمل المرأة كلما زادت هذه الفجوة، فمثلًا تم تنميط قطاع التربية والتعليم على أنه مجال مناسب لتخصص النساء لأسباب عدة منها ساعات العمل القصيرة، مقارنة بغيره من الأعمال، ومناسبته للبنية الجسدية للمرأة ومسؤولياتها في الأسرة.

رنا الشيخ علي، ناشطة في مجال قضايا المرأة ومسؤولة البرامج في راديو سوريات، تعتبر من جانبها أن القضية تبدأ من الثقافة التمييزية الموجودة في مجتمعاتنا تجاه النساء، والتي تُترجم على أساس سياسات وممارسات وقوانين تكون تمييزية تكرس هذه الفجوة، وغالبًا ما يكون دور المرأة محصورًا كربة منزل، وعندما تعمل يعيقها موضوع الأمومة ويؤخر ترفعها الوظيفي، بسبب اضطرارها لأخذ إجازات أو الاستقالة، فضلًا عما قد تتعرض له من فصل تعسفي في بعض الأحيان بسبب الولادة والأمومة.

أما السبب الآخر فيتجلى بالقوانين، إذ يعطي قانون العاملين الأساسي في الدولة على سبيل المثال الحق للرجل في التعويض العائلي، ولكنه يحدد هذا الحق للمرأة في ثلاث حالات هي عندما تكون مطلقة أو أرملة أو يكون زوجها لا يتقاضى، من خزينة الدولة أو القطاع العام أي تعويض عائلي، وفي ذلك إشكالية إذ أنه ليس بمقدور المرأة أن تأخذ تعويضات لأن دورها في الأساس ليس المعيل، وغالبًا ما يكون الرجل هو المعيل ولذلك هو يأخذ رواتب أعلى لأن “المرأة غير مكلفة بمصروف المنزل وليس عليها مسؤوليات مادية”، وفق السائد في الكثير من المجتمعات.
ومن ناحية أخرى نادرا ما نرى المرأة في مناصب ذات رواتب مرتفعة كالمناصب العليا أو الإدارية، وهذا الشيء موجود في أغلب دول العالم، إذ أن قلة من النساء هم من يستلمن إدارة الشركات، كما أن “ضعف التحصيل العلمي عند المرأة”، يجبرها على العمل في قطاع الأعمال متدنية الأجر، فضلًا عن تفضيل أغلب النساء العمل الحر أوالجزئي والوظائف المرنة حتى تستطيع التوفيق بين مسؤولياتها في العمل والمنزل.
وتلقي رنا اللوم في هذه الفجوة على غياب الدور الذي يجب أن تلعبه المنظمات الناشطة في هذا المجال والنقابات العمالية وحملات المناصرة.

بسام الأحمد، مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، يؤكد أن الفجوة بين الأجور هو أحد أشكال التمييز وليس أمرًا عاديًا، فعندما يتم الحديث عن موضوع المساواة بين الجنسين يجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، كما يجب العمل على معالجته جديًا لأنه يوجد تمييز واضح على أساس النوع الاجتماعي عندما يتم إعطاء الرجل أكثر فقط لكونه رجل ولكون الطرف الآخر هو امرأة.
ويرى بسام أن هذه المشكلة هي مشكلة عالمية مع وجود تفاوت بين الدول بحسب قوانينها وثقافتها، إذ يوجد بعض الدول والمنظمات والشركات التي تتصدى عن طريق قوانينها لهذه المشكلة، ولكن يوجد العديد من الأسباب التي تقف وراءها، ومنها على سبيل المثال “اعتبار النساء معيلات أقل للعائلة ولا يشكلن مركز اقتصاد البيت”، ومن هذا المنظور تتلقى المرأة مردودا أقل على عملها مقارنة بالرجل، الذي يُنظر إليه كـ “معيل أساسي”.

كما أن للموضوع صلة أيضًا بالصورة النمطية للمرأة بأنها حتى في الأسرة “شخص تابع للزوج اقتصاديًا ولا يجب أن تكون مستقلة لأن وظائفها الاجتماعية مختلفة”، إذ غالبًا من يصيغ القوانين هم الذكور ولذلك تأتي لتكرس هذه الثقافة، وهي قد لا تشير بشكل مباشر إلى أنه على راتب الرجل أن يكون أكبر، لكن طريقة صياغة القوانين تعزز هذه المسألة.
وإلى جانب ذلك تساهم ثقافة المجتمع بعزل المرأة من مجالات معينة، وتعتبر أن بعض المهن مخصصة للرجال فقط ولا يجوز أن تقتحمها النساء كأن تقود سيارة أو طائرة أو غيرها من المهن التي يصفها المجتمع بـ “الصعبة على المرأة”، لتبقى المهن “الخفيفة والناعمة” مخصصة للنساء وعادة ما تكون رواتبها قليلة، ولكنه يرى هنا أن أغلب المهن ليس لها علاقة بموضوع الجنس على قدر صلتها بموضوع الكفاءة.

مية الرحبي، ناشطة سياسية ونسوية، اعتبرت من جانبها أنه لا يمكن تعميم وجود فجوة بالأجور بين الرجال والنساء، إذ أن الأجور تكون متساوية في القطاع العام، ولكن في ظل وجود عدد كبير من النساء اللاتي يعملن بدوام جزئي نظرًا لمسؤولياتهنّ العائلية، تكون أجورهنّ أقل من الرجال.
أما في القطاع الخاص فيحق للمدير عادة أن يحدد الراتب الذي يريده للموظف، وغالبًا ما تكون رواتب الرجال أكبر منها للنساء، لأنهم يشغلون المناصب الإدارية العليا ومراكز صنع القرار.
وذلك إلى جانب أن معظم قوانين شركات القطاع الخاص لا تنص على مراعاة فترات الأمومة أو الرضاعة للموظفات نظرًا لعدم تسجيلهنّ في التأمينات الاجتماعية، وبالتالي لا يكون لهنّ أية حقوق أو تعويضات في هذه الفترات.

إعداد: نينار خليفة – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.