تواصل أسعار السلع والمنتجات بالأسواق في سوريا، ارتفاعاتها من دون تدخل حكومي أو رقابة، ما حوّل الأسواق إلى فوضى وزاد من استغلال التجار للمستهلكين، حتى تلك السلع التي تعد في موسمها الآن، كالبقوليات.

الأسواق بلا عدس وحمص

رغم المساحات والأراضي الكبيرة المزروعة بالبقوليات في سوريا التي تعلن عنها وزارة الزراعة عبر وسائل الإعلام ضمن خطتها الزراعية، إلا أن هذه الإعلانات تظل بعكس ما تكشفه الحقائق في الأسواق، والتي كانت إحدى نتائجها ارتفاع أسعار البقوليات في الأسواق السورية.

المهندس الزراعي، بسام السيد، قال لموقع “أثر برس” المحلي، أمس السبت، إن موسم الحمص والعدس لهذا العام كان قليلا، حيث يباع كيلو الحمص بمبالغ تتراوح بين 4000 و4500 ليرة سورية بالجملة في منطقة الغاب، في حين يغيب العدس عن الأسواق لعدم زراعته بالشكل الكافي.

وأكد السيد، أنه لا يوجد لدى جميع الدول خطة منظمة أو فعالة لزراعة هذه المحاصيل رغم أهميتها، كما أن الإنتاج الكبير الذي كان في سوريا سابقا تراجع بسبب ضعف الخطة الزراعية، فمع استعداد العالم للحفاظ على إنتاجه من القمح والبقوليات بفعل التغيرات المناخية، وارتفاع أسعاره عالميا، والتوقعات بأزمة غذائية محتملة، إلا أن قصور خطط حكومة دمشق، وخسارة المزارع المستمرة التي جعلته غير قادر على العمل، ما أدى إلى تخليه عن زراعة البقوليات بشكل أساسي.

وأوضح السيد أيضا، أنه على الرغم من أن وزارة الزراعة قد أصدرت تصريحا بأسعار الحصاد، إلا إنه لم يلتزم بها، مطالبا الوزارة “بتحديد فريق مختص للإشراف على الحصاد وتزويد الحصادات بالمازوت الزراعي والجرارات لنقل المحصول، حتى لا تترك التجار والسماسرة ينهبون تعب الفلاح”.

ارتفاع أسعار البقوليات

عدم رغبة المزارعين في زراعة الحمص والعدس والفريكة، يعود سببه بنظر الخبير التنموي، أكرم عفيف، إلى ارتفاع كلفة زراعتها، متسائلا عما إذا كان من المعقول أن يبيع المزارع كيلو الثوم بـ 200 ليرة، فيما تكلفته 1500 ليرة، حيث توقع في الوقت ذاته، الأسوأ من جهة توفر وارتفاع أسعار البقوليات في سوريا، لأن الفلاح لم يعد يزرع بعد هذه الخسارات الكبيرة التي مني بها.

فيما أوضح التاجر محمد حيدر للموقع المحلي، أن هناك نوعان من العدس، فسعر كيلو العدس كندي النوع (الحبوب الكبيرة) في الأسواق ارتفع إلى 8500 ليرة سورية، بالإضافة إلى أنه متوفر في شركة واحدة فقط، أما كيلوغرام من حبوب العدس المختلطة وسيئة النوع تباع بـ 7000 ليرة سورية.

وذكر حيدر، أن سعر كيلو الفريكة ارتفعت أيضا من 9500 ليرة إلى 13000 ليرة، كما ارتفع كيلو ذرة البوشار بمعدل 1500 ليرة، والقمح المقشور يباع الكيلو بـ4500 ليرة، وارتفع سعر كيلو أرز بسمتي من 7000 إلى 9500 ليرة، والحمص الحب مفقود بالرغم من أنه عز الموسم.

وبحسب حيدر، فإنه بعد ارتفاع أسعار التمر سابقا ووصوله إلى مستويات قياسية قاربت 40 ألف ليرة، ومقاطعة المواطن شراءه نتيجة تدني القدرة الشرائية، انخفض اليوم سعر النوع الإماراتي المقبول إلى 6 آلاف ليرة للكيلو الواحد، كما انخفض سعر كيلو ملح الليمون من 20 ألف ليرة إلى 12 ألف ليرة على الرغم من فقدان الليمون الحامض اليوم في الأسواق.

عموم سوريا في خطر

خطر داهم يحيط بالسوريين إزاء أزمة غذاء قاسية تنتظرهم خلال الفترة المقبلة، فالأمر يتجاوز تأمين رغيف الخبز الذي يحتاج القمح المنهك بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا. هذه الأزمة وإن كانت تتخطى حدود سوريا لتصل إلى العالمية، غير أن سوريا كبلد يعاني من الحرب وإرهاصاتها، سيكون وقع تلك الأزمة كبيرا عليها، بما يتجاوز حدود التقديرات الدولية التي حذرت مؤخرا وبشكل متكرر من “مجاعة” تهدد السوريين.

في سوريا، يشعر الأشخاص الأكثر ضعفا الذين يعتمد نظامهم الغذائي بشكل كبير على الخبز المصنوع من القمح بالتأثير السلبي للأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي، ومع دخول البلاد عامها الثاني عشر من الركود الاقتصادي، وصلت الاحتياجات الإنسانية إلى أعلى مستوياتها، حيث ساهم السياق الاجتماعي والاقتصادي المتدهور في أن يعيش حوالي 90 بالمئة من السكان في فقر، ووصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات تاريخية مرتفعة حيث يقدر أن 60 بالمئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

الجفاف والارتفاع في درجات الحرارة، مصحوبين بموسم حرائق قريب في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كلها عوامل تهدد الأمن الزراعي المتدهور أساسا في سوريا، وذلك في ظل تحذيرات جهات عدة دولية منها ومراكز بحثية من كارثة غذائية قريبة تهدد السوريين مع تزايد مخاطر تأمين الغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فبات السوريين في عمق أزمة غذائية حادة.

ومع تدهور الحالة في سوريا وما يترتب على ذلك من ردود، قد يتساءل البعض عما إذا كان هناك ما يمكن القيام به للتصدي لها، وبحسب ما يراه مختصون فإنه يمكن لحكومة دمشق مواجهة ذلك، عبر سياسات الدعم والحوافز والتدريب والتوعية لتوجيه الموارد واستخدامها بحكمة لتحقيق الأهداف العامة، حيث يمكن تقديم الدعم للمزارعين في القطاع الزراعي لتشجيعهم على زراعة محاصيل ذات إنتاجية عالية، واستثمار الأراضي في إنتاج أكثر من موسم، مثل البطاطا والجزر والفاصوليا مع التركيز على المحاصيل التي تستهلك كميات أقل من المياه، رغم أن خزائن حكومة دمشق شبه خاوية ولا تملك الإمكانيات لتقديم الدعم المالي المناسب.

علاوة على ذلك، اكتسب المزارع السوري خبرة في زراعة الأرض بمحاصيل متتالية، أو زراعة محصولين في نفس المنطقة في نفس الوقت، مثلا، قد يزرع البصل والقطن، والحلبة مع القمح، والخس مع الملفوف، وعلاوة على ذلك، كانت هناك تجارب ناجحة مع زراعة الذرة مرتين في موسم واحد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.