علي الكرملي

وكأنّما ما مرّت (وتمُرُّ) به هذه البلاد من ويلات وآهات، لا تعني ساستها شيئاً؛ لِيُلُوّحوا في كل أزمة أو منعطف تدخلها الدولة بخيار ”الحرب الأهليَّة“، مُتَكهّنين ومُتخوّفين من ذلك، وهُم الحُكام.

كأنّما لم تكفيهم الحربٌ الأهليّة التي افتعلوها في مطلع الألفية الثالثة بعد التغيير، دامت لسنوات، انتهَت ومر عقدٌ عليها، وأوجاع الاُمّهات الثُكلى وجراح الآباء لم تندمل بعد، ليجيئوا بهذا السيناريو لإخماد فتيل الأزمة.

نعم، الحُكّام هم أنفسهم من يتخوّفون (ظاهرياً) من ذلك السيناريو، فذاك الصدر قد قالها وما زال يقولها، وقبله المالكي الذي حذّر مراراً وتكراراً، وليس آخرها في (آيار/ مايو ٢٠١٨) قبل الانتخابات الأخيرة وإبّانها، وهذا عبد المهدي يحذّر اليوم من ذات المنعطف أيضاً.

نُسختُهم العراقيّة

يفسر ”سعد سلوم“، الباحث والأكاديمي في العلوم السياسية ذلك في سياق مقارن بقوله، «مثلما  سلكت الشعوب مثل مثيلاتها طرق الحرية وتعلمت كيف تعبر عن نفسها باستخدام أدوات العولمة، ويصبح شبابها جسراً للتواصل».

”سعد سلوم“، الباحث والأكاديمي في العلوم السياسية

«مثل ما حدث في الربيع العربي في تونس أًولا تبعتها مصر ثم بلدان أخرى، كانت الحكومات تستنسخ وسائل القمع، وتعيد إنتاج نموذج الدولة البوليسية بوجوه متعددة»، يُكمل لـ ”الحل العراق“.

مُسترسلاً، أن «البلطجية الذين ظهروا في ميدان التحرير بالقاهرة واعتدوا على المتظاهرين، كانوا موجودين أيضا في ساحات التحرير العربية المختلفة، ومن الطبيعي أن تظهر  نسختهم العراقية في كل موجة احتجاجية منذ عام ٢٠١١ ولحد الآن».

من جهة ثانية حلّل ”سلوم“، سيناريوهات التخويف تلك، سيناريوهات الحرب الأهليّة،  وانهيار المجتمع والدولة في سياقٍ مماثل، يقوله: «إن  الحكومات العربية قد اتقنت فن تشويه الخصم باتهامه بالعمالة وارتكابه الخيانة».

«وتحويل المواجهة بين الجماهير المطالبة بالإصلاح والحكومات الفاسدة إلى مواجهة بين موالين للحكومة ومعارضين لها، وكل حركة احتجاجية تحمل بصمتها الخاصة لكنها جميعا تشترك بملامح متشابهة».

ما لم تدركهُ الحكومة

ما يؤكد قرب حدوث ذلك السيناريو، هو ما يجري الآن. منذ يومين وحتى اللحظة، والدم يسيل ويُغرق شوارع الجنوب، على يد القوات الأمنية، مثلما القوات الخارجة عن القانون، وكأنما الحكومة تُخيّر الشعب بين خيارين أحلاهما مُر، إما البقاء على هذا النظام، وإما الحرب الأهلية.

«الحكومة مستعدة للقيام بإبادة بشعة من اجل البقاء في السلطة»، بتلك الجملة القصيرة تؤكّد المحللة السياسية ”لَيا السومري“ ما طُرِحَ أعلاه لـ ”الحل العراق“، «وليس ذلك فحسب، بل لديها مخططٌ واسع لقتل أبرز وأهم الشخصيات العراقية؛ لرمي التهمة على المنتفضين»، تقول السومري.

رُبّما، بل وحتماً، إن خيار الحرب الأهلية، ما هو إلاّ بديلٌ عن البعبع الداعشي، فاليوم ومع كشف جميع أوراق الحكومة، لن تعد تستطيع التهديد بـ (داعش) وما سواها، لماذا؟ قد تكون هناك أسبابٌ لا سبب، لكن وعي الشعب ومعرفته بمن أتى بـ (داعش) يبرز عن ما عداه من أسباب.

من تظاهرات العراق- كاميرا الحل

ورغم كل ذلك لجأت لذلك الخيار، «لجعل المنتفضين يخشون من أن يقتتلون بعضهم؛ فهي على دراية بمدى خوف العراقي على أخيه من القوات الأمنية أو من العشائر، فهم أبناء جلدة واحدة»، تبين السومري، وتُضيف، «غير أن المنتفضين لم يعد يرهبهم عدُو قُط»، وهذا ما لم تدركه الحكومة بعد، على حد قولها.

اقتلاعٌ أو شهادَة

هذا الشعب، ومنذ أن انتفض، كان ولا يزال يريد الاحتفاظ بمظاهرات سلميةٍ خاليةٍ من القمع. كل ما كان يرغب به هو النزول إلى ساحات الاعتصام والمطالبة بحقوقه المشروعة. في المقابل، منذ البداية، وبعض القوات تحاول قمع هذه التظاهرات، وإخماد صوت الشعب بكافة الأساليب الملتوية

«كان اعتقادهم في بادئ الأمر أنها مجرد صولة شباب وحَمية مؤقتة ستنطفئ وتُخمد. خلال أيام ظنوا أنهم سيتعبون ويعيقهم البرد ثم يعودون أدراجهم، هنا رد الشعب كان أقوى حين قامَ بدعم ساحات التظاهرات من كافة التجهيزات على أتم وجه»، تقول زينة العبيدي /٢٣/ عاماً لـ ”الحل العراق“.

«لكننا بتنا لا نأبه لشيء»، تحكي تلك الشابة الجامعية التي تدرس الهندسة في جامعة بغداد، وهي التي لم تترك ساحة التحرير، والمناطق المحاذية والمجاورة لها، مذ /٢٥ تشرين الأول/ الماضي وإلى اليوم، حتى أنها أُصيبَت بالقنبلة الغازية في قدمها اليُسرى، لم تستسلم، ولم تيأس.

«تخيل معي، شباب خرج منذ /٣٥/ يوماً، تحمّل (الضرب، القنابل الدخانية، البرد، انعدام الراحة والاستقرار)، وكانَ على موعد مع موت وشيك في أي لحظة، هل يُعقل أن يتراجع بعد كل ذلك؟»، تتساءلُ، مُجيبَةً، «تأكد بأن وقوع أي شهيد لا يزيدنا إلا عزيمة وإصرار وثبات على قضيتنا».

«الشباب ستثور وتعترض وتنتفض إلى أن تقتلع كل العناصر الفاسدة، أعطينا شهداء ولا مانع لنا أن نعطي؛ فشريحة الشباب اليوم بعد وعيها لا ترضى بالذل ابداً، وإن كان رأيهم البقاء على نظام فاسد أو حرب أهلية؛ فرأي الشعب إما اقتلاع هذا النظام أو الشهادة»، بتلك الكلمات ترد العُبيدي على تحذيرات الحكومة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.