كيف ظلمت سوريا النساء “رسمياً” وجعلت من “سيداو” حبراً على ورق

كيف ظلمت سوريا النساء “رسمياً” وجعلت من “سيداو” حبراً على ورق

“#حقوق_المرأة هي حقوق الإنسان” وأن تتمتع المرأة بحقوقها لا يعني فقط أنها تستطيع أن تمارس حقوقها بشكل فردي، بل هو أمر يتعلق بتغيير آلية عمل البلدان والمجتمعات، وينطوي على تغيير القوانين والسياسات والتشريعات، ومناصرة المرأة في المنظمات والحركات النسائية. يشكل التمييز ضد المرأة انتهاكاً لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويُعدّ عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في بناء حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو الأسرة والمجتمع، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية.

كمحاولة منها للحفاظ على حقوق المرأة، اعتمدت منظمة الأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال #التمييز_ضد_المرأة “#سيداو” في ديسمبر/ كانون الأول 1979، ليبدأ نفاذ الاتفاقية بعد سنتين. صادقت على هذه الاتفاقية 189 دولة حول العالم من بينها سوريا التي كانت رافضة في البداية أن تصادق بحجة أن المرأة السورية لا تعاني من أي تمييز في الحقوق. ولكن لإثبات الوجه الحضاري العلماني للدولة وبسبب الضغط الدولي عليها، وافقت سوريا أخيراً على التصديق على الاتفاقية عام 2002، مع التأكيد على وجود تحفظات على بعض المواد. تعني هذه “التحفظات” استثناء تطبيق بعض المواد، مما من شأنه في الواقع استبعاد التطبيق الوطني للاتفاقية كلياً أو الانتقاص منها بشكل كبير مما يفرغ محتوى الاتفاقية من مضمونها ويلغي أي أمل ـ “#النساء_السوريات بالاستفادة من هذه الاتفاقية في تحسين أوضاعهن، خاصة على الصعيد القانوني والسياسي.

أهمية اتفاقية “سيداو”
تعتبر اتفاقية “#سيداو” بمثابة إعلان عالمي لحقوق المرأة لأنها تتمتع بشمولية في معالجة قضايا التمييز ضد النساء، وتضمن المساواة أمام القانون وتنصّ على اتخاذ التدابير الهادفة إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في مختلف الميادين القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. تتضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عدداً من الالتزامات المحددة المفروضة على الحكومات. من بينها شرط ضمان عدم انتهاك حقوق المرأة، وكذلك المصالح التجارية الخاصة بها، وضمان اتخاذ الدول الأطراف لجميع التدابير المناسبة، بما فيها سن التشريعات واتخاذ التدابير الخاصة، من أجل تمكين المرأة من التمتع بجميع حقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية.

كما تستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد باعتبارها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار النمطية للرجل و #المرأة، والعلاقات الأسرية. وتؤكد اتفاقية المرأة أيضاً على حق المرأة في اكتساب جنسيتها، ومنح الجنسية لأطفالها، أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. وتركز الاتفاقية على وقف التمييز ضد المرأة، ويقع العنف القائم على أساس جنس المرأة ضمن حدود الاتفاقية، وواجبات الدول الأطراف في هذه المعاهدة تشمل منع مثل هذا العنف، ومعاقبة مرتكبه، والتعويض عنه. كما ينص البروتوكول الاختياري التابع لهذه الاتفاقية على حق المرأة بالتظلم إلى لجنة خاصة في حال تعرضها للانتهاك في حقوقها المنصوص عليها في الاتفاقية.

المواد التي تحفظت عليها الحكومة السورية
تعتبر اتفاقية “سيداو” الأساس القانوني والعملي للقضاء على التمييز ضدّ النساء، ومن الواجب على الدول أن تعمل على تغيير تشريعاتها الوطنية فيما يتفق مع الاتفاقية إن كانت تسعى حقاً إلى تحقيق المساواة أمام القانون. ورغم تصديق سوريا على الاتفاقية إلا أنها وضعت كما ذكرنا عدداً من التحفظات على مواد هامة وأساسية فيها بما لا ينسجم مع الهدف من الاتفاقية. جاءت التحفظات على عدة مواد سنقوم هنا بذكرها وشرحها بشكل بسيط:

المادة الثانية:
تنص المادة الثانية من الاتفاقية على وجوب رفض الدول لأي ممارسة تؤدي إلى التمييز ضدّ المرأة، وعلى ضرورة اعتماد كل الوسائل للقضاء على هذا التمييز من خلال تجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الدساتير والتشريعات، واتخاذ التدابير القانونية المناسبة لوضع جزاءات في سبيل حظر كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة. وكذلك إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة من أي عمل تمييزي، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى. واتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة. كما تنص على وجوب اتخاذ التدابير المناسبة لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

ينافي التحفظ على هذه المادة جوهر الاتفاقية، ويأتي من التمييز الموجود في الدستور السوري وقوانين الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية والأعراف ضدّ النساء.

تحفظت سوريا على هذه المادة مدة خمسة عشر عاماً قبل أن تصدر مرسوماً تشريعياً عام 2017 يقضي بإلغاء هذا التحفظ “بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية”. يتيح الشرط الواجب الذي وضعه المشرع السوري “عدم معارضة الشرع” الإبقاء على التمييز ضد المرأة في الدستور والقوانين دون تغيير، بحجة أن “إنصاف المرأة يتعارض مع الشريعة الإسلامية”.

المادة التاسعة:
تنص هذه المادة على أن الدول الأطراف تمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها، وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي أن تتغيير جنسية الزوجة أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض عليها جنسية زوجها. كما أن للمرأة الحق كالرجل بمنح جنسيتها لأطفالها.

جاء تحفظ #سوريا على هذه المادة في جملتها الأخيرة فقط المتعلقة بإعطاء جنسية الأم لأبنائها والحجة أنها تتعارض مع قانون الجنسية الذي يمنع المرأة السورية من هذا الحق، رغم أن المواطنة حق أساسي يجب أن يتمتع به الرجل والمرأة على حد سواء.

المادة الخامسة عشر (الفقرة الرابعة):
تمنح هذه المادة الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم. وجاء تحفظ سوريا عليها ليؤكد على حرمان المرأة من الحق بحرية التنقّل أو السكن بحجة حمايتها من أي أذى، وعلى أنها يجب أن تبقى تحت كنف معيلها الرجل، حتى وإن كان هو من يسبب لها هذا الأذى.

المادة السادسة عشر:
ينص على وجوب اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وتضمن بوجه خاص، على أساس تساوي الرجل والمرأة نفس الحق في عقد الزواج، وفي حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا بالرضا الحر الكامل، وتمنح نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. وتتضمن أحكاماً تتعلق بالمسؤوليات والحقوق فيما يخص الأطفال، وتعطي نفس الحقوق الشخصية للرجل والمرأة كالحق في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة، وفي الحقوق الخاصة بالملكية والإشراف عليها، والتمتع بها، والتصرف فيها. كما تنص هذه المادة على وجوب تحديد سن أدنى للزواج وتسجيله رسمياً وبشكل إلزامي التطبيق.

ورغم أهمية هذه المادة في حماية المرأة من الزواج المبكر، الاغتصاب في كنف الزوجية، تعدد الزوجات، حرمان المرأة من الوصاية على أطفالها، والحرية بإنهاء الزواج، فقد تحفظت سوريا على معظم بنود هذه المادة، لتؤكد لنساء الوطن أنها دولة ذكورية لا تريد لهن أي مساواة في العلاقة الأسرية والزوجية ولتبقى يد الرجل هي العليا وإرادته هي المتحكمة في مصيرهن باسم الشريعة الإسلامية، وهذه مجرد ذريعة للدولة كي لا تنفذ الالتزامات التي تفرض عليها بمقتضى المعايير الدولية.

المادة التاسعة والعشرون:
تتعلق هذه المادة بعرض أي خلاف ينشأ بين دولتين فيما يتعلق بهذه الاتفاقية للتحكيم، ومن ثم يمكن إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للنظر فيه. وقد تحفظت عليه أيضاً الدولة السورية.

مجلس الشعب لا يمثل نساءه
في محاولة من الحكومة السورية لإثبات أن التحفظات ليست قراراً تعسفياً وإنما هو انعكاس لإرادة المواطنين “والمواطنات” متمثلين بنوابهم في مجلس الشعب، فقد عقد البرلمان جلسة عام 2008 لدراسة ما إذا كان الشعب يريد تغيير أي شيء من الواقع المفروض حول هذه الاتفاقية، ليؤكد رئيس المجلس على التمسك بالتحفظات كما هي، وعلى عدم حاجة المرأة لأي تغيير، وبالتالي لا حاجة لتعديل أي قوانين أو تشريعات موجودة حالياً. كان قرار المجلس “بإجماع الأعضاء” بما فيهم إحدى وثلاثين نائبة لم تكن لديهن الجرأة والكياسة اللازمتين للمطالبة باستبدال المواد الغير عادلة تجاه النساء السوريات.

حبر على ورق
في النهاية لا بد من الذكر أن أي تحفظ على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة بعد بحد ذاته تمييزاً ضدها. وهو يتعارض مع الدستور السوري الذي ينص في مادته 33 على ضمان التساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو أي سبب آخر، والمادة 23 التي تشير إلى تشجيع الدولة لمساهمة المرأة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولكن يبقى هذا كله مجرد كلام نظري بعيد عن التطبيق حتى بعد أربعين عاماً على اعتماد العالم للاتفاقية الأهم فيما يتعلق بحماية المرأة من كل أشكال التمييز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.