بعد موجة ركود دامت خمسة أعوام، صاحبها انخفاضاَ ملفتاً في أسعار العقارات، انتعشت حركة الأسواق العقارية في مدينة الرقة، خلال الفترة الأخيرة، وشهدت إقبالا ملحوظا على حركة شراء وبيع العقارات سواءً داخل المدينة ومركزها أو على الأطراف، لتكون الحالة بين الانتعاش والاستقرار، وانتظار المجهول مع وعود إعادة الإعمار، ليبقى حال سوق العقارات رغم فقدان السيولة على أمل الاستمرار والبقاء.
حركة العرض والطلب
علي الصالح (ناشط في مدينة الرقة) تحدث لموقع «الحل» حول الموضوع قائلاً: «شهدت حركة العرض والطلب على العقارات نشاطاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وذلك نتيجة الاستقرار النسبي الذي تتمتع به المدينة مقارنة مع بقية المناطق الأخرى التي خرجت عن سيطرة تنظيم (داعش)، إلى جانب نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق المجاورة لها، نتيجة الأوضاع غير المستقرة في مناطقهم»، مضيفاً أنه «وبالتالي ازدياد الطلب على العقارات من ناحية الإيجار والشراء، بالإضافة لأعمال إصلاح البنية التحتية وإزالة الأنقاض التي قام بها مجلس المدينة المدني بالتعاون مع بلدية الشعب في الرقة، كلها أمور ساهمت في انتعاش حركة بيع وشراء العقارات في المدينة بشكل عام».
أسباب عدّة ساهمت بإنعاشها
مجيد النبهان (صاحب محل تجاري في المدينة) يقول لموقع «الحل»، إن: «انتعاش أسواق المدينة ساعد بشكل كبير في تطوير حركة بيع وشراء العقارات، فأغلب المحال القديمة والمدمرة قام أصحابها بترميمها بغرض إعادة افتتاحها، أو تأجيرها لمستثمرين، أو بيعها حتى، فكثرة الطلب على المحال التجارية دفع بأصحاب المحلات (ممن لا يملكون تكلفة الترميم)، على تأجير محلاتهم دون ترميم وباتفاق مع المستأجر على أن يقوم بترميم المحل وخصم التكاليف من الآجار الشهري» وفق قوله.
مشاكل تواجه المستأجرين
عن المشاكل التي توجههم، قال مهند النهار (نازح من مدينة #حلب) لموقع «الحل» إن: «من أهم المشاكل التي تواجهنا كمستأجرين هي ارتفاع أسعار الإيجارات، فأنا أعيش في منزل مؤلف من ثلاث غرف وصالون على أطراف المدينة، منذ 4 أشهر، مقابل مبلغ 30000 ليرة سورية شهرياً، نتشارك به مع عائلة أخي الذي لم يتمكن من تأمين منزل لوحده، بسبب كثرة الطلب على إيجارات المنازل والذي يعود سببه لتوافد أعداد كبيرة من نازحين المدينة إلى منازلهم، إضافة إلى ضرورة امتلاك المستأجر النازح من غير المدينة لبطاقة الوافد وتوقيعها من المختار ومسؤول «الكومين»، الأمر الذي يؤخر فرصة الحصول على السكن في الوقت المناسب».
يضيف المواطن «النهار» أن «أغلب المنازل التي تؤجر بداخل المدينة بحاجة لأعمال ترميم وأصحابها لا يملكون تكلفة ترميمها، فيقوموا بتأجيرها على أن يقوم المستأجر نفسه بترميمها، ويرغب أغلب النازحين للمدينة بتلك المنازل كونهم لا يملكون القدرة المادية على استئجار منزل بأطراف المدينة بسبب تكلفة أجاره العالية، لأنه لم يتعرض للضرر كثيراً خلال المعارك السابقة التي شهدتها المنطقة».
وعن ظاهرة رفع الإيجارات تحدث محمد عدنان (صاحب مكتب عقاري في حي الطيار) لموقع «الحل»، قائلاً: إن «توافد الأهالي للمدينة بشكل فجائي أدى لكثرة الطلب على المنازل والمحال التجارية، وخاصة لمن فقد منزله أثناء #الحرب، إذ أن غالبية الزبائن تبحث عن بيوت ومحلات للإيجار بداخل المدينة كون الأسعار فيها مقبولة إلى حد ما، فإيجار المنزل المتضرر قليلاً يبلغ من 20000، إلى 30000 ل.س، أما المحل التجاري فيبلغ من 10000 إلى 20000، ل.س، شهرياً، أما على أطراف المدينة فالإيجارات ترتفع إلى الضعف، كون المنازل فيها سليمة ولم تتعرض للدمار كما بالداخل، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يتم تأجير بيوت غير مرممة أو لم يتم كساؤها بعد، بسبب حاجة الوافدين للمدينة إليها» وفق تعبيره.
ركود حركة العقارات وأسباب ذلك
تعرض #قطاع_العقارات كغيرة من القطاعات الأخرى في المدينة لضرر كبير أثناء فترة سيطرة التنظيم على المدينة، فقوانين الأخير وممارسات عناصره ضد المستثمرين وأصحاب الأملاك، دفع بالكثير منهم لترك ممتلكاته والهروب خارج المدينة.
أحمد العلاوي (من سكان #حي_المشلب) يقول لموقع «الحل»: إن «التنظيم فرض قرارات عدة على المستأجرين وأصحاب الأملاك أدت لتوقف حركة العقارات ومن أهمها الزكاة، حيث فرض #ضرائب عدة على أصحاب #المكاتب_العقارية بحجة الزكاة، رغم أن حركة تلك المكاتب كانت شبه معدومة إلى جانب ممارسات عناصره الأجانب ضدهم، ما دفع بأغلبهم إلى إغلاق مكتبه والسفر خارج مناطق نفوذ التنظيم».
كما أصدر التنظيم قراراً يقضي بضرورة وجود صاحب العقار حصراً أثناء عملية الاستئجار أو البيع وإن لم يوجد فيتم مصادرة العقار بحجة أن صاحبة يقيم في بلاد الكفر، لتقيم به إحدى عوائل عناصره الأجنبية (المهاجرين) كما كانوا يدعونهم، وفق العلاوي.
أسباب ساهمت في تأزم حركتها
تأثرت #البنية_التحتية بشكل كبير في معارك السيطرة على المدينة، فالقصف الجوي والألغام التي نثرها عناصر التنظيم بأيامهم الأخيرة خلفت دماراً يقدر بنسبة 90% في المنازل والأسواق التي لم تنتهي أعمال ترميمها إلى الآن.
خالد السيد عمر (صاحب أملاك عدّة في المدينة) أوضح لموقع «الحل»، أن «المعارك التي دارت في المدينة أدت لدمار كبير في المنازل والأسواق وذلك بسبب القصف الجوي والألغام التي زرعها عناصر (داعش) في منازل المدنيين والشوارع العامة لإعاقة تقدم عناصر قسد) من خلالها، ما أثر بشكل سلبي بالدرجة الأولى على أصحاب المنازل الذين عادوا ليجدوا أملاكهم كومة ركام»، وفق تعبيره.
وأضاف «عمر» أن «عقارات كثيرة تم الاستيلاء عليها بطرق احتيالية أثناء فترة سيطرة (داعش) على المدينة، وذلك عن طريق أشخاص كانوا يعملون ببيع وشراء محلات أو منازل من عمل مع #الفصائل_المعارضة أو من عليه حكم أو فار من مناطق (الخلافة)، وذلك بالتعاون مع أمراء أو عناصر واصلين في التنظيم».
تنظيم أعمال بيع وشراء المنازل
عمل #مجلس_الرقة_المدني بالتعاون مع «بلدية الشعب» على تنظيم أعمال بيع وشراء العقارات، من خلال اجتماعات عدّة عقدت في المدينة وريفها، بحسب أحمد الرشيد (ناشط من مدينة #الرقة) الذي تحدث لموقع «الحل»، قائلاً: إن «بلدية الشعب قامت بإنشاء قسم خاص لضبط عملية بيع وشراء العقارات وسمي باسم (مكتب العقود الفنية)، ووظيفته تنظيم وتصديق وتجديد عقود الآجار والاستثمار بشكل أصولي، كما يقوم المكتب باستخراج بيانات الملكية والمخططات ورخص البناء للمواطنين».
كما أصدرت البلدية قرارات عدّة بخصوص تنظيم أعمال المكاتب العقارية في المدينة وأهمها، أن يكون صاحب المكتب من أهالي الرقة وأن يزاول عمله ضمن القوانين والشروط الصادرة عن #الإدارة_الذاتية والالتزام بها، ومن يخالف يعرض نفسه للمسائلة القانونية».
تعيش السوق العقارية في مختلف المحافظات والمدن التي شارت في الاحتجاجات الشعبية منذ 2011، تكهنات واسعة وسيناريوهات متضاربة عن مستقبل القطاع العقاري، خاصة مع الحديث عن إعادة الإعمار والشركات التي تحاول الاستحواذ على حصتها من الكعكة، إلا أن الغموض ما يزال يسيطر على المشهد العام، إذ ينتظر العاملون في القطاع العقاري عن ما ستكشفه الاتفاقات القادمة بين الدول حول سوريا، وما الآلية التي سيتم اعتمادها في إعادة الإعمار مع دمار مدن بأكملها والرقة في مقدمتها.
إعداد التقرير: علي إبراهيم
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.