علي الكرملي

«في ديسمبر تنتهي كل الأحلام»، قالتها ”أثير النشمي“، الكاتبة السعودية وجعلَت منها اسماً لروايةٍ عاطفية، لكن رواية الاحتجاجات العراقية لم تكن عاطفية مثلها، شابتها الكثير من المنعطفات حتى أتت أولى ثمراتها بعد شهرين من الاستمرار، باستقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ليُنهي ديسمبر كل أحلامه في البقاء على كرسيه، كما أنهى قصّة ”حذام، ووَلاّدَة“ في رواية ”النشمي“.

هذه الخطوة، خطوة الاستقالة، وإن جاءت متأخرة، فهي لا تعني شيئاً عند المحتجين، فالطريق ما زال طويلاً أمامهم، لأن المشكلة ليست في شخص عبد المهدي، إنما بالمنظومة أجمع، إلاّ أنها جعلَت من البلدان التي لها مصالحها مع العراق، تفكّر في خسائرها لو تم التغيير فعلياً.

في الحقيقة، وإن كانت المسيرة نحو ذلك التغيير، تغيير نظام الحكم في العراق مُعقّدة وصعبة جداً في هذا الوقت، على المنظور القريب أقلّها، إلا أن تلك الدول ليست غافلة، ولا تنتظر ما سيحدث، تبدأ من الآن تُحسب للمستقبل، بالأحرى لخساراتها إن تم التغيير، وما أكثرها.

إيران الخاسرة الأكبر

من بين كل تلك الدول التي تربطها مصالح مع العراق، تبرز إلى الواجهة إيران، إيران التي تتحكم في مشهد العراق بصغيره وكبيره، ولوحظت محاولاتها الجدية عبر بطشها وعنفها الذي مارسته وتمارسه بحق المنتفضين بوساطة أدواتها في الداخل العراقي.

نعم إيران هي الخاسر الأكبر، وليس سياسياً، بل اقتصادياً واستراتيجياً أيضاً. سياسياً ستفقد سيطرتها التي شرعت بتنفيذها منذ سنوات طوال حتى وصلت إلى هذه الهيمنة الكُليّة، ستخسر كلمتها التي فرضتها على نظام الحكم في العراق، «ولكَ أن تتصور ما الذي ستخسره جراء خسارة هذه الكلمة»، تقول ”صابرين سباهي“.

أما اقتصادياً فالصغير قبل الكبير، والأُمي قبل المتعلم، يدري أتَمَّ الدراية، أن العراق، يُعدّ السوق الكبير، والأولى لإيران، ورئتها الاقتصادية الرئيسة، وشريان حياتها، فأين ستذهب بضائعها إن رجحت قوة المتظاهرين، وبَنوا الدولة الجديدة كما يبتغوها؟

الجواب بسيط جداً، بحسب ”صابرين“، وهي محللة سياسية، «ستتعفن حتماً، وينتهى الاقتصاد الإيراني، كما أنها ستخسر التمويل الذي تتلقاه من الساسة الموالين لها، وحتى غير الموالين، جراءَ هيمنتها على العملية السياسية العراقية و الصفقات التي تقوم بها لبيع المناصب».

أما استراتيجياً، فالعراق هو الممر لسوريا، وبقية دول (الهلال الشيعي)، والممول الأول لسيطرة طهران على دول ذلك الهلال، لذلك ستكون خسارتها الاستراتيجية أضعاف خسائرها في العراق، فخسارتها للعراق، معناه خسارتها لتلك الدول أيضاً، وفقَ سباهي.

تركيا خاسرةٌ اقتصادياً

غير إيران، هنالك دولٌ مجاورة وإقليمية أخرى ستكون لها خساراتها غير الآتية في الحُسبان، كـَ تُركيا مثلاً، فهي ليست ببعيدة عن بغداد، تقع إلى الشمال من العراق، ولها أذرعها الاقتصادية الواسعة في العراق، وبذلك فهي لن تكون بمنأى عن الخسارة.

غير ذلك في تركيا الكثير من المتقاعدين العراقيين الذين يأخذون رواتبهم من بلدهم الأم (العراق)، لذلك لا تود تركيا (أبداً) استقرار العراق، كما يقول ”سليم العلي“، «لأن استقراره يعني عودة المتقاعدين إلى العراق، وبذلك تخسر أنقرة العملة الصعبة التي يدخلها المتقاعدين لها».

وما يؤكد كلام ”العلي“،  أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، الإحصاءات التي نشرتها الوكالات التركية، والعديد من الوسائل الإعلامية العربية، التي بيّنت أن العراق تصدّر قائمة الأجانب الأكثر شراءً للعقارات التركية، على غيره من البلدان، في آذار/ ٢٠١٨، ممّا أنعش الاقتصاد التركي كثيراً.

الأردن وميزات النفط

تعود صابرين لتُبيّن أن هنالك خاسر آخر، إضافة إلى تركيا وإيران، أَلا وهي الأُردن، «الجميع يعلم بالنفط المجاني الذي تهديه الحكومة العراقية للأردن، ولذلك لا اظن (أبداً) أن عَمّان تريد التعرض لتلك الخسارة الكبيرة».

وبالتعقيب على الأردن، فإنها ومذ حرب العراق مع الكويت عام ١٩٩١ وحتى ٢٠٠٣، تتلقى النفط العراق مجاناً أو شبه المجان، مقابل فتح سوقها لبغداد، التي اختنقت بالحصار الاقتصادي آنذاك، فلم يكن للعراق ممراً ورئةً غير الأردن.

أما اليوم، فإن العراق يزود الأردن بـ /١٠/ آلاف برميل نفط خام يوميًا من نفط كركوك، بما يشكل (7 %) من حاجة عَمّان للنفط، مع ميزة أن أسعارها تقل عن سعر النفط في السوق العالمي بـ /١٦/ دولار، حسب اتفاقية شباط/ فبراير الماضي، وبالتالي فإن التغيير، سيلغي المميزات التي تحصلها عمّان من بغداد.

أميركا الرابحة الوحيدة

أما أميركا التي جاءت بهذه الطبقة السياسية الحاكمة، فهي الدولة الرابحة في كل الأحوال، «فإن بقيَ النظام السياسي؛ فهي المتحكمة، – وإن لم تظهر ذلك – وإن رحل، وبالأخص إن كانت هي سبب رحيله، ستزيد من قواتها في العراق، وبالتالي زيادة سيطرتها وتدفع بإيران بعيدا»، كما يوضّح ”سليم العلي“.

في الأخير، هنالك خاسرين كثر، لا خاسر واحد، في حال استقر العراق، ونجحَ في التغيير، وسيطر على ثرواته، الخاسرة الأكبر هي طهران (سياسياً، واستراتيجياً، واقتصادياً)، أما غيرها فستكون خساراتها اقتصادية أكثر من أي شيء، لكن كل ذلك يبقى حبراً على ورق إن لم يتغير النظام الحالي.


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.