في تقرير لموقع “المونيتور” نُشرَ أمس الثلاثاء، سلّطَ فيه الضوء على عمليات هدم وتدمير المباني التاريخية، التراثية ذات القيمة الجماليّة في #بغداد، كشف عن نقطة مهمة تلفت الانتباه.

النقطة التي لفتَت النظَر نحوها، هو صحيحً أن عمليات تدمير التراث البغدادي بدأت منذ سنوات عديدة وبطرق مُمنهجَة، لكن ما يلفت النظر هو استغلال الاحتجاجات في هذا الأمر أيضاً.

يقول تقرير “المونيتور”، إن «العديد من أصحاب المباني، استفادوا من الاحتجاجات التي تجري في بغداد منذ أكتوبر 2019، لإشعال النار في المباني التراثية العتيقَة».

وتفسير ذلك بحسب “المونيتور”، هو استغلال المباني بعد حرقها من قبل المستثمرين، الذين هُم غالباً يتبعون لأحزاب سياسية مختلفة، تقوم باستثمارها عبر تحويلها لمولات ومحلاّت تجارية تدر عليهم بالربح الوفير.

بالعودة لبداية التقرير، فإن “المونيتور” بدأ تقريره بالحديث عن “خان مرجان” المبنى العَتيق، الواقع في بغداد القديمة من جانب #الرصافة، حيث بناه “أمين الدين مرجان الخاني” عام 1358 للميلاد.

«استخدم الخان لأغراض عديدة في عمره الطويل. في البداية كان بمثابة نزل للمسافرين. هذا المثال الرائع للهندسة المعمارية في القرن الرابع عشر، يتكون من غرف كبيرة ذات أسقف عالية في طابقين حول فناء مرصوف مغلق».

«تم تحويل المبنى لأول مرة إلى متحف في عام 1935، ثم تم إغلاقه. في عام 2003، أعيد فتحه كمطعم فاخر، مع عزف للموسيقى التقليدية»، يبيّن الموقع الأميركي.

«هذا التراث التاريخي الثمين بعيد كل البعد عن الحفاظ عليه جيداً. كانت ممرّاته الجنوبية مليئة بمياه الصرف الصحي لشهور في الآونة الأخيرة، حتى قامت السلطات المحلية في النهاية بإصلاح أنبوب مكسور».

هذا الإجراء الذي قامت به البلديّة هو بسيط وضعيفٌ للغاية، بحسب “المونيتور”، لأن «نظام المياه والصرف الصحي بأكمله يحتاج إلى إصلاح شامل؛ لمنع حدوث نفس الشيء مرة أخرى».

«ثمّة العديد من المباني القديمة في العاصمة العراقية تتداعى، (…) وقد ترك البعض بالفعل للانهيار حتى تستخدم الأرض لبناء المباني الحديثة»، بحسب كاتب التقرير “علي عبد الهادي المعموري”.

«تم هدم منزل أول وزير مالية عراقي، اليهودي “ساسون حسقيل”، في بغداد في أغسطس 2016، وطرحته بلدية بغداد لبناء جديد، (…) ولكن لم يتم فعل أي شيء على الأرض حتى الآن».

صورة نادرة لمنزل “ساسون حسقيل” – فيسبوك

ويقول التقرير، «كذلك هدم منزل رئيس الوزراء الأسبق في الحقبة الملكيّة  “ياسين الهاشمي”، الذي وصفه المهندس المعماري والأكاديمي العراقي “خالد السلطاني” بأنه من أهم سمات الحداثة في العراق».

«حدثَ ذلك الهدم، لهذا المنزل ذو الصبغة الجماليّة الأخّاذَة، دون أي اعتراضات من الهيئة العامة للآثار والتراث (…)، والتي يتمثل دورها بدقة، في حماية هذا النوع من التراث المعماري».

الأمر لم يقف عند هذا الحد وكَفى، بل “كنيسة السريان الكاثوليك” في #الشورجة، هي الأخرى نالَت ما نالَت، «أغلقت أبوابها في عام 2017 بسبب عدم الحضور، تم هدمها وسيتم استبدالها بالتنمية التجارية».

«أصبحت بعض المباني التاريخية التي فلتَت من الانهيار قبيحَة لعينَي الناظر، على الرغم من مجموعة القوانين والتعليمات التي تنظِم ترميمها إلى الأصل. تم إصلاح العديد منها ببساطة باستخدام ألواح خرسانية غريبة».

«إن التراث المعماري العراقي مقسم إلى قسمين: منازل قديمة بنيت في الطراز التقليدي، والهندسة المعمارية الأكثر حداثة التي بدأت في عشرينيات القرن الماضي»، يقول المهندس المعماري “محمد الچلبي”.

منزل “ياسين الهاشمي” قبل هدمه – فيسبوك

وأوضح، وهو أكاديمي في الهندسة المعمارية في #جامعة_بغداد، أنه «لم يبق سوى عدد قليل جداً من المجموعة الأولى، وهي القصور التي يستخدمها الحكام التقليديون، ومن المرجح أن تنهار تلك التي بقيت بسبب الإهمال».

ويُشير لـ “المونيتور”، إلى أنه «لا يزال من الممكن إنقاذ المجموعة الثانية من مباني القرن العشرين، إذا كان بوسع الدولة تحمل مسؤولية الحفاظ عليها وترميمها، عبر توفير حوافز مالية لأصحابها إذا لزم الأمر».

«ثمّة مجموعة من القوانين تُنظّم الحفاظ على المباني التراثية وتجديدها، ولعل أهمّها قانون الآثار والتراث رقم 55 لسنة 2002، (…)، والذي يهدف إلى حماية الآثار التاريخية من الاندثار».

«بالإضافة إلى ذلك، لدى بلدية بغداد لوائحها الخاصة لضمان حماية النسيج الحضري للمدينة، وحماية الآثار والمناطق المصنفة كمواقع تراثية»، يقول مُعد التقرير “علي عبد الهادي”.

«لكن القوانين على الورق فقط، ودعوات السياسيين لا تفعل الكثير لتغيير الوضع على أرض الواقع. وأبرز مثال على ذلك  #شارع_الرشيد، شريان بغداد الثقافي والتجاري، الذي أعلن أنه منطقة محمية في 14 فبراير».

يُضيف التقرير، أنه «تم استبدال العديد من مباني شارع الرشيد في أوائل القرن العشرين بأخرى جديدة، والبعض الآخر المتبقي ينهار أو انهارَ بالفعل، دون أي اهتمام من الجهات المعنية».

ويأخذ “المونيتور”، “سينما الزوراء” في “شارع الرشيد” مثال على ذلك، «منذ سنوات ولم يتم إجراء أي صيانة لها. تضررت واجهة المبنى مؤخرًا بسبب الاشتباك بين المتظاهرين وقوات الأمن».

صورة قديمة لـ “سينما الزوراء” – إنترنت

ويلفت التقرير، أنه «أي مبنى ينهار، فإن مديري العقارات – خاصة أولئك المدعومين من الأحزاب السياسية المؤثرة – يمكنهم العثور على طريقة للاستيلاء على المباني القديمة، وإنشاء مباني جديدة في مكانها».

«في كثير من الأحيان، يتم تجاوز البلدية والهيئة العامة للآثار والتراث عندما تأذن مكاتب الأوقاف – التي ترتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء ولها السلطة القضائية على المواقع الدينية – بهدم المواقع، وبهذا الطريق تستفاد الأحزاب».

وفقاً لـ “المونيتور”، فإن «#القضاء_العراقي يحاول وقف العديد من عمليات التخريب في إطار قوانين حماية الآثار والتراث، لكنه غالباً ما يترك الأمور بعد ذلك، بالتالي لن يكون هناك ما يمكن فعله لإنقاذ هذه المباني».

وبحسب مصدر في “دائرة بلدية بغداد” تحدّث لـ “المونيتور”، فإن «الأوقاف السنيّة هدّمَت مبنى “المحكمة الشرعية” في #شارع_النهر في عام 2010، بإشعال النار عمداً في المبنى».

«كانت المحكمة نصباً تاريخياً مهماً، تم بناؤه منذ أكثر من 200 عام من قبل “عادلة خاتون”، وهي امرأة ثرية بنَت العديد من المساجد وعدداً كبيراً من الأوقاف»

«تم هدم المحكمة وتحويلها إلى متاجر تجارية، ويُترك ما يُدَلّلُ عليها سوى غرفة يتيمَة فقط مع قبر “الخاتون”، كبقايا لماضي المبنى المُعَتّق، ذو الطراز الرفيع»، كما يقول التقرير.

يعود المهندس “الچلَبي”، ويقول: إن «النقص في المهندسين المعماريين الذين يمكنهم القيام بعمليات ترميم  وتجديد المباني القديمة، هي إحدى الصعوبات التي تقف عائقاً أمام ذلك الأمر».

مُقترحاً، أن «يكون هناك برنامج معماري خاص أو كليّة لترميم المباني المختارة والحفاظ عليها. ستجتذب هذه المدرسة المتخصصة نخبة من الباحثين لدراسة هذه المباني».

«ومن ثم تطوير دليل شامل، سيمكّن من استعادة التراث بتصميمات وأغراض حديثة، (…)، لا تبتعد عن ثيمة المباني الأصليّة، قدرَ ما تُجمّلها وفق الحداثة المطلوبة، التي تحافظ على أصالة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.