(الحل) – منذ أيام اعتقالها في سجون تنظيم «داعش» في أواخر 2015، بريف ديرالزور الشرقي،  لاتزال فاطمة وهي ممرضة من ريف #دير_الزور، تستذكر اللحظات الأليمة التي اقتيدت بها وزوجها من قبل دورية لداعش عند المعبر النهري في بلدة #الصبحة في 13 من نوفمبر 2015.

تصف فاطمة 27 عاماً (ممرضة) وهي زوجة لمقاتل سابق في الجيش الحر من مدينة #الميادين، اكتفت بذكر اسمها الأول، لموقع «الحل»، اللحظات الأولى التي أوقفتها بها دورية التنظيم أثناء محاولتها الخروج باتجاه الشمال السوري.

 

ظننتها آخر لحظاتي مع زوجي

«قطعنا النهر من خلال المعبر المائي في بلدة #البوليل، في ساعات مبكرة من صباح يوم الأربعاء في التاريخ المذكور أعلاه، بحجة أننا ذاهبون في زيارة لأحد أقاربنا في مدينة الرقة (عاصمة التنظيم في ذلك الوقت) لأن داعش يمنع الخروج من مناطق سيطرته في ذاك الوقت، فكانت العبارة النهرية تقل عدد من العوائل والأشخاص الذين ينون الهرب من المنطقة أيضاً، ومالم يكن في الحسبان آنذاك هو وجود دورية تتبع للجهاز الأمني تقوم بتدقيق أسماء الخارجين من المنطقة عند الضفة الأخرى من النهر، وعند أول وصولنا إلى هناك، تقدم عنصر منهم وآخذ الإثباتات الشخصية من الجميع، ولم تمر دقائق قليلة حتى نادى أميرهم على اسمي واسم زوجي وطلبوا منا أن نجلب أغراضنا ونأتي إلى سيارتهم، فيما أمروا البقية بإكمال طريقهم»، تروي فاطمة.

تقول الشابة لقد علمت من خلال نبرة أصواتهم في السيارة التي كانت تقلنا  مسرعة باتجاه مدينة الميادين حيث كانت انطلاقتنا الأولى، أنها اللحظات الأخيرة التي سأكون بها مع زوجي، وما أكد لها شكها، هو ما قاله أمير الدورية حينها «أتظن بأنك قادر على الفلت والهرب من أسود الخلافة، فلا والله الموت هو مصيرك وأمثالك أيها المارق» كانت هذه الكلمات كفيلة بأن توقف جريان الدم في عروقي لشدة خوفي عليه.

لم يكن في حسبان فاطمة بأن مصيراً مشابه سيكون بانتظارها هي الأخرى، فالراصد (المخبر) الذي وشى على زوجها بعدم  استتابته في الدورات التي فرضها التنظيم على كافة المقاتلين السابقين أرفق اسمها أيضاً، بأنها كانت تداوي جرحى الحر والذي يعتبرهم الأخير بحكم «المرتدين»، وفقاً لشرعييه.

تتابع فاطمة حديثها «كانت لحظة نزولنا من السيارة هي نقطة الفصل بيني وزوجي، إذ تم اقتيادي من قبل شرطة داعش النسائية (الحسبة) باتجاه سجن الحسبة، بينما تم اقتياد زوجي من قبل الأمنيين إلى جهة أخرى غير معلومة، لتبدأ مأساتي الأخرى من هنا».

 

جلد بالسياط وألفاظ نابية

«مكثت في سجن الحسبة التابع للمحكمة الإسلامية في مدينة الميادين  آنذاك، قرابة الشهر، شاهدت خلالها أساليب تعذيب تطبق على النسوة السجينات من قبل السجانات كنت أسمع عنها في وقت سابق لكن لم أصدقها حتى رأيتها بعيني، بل وطبق بعضها علي أيضاً،  فسجانات (داعش) لا تقل قسوة وبطش عن جلاديه أبداً بل أكثر وحشية منهم، فكانت أساليب التعذيب واحدة في سجون التنظيم سواء النسائية أو الرجالية على حد سواء، الجلد بالسياط ورش الماء البارد على مكان الجروح لزيادة الألم إلى جانب الشبح والركل، أضف إلى ذلك العض باستخدام آلة حادة يطلق عليها اسم (العضاضة)، وهي فك معدني مجهز بأسنان حادة يطبق على لحم الضحية»، وما لم ولن ينسى وفق وصفها، هي الألفاظ والكلمات النابية التي سمعتها خلال فترة سجنها»، والتي امتنعت عن ذكرها.

كانت مسؤولة السجن من الجنسية التونسية ونائبتها من الجنسية العراقية، تتناوبان بالإشراف على تعذيب السجينات في غرفة خاصة بالتعذيب لانتزاع الاعترافات بأفعال لم يرتكبنها مطلقاً، إذ يمكث في السجن 4 سيدات من شتى مناطق الريف والتهم مختلفة، إحداهن تهمتها التواصل مع زوجها المقاتل في فصائل معارضة للتنظيم في #القلمون آنذاك، وأخرى تهمتها محاولة الهرب إلى زوجها المقيم في أحياء المدينة المحاصرة التي كانت تحت سيطرة النظام في وقتها (#الجورة و#القصور) ، وأخرى تهمتها  حيازة فيديوهات تسيء للتنظيم في هاتفها المحمول، أما الأخيرة فكانت تهتمها «التبرج وارتداء لباس مخالف للباس الشرعي».

وأشارت فاطمة إلى أن كمية التعذيب التي تعرضت لها ومن معها في المعتقل «كفيلة لتبين سادية وإجرام سفاحي داعش من النساء والرجال، فهم لا يختلفون عن إجرام مخابرات النظام من حيث الظلم والتعذيب وأساليب القتل والبطش أيضاً»، وفق وصفها.

وعند سؤالنا لفاطمة كيف تم الإفراج عنك؟ تقول: «بعد مضي قرابة الشهر أصدر القاضي الشرعي وقتها حكماً ببراءتي من التهمة التي كانت ملصقة بي والتي كانت ستوصلني إلى عقوبة الإعدام، بعد أن تأكدوا حسب زعمهم من خلال ديوان الصحة التابع لهم، أنني عملت ممرضة في مشفى عام قبيل دخول التنظيم وليست مشفى خاصة بعناصر الجيش الحر، وأما  عن مصير زوجها فهو مجهول إلى الآن حاله كحال الآلاف من المغيبين عند (داعش)».

وحال الشابة «حياة»، ليس بأفضل من سابقتها فاطمة، فإن كانت تهمة فاطمة مداواة الجرحى، فتهمة حياة أعظم وفق قوانين وأنظمة «داعش» المتطرفة، فحياة كانت تعطي دروساً خاصة للطلاب المرحلة الإعدادية والابتدائية في منزلها، في الوقت الذي منع فيه التنظيم ذلك، واقتصره على مناهجه التي يدعوا من خلالها إلى القتل والترهيب والتطرف، وأي مخالف سيعرض نفسه لعقوبات صارمة.

فمناهج «داعش» الدراسية  كانت تتحدث عن القتال والأسلحة وتدريس فكر التنظيم المتطرف، إذ حوّلوا درس الرياضة إلى درس يُدرب فيه الأطفال على استخدام السلاح وخوض المعارك، وفرض أجوراً عليهم مقابل التحاقهم بالمدارس، وفصل بين الذكور والإناث، الأمر الذي دفع بذوي الطلاب إلى منعهم من الالتحاق بمدارس التنظيم، وبعضهم عمد إلى إلحاقهم بدروس خاصة بعيداً عن أعين الأخير.

 

عمل الممرضة مصيبة وعمل المدرّسة مصيبتين

وحياة اسم وهمي لمدرّسة من مدينة ديرالزور (39 عاماً وأم لطفلين)، فضلت عدم الإفصاح عن اسمها لسلامتها الشخصية، تحدثت لموقع «الحل» أيضاً عن فترة تواجدها في سجن التنظيم في المدينة وعن المعاملة السيئة التي تلقتها خلال ذلك.

تشرح حياة اللحظات الأولى التي داهم بها عناصر الحسبة منزلها في حي الحميدية في مركز مدينة ديرالزور، حيث كان الاقتحام في تمام الساعة الخامسة عصراً من يوم الاثنين المصادف 28 يوليو 2016، أثناء تواجد طلابها  في المنزل لأجل الدرس، «إذ عمد عناصر الدورية على خلع الباب والدخول من دون استئذان، وهم يعلمون تماماً أنه لا يوجد رجل في المنزل، فزوجي متوفى منذ اقتحام النظام الأول للمدينة».

تتابع حديثها قائلة «لحسن الحظ كان أطفالي حينها في زيارة لمنزل أهل زوجي، حيث اقتادنا عناصر الدورية أنا وطلابي الصغار الذين أجهشوا بالبكاء من شدة خوفهم، إلى مقر الحسبة، فمن وجهة نظر الأمير المسؤول، يجب جلب ذويهم لأنهم (شركاء في الجريمة) أيضاً».

«أبقوني لمدة أربعة ساعات في غرفة مع الطلاب ريثما جلبوا أولياء أمرهم، ليتم جلدهم وتغريمهم على الجرم الذي ارتكبوه وهو (تعليم أبنائهم مناهج مغايره لمناهج التنظيم المتطرف!!)».

ولم تمر بعدها ساعات قليلة حتى جاءت دورية نسائية من الحسبة لتحويلي إلى سجن النساء  في المدينة، والتهمة كانت مخالفة التنظيم وتدريس مناهج «الكفار».

تقول حياة إن مزاولتها للتدريس  في الخفاء من أجل كسب قوتها وأولادها، قد سبّبت لها ساعاتٍ طويلةً من التعذيب بالضرب على القدمين في السجن وتقليص الطعام إلى الحدّ الأدنى، برغيف خبزٍ يابسٍ في حال تجادلت مع إحدى الجلادات، اللواتي «يتلذذن بتعذيب السجينات، حيث استمرت فترة عذابي بداخل السجن 15 يوم لكن كل يوم كان يعادل 100 عام من عمري».

ونقلت حياة قصة أم خالد، وهي ربة منزلٍ كانت تجلس مع جاراتها أمام منزلها دون غطاء وجهٍ هي الأخرى لحظة اعتقالها من قبل عناصر الحسبة النسائية (الخنساء)، الأمر الذي عرضها إلى الضرب بالعصيّ واستعمال «العضاضة»  في تعذيبها خلال مدّة حبسها التي تجاوزت 7 أيام أيضاً.

«إن صراخ السجينات أثناء التحقيق أو التعذيب بوسائل لا تختلف عن وسائل تعذيب الرجال، لاتزال عالقة في ذاكرتي، اقترنت بذكر اسم (داعش)، لا أعلم أن كان باستطاعتي تجاوزها مع الأيام القادمة»، تختتم حياة حديثها.

إعداد: حمزة فراتي – تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.