رغم مئات الانتهاكات المرتكبة بحق اللاجئين السوريين في لبنان والموثّقة بعشرات التقارير التي تتحدث عن سوء المعاملة والتضييق الممنهج من قبل التيارات السياسية اللبنانية الموالية لدمشق، يستمر بعض الساسة اللبنانيين بترديد أسطوانة “خطر التوطين” والتحذير مما سيسببه وجود اللاجئين من “خللٍ سكاني”. حيث باتت تلك الحجج وسيلة لابتزاز المجتمع الدولي لتحصيل بعض المنافع المادية في ذلك البلد المهدد بالانهيار الاقتصادي، نتيجة سياسة المحاصصة الطائفية التي فتكت بنسيجه الاجتماعي، ونفوذ حزب الله، العصابة التي تعتبر نفسها “دولة داخل دولة”.

خطابٌ يساوي بين إسرائيل واللاجئين السوريين!
ولعل خطابات الأمين العام لحزب الله (حسن نصر الله) الذي أقحم الآلاف من مقاتلي الحزب على جبهات سوريا، كانت بمثابة بوصلة لتوجيه خطابات بعض السياسيين التي ساوت بين خطر حركة التغيير في سوريا مع خطر إسرائيل، حتى بات العديد من الساسة اللبنانيين يكررون تلك (الكليشة) الخطابية في أي مناسبة حتى لو اختلفت مفردات التعبير.
ويأتي على رأس أولئك الذين يضمرون العداء للسوريين، وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر وصهر رئيس الجمهورية (جبران باسيل)، الذي وضع نصب عينيه قضية اللاجئين السوريين في #لبنان في أي خطابٍ له، وفي أي مناسبة دبلوماسية من شأنها أن تتيح له فرصة طلب المعونات من المجتمع الدولي بزعم أن لبنان لا يحتمل تكاليف إعاشة النازحين السوريين.
وخلال زيارته التي بدأها الأمس الأربعاء إلى ألمانيا، قال جبران باسيل إن “لبنان ملتزم بالقرار 1701، ولم يعتد على اسرائيل بل هي دائماً المعتدية، تماماً كما حصل أخيراً وفي كل مرة”. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، مع نظيره الالماني (هايكو ماس)، سرعان ما اقتنص باسيل الفرصة للحديث عن اللاجئين السوريين قائلاً: “لمسنا رغبة متوافرة لدى أكثر من 80 بالمئة من النازحين السوريين بالعودة والظروف باتت مواتية بسوريا، لذلك نطلب من ألمانيا مساعدتنا بالضغط بهذا الاتجاه وتحويل أموال المساعدات لتشجيع هذه العودة”.

خلصت!
خلافاً لجميع التقارير التي أكدت تعرض العديد من اللاجئين السوريين للاعتقال أثناء عودتهم من قبل أجهزة الأمن السورية، فضلاً عن المضايقات في لبنان والتي انتهت بهدم المئات من الخيام وطرد مئات الأسر، يصر الوزير اللبناني على تسويق فكرة عودة الأمن والأمان إلى سوريا، ما يعيد للذاكرة تلك العبارة التي لطالما رددها العديد من الشخصيات اللبنانية عبر المحطات التلفزيونية؛ “خلصت”.
باسيل الذي لم يخجل من طلب المال من ألمانيا لمساعدة لبنان على ما أسماه إعادة اللاجئين قال: “رفضنا سابقاً توطين الفلسطينيين ونرفض مجدداً توطين السوريين،‏ نحن حريصون على سلامة عودة النازحين ولم يسجل لدينا ممن عادوا من لبنان أي انتهاك لحقوقهم وكرامتهم. وفي السنة الاخيرة عاد أكثر من مئتي الف سوري من لبنان لان الظروف اصبحت مؤاتية”.
وأكد الوزير اللبناني أن “الإجراء الذي اتخذه الجيش أخيرا والذي أتى بقرار من المجلس الأعلى للدفاع بلبنان، هو نتيجة قيام تجمعات غير شرعية للنازحين ببناء مساكن غير شرعية”، بحسب وصفه.

(مونولوج) عنصري معتاد من باسيل
وخلال المؤتمر الصحفي وفي حديثه عن “الإرهاب والحروب التي نجمت عنه” حاول الوزير المساواة بين ما تحمله لبنان وما تتحمله ألمانيا حيال أزمة النزوح، حيث اعتبر أن لبنان قد “تكبد من اقتصاده 30 مليار دولار ويعاني من ازمة اقتصادية كبيرة”. وقال في (مونولوج) عنصري: “هناك مئتي نازح في الكيلومتر المربع الواحد وهو ما يهدد وجود لبنان، ويشكل ضغطاً اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وصحياً وتربوياً، ولا يمكن لأحد أن يفرض على لبنان الذي يعيش على توازنات دقيقة، التوطين”.
وأَتبع الوزير “صديق بشار الأسد” أن عودة النازحين “يجب ألا ترتبط بأي حل سياسي مستقبلي في سوريا، ويجب أن تحصل بمعزل عنه طالما نطالب بالعودة الآمنة ولا نفرضها على من يعانون من مخاطر أمنية واضطهاد” حسب زعمه.
باسيل وسواه من اللبنانيين الذين سوّقوا لفكرة وجود ما يزيد عن 2 مليون لاجئ سوري، تناسوا خلال تلك السنوات أن الحكومة اللبنانية التي يملك حزب الله النفوذ الأكبر فيها لم تقم بإجراء إحصائي واحد ولا أي مسح اجتماعي آخر، متناسيين تلك الإحصائية الوحيدة التي ثبت وجود مليون و34 ألف لاجئ سوري فقط وفق إحصائيات المفوضية العليا للاجئين المسجلين في لبنان.
وتثبت العيد من الدراسات أن أعداد اللاجئين قد تناقصت بشكل كبير نتيجة الهجرة إلى أوروب،ا حيث كان لبنان بمثابة محطة خرج منها مئات آلاف اللاجئين -إن لم يكن أكثر- إلى تركيا وإلى أوروبا.

شكراً لبنان؟… بل شكراً قطر!
وحول تكبد الميزانية اللبنانية فتجدر الإشارة إلى أن لبنان لا يقدم للاجئين أي من تلك الخدمات بشكل مجاني، فاللاجئ ملتزم بدفع تكاليف العلاج الطبي والأقساط المدرسية للاجئين غالبا ما يتم تغطيتها بمنح مقدمة من دول بعينها. وهنا لا بد من التذكير أن وزارة التربية اللبنانية قد منعت الطلاب السوريين من الاختلاط بالطلبة اللبنانيين، كما منعتهم بداية العام الدراسي 2014 من دخول المدارس بزعم عدم وجود ميزانية لتغطية تلك التكاليف، فسارعت قطر والإمارات ودولة خليجية أخرى لمنح لبنان مبلغ 780 مليون دولار كمنحة لاستقبال الطلبة السوريين اللاجئين.

أما بخصوص الأعباء الاقتصادية التي شكلتها العمالة السورية في لبنان فيجمع خبراء على أن لبنان كان الخاسر الأكبر عندما منع فتح أي نشاطات إقتصادية في لبنان وحاربها منذ العام 2014 عبر سلسلة من القوانين التي تحضر تلك الاستثمارات ما أفقد البلد فرصة للانتعاش الاقتصادي وساهم بخروج رؤوس الأموال تلك إلى تركيا ومصر وأوروبا.

حلفاء الأسد لا ولن يمثلوا لبنان
التعليقات العنصرية والحملات التحريضية التي تصدر عن باسيل، والسياسيين الآخرين الموالين لحزب الله وزعيمه نصر الله، وحليفه في دمشق بشار الأسد، يقابلها رفض كبير ضمن الشارع اللبناني، برز في وقت قريب عند إصدار نشطاء بياناً يستنكر الحملات العنصرية التي يقودها باسيل بحق اللاجئين السوريين.
وقال عشرات النشطاء والصحفيين والفنانين والحقوقيين والمثقفين اللبنانيين، في بيان يوم الثلاثاء (25 حزيران/يونيو): “نعلن قرفنا الصريح من هذه الهستيريا العنصريّة التي يُديرها وزير خارجيّتنا السيّد جبران باسيل، ضدّ أفراد عُزل هجّرهم من بلدهم نظامهم القاتل، فيما عاونَه على تهجيرهم طرف لبنانيّ يشارك اليوم، ومنذ سنوات، في حكومات بلدنا مليشيات حزب الله”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة