عانت المرأة في سوريا منذ سنوات طويلة، مصادرة مستمرة لحقوقها، فالبنية المجتمعية القائمة ترتكز على مجموعة ضوابط وقواعد فرضت اقتصاد وجود النساء ضمن وظائف محددة ومعروفة، “المنزل، الإنجاب”. من المؤكد أن هذه الضوابط تختلف بين منطقة وأخرى، بين ريف ومدينة، لا من حيث المضمون، وإنما الممارسة، فتصبح أكثر تزمتاً في أماكن وأكثر سهولة للكسر والتغيير في أماكن أخرى، ولكنَّ كل ذلك بنسب ضئيلة ومحددة، فالغالبية العظمى من النساء وحتى ممن يعتبرن أنفسهن أكثر حرية وانفتاحاً تابعات بشكل أو بآخر لحكم المجتمع والأسرة وتقاليدها.

ثمة تغيير مهم رافق الحراك الثوري داخل سوريا في السنوات الأخيرة، إمكانية الحديث عن #الحريات، والمطالبة بالحقوق وتبع ذلك تغيير جوهري على مستوى الحديث المتداول، والأفكار المطروحة بين أفراد الشعب، من حالة صمت امتدت لسنوات طويلة، إلى البحث العلني عن مجموعة المعيقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تقف بوجه هذا الشعب وتمنع كل فرد فيه عن ممارسة ذاته بحرية، وكان لحقوق المرأة نصيب من هذا التغير والحديث عنها ضمن إطار أكثر اتساعاً، إلا أن انحراف مسار الثورة من مطالبة بالحقوق والحريات إلى صراع مسلح، أدى إلى تغيّر في سُلَّم الأولويات والأفكار المطروحة، وأصبح من الواضح أن ما هو مُلحٌّ وضروري الآن هو حق الحياة، والدفاع عن النفس أمام القمع والقتل الممنهج، وأسقطت من القائمة الكثير من الأشياء التي لا تعتبر ملحة بنفس الدرجة والقوة.

الخطاب النسوي
ظهرت في السنوات الثماني الأخيرة العديد من #المنظمات_النسوية المعنية بالمطالبة بحقوق #المرأة، أسستها بعض الناشطات والناشطين المؤمنين بأن المرأة جزءاً مهماً وضرورياً لنيل الحريات الكاملة، وبأهمية وجودها وفاعليتها ضمن المجتمع السوري، اهتمت هذه المنظمات بتوجيه خطاب للنساء في سوريا لتوعيتهن، يرتكز هذا الخطاب على مجموعة من البنود تشمل رفض التمييز على أساس النوع الاجتماعي، والمطالبة بتغيير القوانين التي تخص المرأة، كقوانين الأحوال الشخصية والعمل والعديد من النقاط الأخرى التي تسعى لتمكين المرأة وتنبيهها لدورها وقدراتها التي اعتادت على تجاهلها بسبب الضغوط الاجتماعية والنظام الأبوي.

تكاثرت هذه الخطابات النسوية، إلا أنها لم تحدث تغييراً حقيقياً لواقع المرأة في سوريا، وهذا يتطلب منا الوقوف على الأسباب، حيث يمكننا القول إن محتوى هذا الخطاب بعيد جداً عن واقع #النساء في سوريا، وربما لا يلامس أوجاعهن الحقيقية، فلبناء خطاب متكامل وحقيقي ينبغي دراسة جذور المشكلة، والمتمثلة هنا بوضع المرأة في مجتمعنا كتابع، أو كأداة خاضعة بشكل كامل للسلطة سواء كانت سلطة الأسرة أو السلطة سياسية أو الدينية أو غيرها، فالمرأة في سوريا خضعت عبر تاريخ طويل لمجموعة من النواهي، من قبل هذه السلطات، ومورس عليها قمعٌ من نوع خاص قابله خضوع منها في معظم الأحيان، ولابد لهذا أن ينعكس ضمن بنيتها النفسية ويصبح صفة ليست أصيلة ولكنها مترسخة بعمق في ممارسات المرأة لأفعالها، وأضافت الحرب لهذه الممارسات تأثيرا جديداُ متمثلاً بخوف المرأة على حياتها وانشغالها بإيجاد الوسائل التي تحافظ بها على عائلتها ونفسها، وتحول هذا الخوف بعد انحسار الصراع المسلح إلى محاولة لمواجهة التأثير الاقتصادي الذي نتج عن الحرب.

معظم النساء في سوريا الآن سواء كن نازحات أو مهجرات، فاقدات لأزواجهن وأطفالهن أو كن نساء لم تؤثر الحرب على حياتهن الشخصية بشكل مباشر، جميعهن لسن معنيات بحقوق المرأة وتحصيلها، ومنشغلات بمحاولات للحصول على الحد الأدنى من شروط الحياة من مسكن وملبس وطعام، كيف لهؤلاء النسوة اللواتي يكافحن فقط استجابةً لغريزة البقاء والحفاظ على حياتهن لسنوات أخرى، أن تشكل #حقوق_المرأة والمحاربة من أجلها هاجساً أو هدفاً، وخاصة أن بعضهن ليس لديهن الوعي الكافي لإدراك أن حقوقهن مستلبة كنساء، وإنما يمتلكون قناعةً تامةً بأن هذا ما خلقت النساء لأجله، هدف وحيد وواضح، أن يكرسن حياتهن لأزواجهن وأطفالهن وأن وجودهن في الحيز الاجتماعي هو انعكاس لحياتهن في المنزل، فهن تابعات للرجل، ولا يكترثن بحضورهن الاجتماعي والمهني وبعضهن يستمتعن بهذه التبعية.

من الضروري بالطبع استمرار المنظمات النسوية بعملها في توعية النساء لحقوقهن، ولكنْ ضمن ظروف معيشية كالتي تعيشها النساء في سوريا، فالتمكين الاقتصادي هو الأهم، لأن المرأة المستقلة اقتصادياً أكثر قدرة على الخروج من التنميط الذي تعاني منه النساء، ولابد أن تسير جنباً إلى جنب مع هذا التمكين قوانين تحفظ حقوق النساء و تفكك النظام المجتمعي القائم على قمعهن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.