يبدو أن لا عودة أميركية لسياسة ضبط النفس التي انتهجها الرئيس السابق #باراك_أوباما، فخَلَفَه #دونالد_ترامب بات يعاقب مخالفيه في الداخل بالطرد، وخصومه في الخارج بنعتهم بصفات غير متداولة في القاموس الدبلوماسي، أما بالنسبة لأعدائه فإنه لا يتوانى عن قصفهم دون أن يراعي أية اعتبارات متعلقة بردات فعلهم.

ولعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي من أكثر دول العالم التي باتت تئن تحت وطأة سياسات سيد #البيت_الأبيض، فبعد سنوات عسل أوباما، استيقظت #إيران على انسحاب #الولايات_المتحدة من الاتفاق النووي الموقع في نيسان/ أبريل من العام 2015، وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها، والضغط على الدول التي عادة ما تساعد #طهران على التملص من العقوبات الدولية.

ليس هذا وحسب، بل زادت من ضغطها على الفصائل الموالية لإيران، والتي تقاتل في #سوريا لصالح #الحكومة_السورية، ووصل بها إلى حد قصف مقرات بعض تلك الفصائل، خصوصاً تلك التي تنشط بالقرب من منطقة النفوذ الأميركية في شرق الفرات، وكذلك في مدينة #التنف الواقعة على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني.

بل وزادت #إسرائيل من غاراتها على المواقع الإيرانية في سوريا (منذ وصول ترامب لسدة الحكم عام 2017) وهي بالضرورة منسقة بشكل كامل مع الإدارة الأميركية، وجزء من مخطط #واشنطن لتقويض النفوذ الإيراني المتنامي في كل من #العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث قتلت عدد كبير من رجالات طهران في سوريا.

العقاب الأميركي الأقسى لطهران كان في مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، حين اغتالت، بغارة جوية لطائرة مسيرة، قائد فيلق القدس الإيراني #قاسم_سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة #الحشد_الشعبي إلى جانب عدد من رفاقهما قرب #مطار_بغداد، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران التي ردت بإطلاق صواريخ باليستية على قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية. ولم يسفر الهجوم ذاك عن مقتل أي جندي، ولكن تم تشخيص أكثر من مئة شخص في وقت لاحق بارتجاج في المخ.

كما مرر #البرلمان_العراقي بعد مقتل سليماني، مشروع قانون يطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد (في إشارة إلى الوجود الأمريكي البالغ عدده 5000 جندي) وتنفيذاً لتهديدات مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية #علي_خامنئي بإخراج واشنطن من المنطقة.


واستكمالاً للقرار الإيراني ذاك، هاجمت فصائل موالية لطهران قاعدة التاجي العسكرية العراقية التي تأوي جنوداً أميركيين شمالي بغداد، بعشرة صواريخ كاتيوشا، ما أدى لمقتل جندي أميركي وبريطاني واحد، بالإضافة لمتعاقد أميركي وإصابة 12 آخرين.


الأمر الذي استدعى رداً أميركياً سريعاً عبر غارات جوية على مناطق عدة في العراق، مستهدفة معسكرات كتائب حزب الله العراقي، والذي ينضوي تحت لواء الحشد الشعبي العراقي، كما شنت هجمات على ريف مدينة دير الزور شرقي سوريا أسفرت عن مقتل 26 من “الكتائب”، الهجمات الأميركية تستهدف مدناً بعينها في الداخل السوري، وهي التي تدار بشكل مباشر من قبل #الحرس_الثوري الإيراني، بمساندة فصائل “حزب الله” وحركة النجباء” ولواء “فاطميون” وغيرها، ولا وجود للجيش السوري إلا بشكل رمزي، كما في حالة مدينة #البوكمال على الحدود السورية العراقية والتي كانت هدفاً لعديد الغارات الأميركية في السنوات القليلة الماضية.

من الواضح أن كتائب #حزب_الله العراقي كانت منتشيةً بإقرار الكونغرس الأميركي قبل ساعات من هجوم معسكر التاجي، الحد من صلاحيات الرئيس ترامب بشن حرب على إيران، وكان يراهن على أن الأزمات الاقتصادية وتفاقم قضية وباء الكورونا في دول العالم عامة، وإيران بشكل خاص ستمنع تدخل الولايات المتحدة في حرب مع طهران، على الأقل في هذا الوقت، وأن هجماتها يكمن أن تساهم في رفع رصيده الشعبي في الداخل العراقي.


بالإضافة إلى احتمالية رغبة الفصائل الموالية لطهران لتقديم هدية لـ “سليماني” في ذكرى عيد مولده”، في الحادي عشر من آذار/ مارس، لكنها لم تحسن الحساب، فواشنطن اليوم لا تشبه سابقاتها، وما كان بالإمكان تمريره في وقت سابق، أصبح أمراً أشبه بالمستحيل حالياً.

في مطلق الأحوال فإن الرد الأميركي قد رسم معالم خطوط اشتباك جديدة في المنطقة، فلا حصانة لقائد في قادم الأيام، ولا تساهل مع أحد ممن يهاجم قواعد أميركية، لا بل فإن عقاب واشنطن يندرج في إطار سياسة كسر شوكة إيران في المنطقة، ومحاولة إبعادها عن استخدام فصائل طائفية لإثارة القلاقل في عدة دول، وكف يدها عن التدخل في شؤون دول المنطقة.

الرد الإيراني لن يكون كما يريده أنصاره وحلفائه في المنطقة، لكن الأكيد أنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما تتعرض لها هي وحلفائها، وهي التي تتواجد في العراق عبر وكلائها من الفصائل العسكرية، بالإضافة لفصائل موالية لها تقاتل في سوريا، وكذلك حزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله في اليمن.

في الشأن السوري: تصر الولايات المتحدة على مبدأ خروج كافة القوى الأجنبية من سوريا، باستثناء الوجود الروسي المدعوم رسمياً من الحكومة السورية، مقابل إعادة تعويم الحكومة السورية، وفتح صفحة جديدة في التعامل معها، بعد سنوات من القطيعة، والمساهمة في إعادة الإعمار.

أما في العراق فإن المطلوب أميركياً هو كف يد هذه الفصائل عن التدخل في مسار العملية السياسية، وحل كل فصيل غير مندمج مع منظمة الجيش العراقي، وصولاً إلى عملية سياسية لا تكون للقوى الموالية لطهران، اليد الطولى في رسم مستقبل العراق، وإلى أن تصل لهذه الغاية فإن التوتر سيبقى مستمراً في المنطقة، دون أن يكون هناك بوادر حل يلوح في الأفق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة