(الحل) – إن الحديث عن الفقر، وعن التراجع المستمر لمستوى معيشة السوريين ليس بالجديد، وبالتأكيد ليس وليد الحالة السورية الراهنة أو الحصار الاقتصادي، واللذين ساهما في تفاقمه بالطبع، والفارق الكبير بين مستوى الدخل ومتطلبات المعيشة كان كبيراً، ولم تسعَ السياسات الاقتصادية للحكومات المتلاحقة وصولاً لسنوات الحرب، لردم هذه الفجوة؛ بل ساهمت سياسات النظام الاقتصادية في توسيعها.

٣٠ دولار الأجر الشهري لـ ٤١ ألف موظف

آخر الإحصاءات الصادرة عن المكتب #المركزي_للإحصاء أكدت على التدني المخيف للرواتب والأجور في #سوريا قياسا بمتطلبات المعيشة في البلاد، وكان من المفاجئ وجود من يتقاضى راتبا شهرياً سواء في القطاع العام؛ أو الخاص يقل عن ١٥ ألف ليرة، وهو ما يعادل ٣٠ دولار شهريا، في الوقت الذي يتقاضى فيه بعض العاملين في الدول الأوروبية هذا الرقم مقابل ساعة عمل واحدة فقط، أو ساعتين في أسوأ الأحوال، ووفق المركزي للإحصاء:

من يتقاضون ١٥ ألف شهرياً وما دون (٣٠ دولار أو اقل)، يقدرون بـ ٤١ ألف موظف، وتشكل نسبتهم ١.٧ بالمئة من مجموع العاملين في البلاد.

من يتقاضون بين ١٥ – ٢٥ ألف ليرة شهرياً (٣٠-٥٠ دولار)، يقدرون ب، ١٦٣ ألف، وتشكل نسبتهم ٦.٧ بالمىة من مجموع العاملين في البلاد.

٦٧% رواتبهم بين ٥٠ و٩٠ دولار

وكشفت الدراسة ذاتها أن ٦٧ بالمئة من العاملين في سوريا يتقاضون رواتب بين ٥٠ و٩٠ دولار شهرياً، وهم الشريحة الأوسع، حيث تبين أن:

من يتقاضون بين ٢٥- ٣٥ ألف ليرة شهرياً (٥٠ -٧٠ دولار)، يقدرون بـ ٦٩٠ ألف، وتشكل نسبتهم ٢٨.٤ بالمىة من مجموع العاملين في البلاد.

من يتقاضون بين ٣٥ – ٤٥ ألف ليرة شهرياً (٧٠-٩٠ دولار)، يقدرون بـ ٩٤٣ ألف، وتشكل نسبتهم ٣٨.٨ بالمىة من مجموع العاملين في البلاد.

من يتقاضون بين ٤٥ – ٥٥ ألف ليرة شهرياً (٩٠-١١٠دولار) يقدرون بـ ٢٨٤ ألف، وتشكل نسبتهم ١١.٧ بالمئة من مجموع العاملين في البلاد.

١٢.٦ % فقط رواتبهم ١١٠ دولار وما فوق

من يتقاضون بين ٥٥ – ٦٥ ألف ليرة شهرياً (١١٠-١٣٠ دولار)، يقدرون بـ ١٢١.٥ ألف، وتشكل نسبتهم ٥ بالمئة من مجموع العاملين في البلاد.

من يتقاضون رواتب تزيد عن ٦٥ ألف ليرة شهرياً (فوق ١٣٠دولار) يقدرون بـ ١٨٥ ألف، وتشكل نسبتهم ٧.٦ بالمئة من مجموع العاملين في البلاد.

٢٣٢ دولار متوسط الإنفاق المطلوب شهرياً

وبحسب الدراسة ذاتها، والتي تسعى- دون أدنى شك- لتلميع الواقع المذري الذي تعيشه الغالبية العظمى من السوريين، فإن متوسط الإنفاق المطلوب للأسرة الواحدة يقدر بـ ١١٥.٩ ألف ليرة شهريا (٢٣٢ دولار)، وتشكل نسبة الإنفاق على الغذاء ٥٨.٥ بالمىة، والمقدر بـ  ٦٧.٨٠٠ ليرة (١٣٥ دولار)، وهذا يعني أن رواتب جميع العاملين بأجر في سوريا غير قادرة على تحقيق الأمن الغذائي لأسرهم، رواتبهم لا تغطي متطلبات #الإنفاق على السلع الغذائية، وهذا يعني أن غالبية العاملين بأجر، وقياساً إلى رواتبهم هم تحت #خط_الفقر المدقع، وغير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية من مداخيلهم المتواضعة، والمقدر عالميا بـ ١.٩ دولار للفرد الواحد يوميا، بينما هناك الكثير من الأسر، واعتماد على رواتب العاملين في البلاد، غير قادرين على إنفاق ٢ دولار على أسرة كاملة يوميا، وماذا لو أردنا الحديث عن خط الفقر المطلق، فهل هذه الأسر العاملة بأجر قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من غذاء وسكن وملبس وصحة وتعليم؟

للواقع أرقام إنفاق مضاعفة

تشير العديد من الدراسات إلى أن متوسط الإنفاق المطلوب للأسرة الواحدة يقدر بـ ٣٠٠ ألف ليرة شهريا (٦٠٠ دولار)، وهذا منطقي من زاوية أن وسطي الإنفاق في سورية كان في عام ٢٠٠٩ نحو ٣٠ ألف ليرة سوريا، أيّ ما يعادل ٦٠٠ دولار في حينه، وهذا الرقم يقدر بـ ٣٠٠ ألف ليرة حاليا، ومن جهة أخرى، إذا ما اعتبرنا أن #التضخم الحاصل خلال السنوات العشر السابقة يقدر بعشرة أضعاف، استنادا بالحد الأدنى لارتفاع الدولار مقابل الليرة السورية بعشرة أضعاف، والذي ترتبط بارتفاعه جميع أسعار السلع النفطية والغذائية وغير الغذائية، فإن رقم ٣٠٠ ألف منطقي وطبيعي أيضا كمتوسط للأنفاق، وبناءً على هذا الرقم، فإن الإنفاق المطلوب على الاحتياجات الغذائية يقدر بـ ١٧٥.٥ ألف ليرة شهريا للأسرة الواحدة  (٣٥١ دولار)، أي أن أجور الشريحة الدنيا من #الرواتب يجب أن تتضاعف بمقدار ٢٠ مرة لتكون قادرة على تلبية الإنفاق المطلوب، وإذا ما انطلقنا من شريحة الرواتب بين ٢٥ ألف ليرة سورية إلى ٤٥ ألف ليرة، والتي تشكل نسبتها أكثر من ٦٧ بالمئة من مجموع العاملين في سوريا، فإن الرواتب يجب أن تتضاعف بين ٧ إلى ١٢ ضعفا، لتلبي نفقات الأسرة السورية.

إنفاق الفرد نصف دولار يومياً

على اعتبار أن لكل ٥ أشخاص معيل واحد، فإن حصة الفرد من الراتب الشهري تقدر بـ ٣ آلاف ليرة (٦ دولار) للشريحة الدنيا، وقدرة الفرد على الإنفاق لا تتجاوز ٢٠ سنت يومياً (١٠٠ ليرة سورية)، وإذا ما أخذنا الشريحة بين ٢٥ ألف و٤٥ ألف ليرة، فإن حصة الفرد شهريا ستتراوح بين ٥و٩ آلاف ليرة شهريا (١٠-١٨ دولار)، أي أن حصة الفرد الواحد ستكون بين  ١٧٥ ليرة و٣٠٠ ليرة يوميا (٣٣ سنت و ٦٠ سنت يوميا)، وهذه المبالغ بعيدة جدا عن رقم ١.٩ دولار، متوسط إنفاق الفرد الواحد ليكون ضمن خط الفقر العالمي وفق البنك الدولي لعام ٢٠١١، وعلى الحسابات السورية، ومع الارتفاع المخيف في الأسعار، لن تكون مثل هذه المبالغ قادرة على تأمين وجبة غذاء واحدة.

وفق هذا الرقم الدولي، فإن خط الفقر للفرد الواحد سيكون بحدود ٩٥٠ ليرة يومياً، أي أن حاجة العائلة السورية لا تقلّ عن ٤٧٥٠ ليرة في اليوم الواحد، وما يعادل ١٤٢٥٠٠ ليرة في الشهر، لتكون ضمن خط الفقر العالمي.

كيف يعيش السوريون إذاً؟

سؤال يتبادر إلى أذهان كثيرين، فإذا ما كان حال المعيشة مخيف إلى هذه الدرجة، كيف يعيش السوريون؟ إن الإجابة بسيطة، فالقاعدة الذهبية تقول «على قد بساطك مد رجليك»، وهذا ما أتقنه السوريون، واحترفوا طرق الاحتيال على رواتبهم لإسكات جوعهم، وهذا ليس كل ما في الأمر، بل إن تحويلات السوريين في الخارج ساهمت في انتشال السوريين من فقرهم، ولولا ذلك لكانت نسبة الفقر بحدود ٩٠ بالمئة، حيث إن التحويلات المالية للمغتربين السوريين- سواء كانت موجهة لعائلاتهم؛ أو لتمويل بعض المشاريع الزراعية أو الصناعية- قد لعبت دوراً كبيرا في انتشال الأسر السورية من فقرها، إذ بلغ صافي التحويلات المالية إلى الداخل السوري في عام 2017 نحو ١٦٤٢ مليار ليرة سورية، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، وهذا الرقم يتجاوز الإنفاق الحكومي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري بـ 861 مليار ليرة سورية، إلا أن هذا الرقم، وبحسب تقديرات بعض الاقتصاديين غير دقيق، لأن هناك مبالغ كبيرة من التحويلات تأتي بطرق غير رسمية عن طريق البنوك اللبنانية؛ أو حوالات مباشرة، تعادل ضعف المبالغ المذكورة سابقا، وذلك بسبب إجبار السوريين على استلام حوالاتهم بالليرة السورية بسعر الصرف الرسمي مما يشكل عملية نهب ممنهجة لأموال للسوريين، وهذه الأموال كفيلة بدعم الأسر، ولها دور في تنشيط الطلب المحلي، خاصة أن رواتب وأجور الموظفين بوضعها الحالي غير قادر على خلق طلب في السوق الداخلية وتأمين احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية، غير أنها كانت طوق النجاة للنظام السوري وأطالت عمره.

 

إعداد: إبراهيم سلامة

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.