لا أراجيح ولا ضحكات أطفال، ولا حتى ملابس جديدة أو حلويات، هذا العيد مختلف ويتميز بمراراته، كل من التقاهم (الحل نت) يشتكون، ولكل منهم همومه التي تضاعفت أكثر من تضاعف سعر الدولار، تفكيرهم يدور بتأمين الطعام اليومي، والعيد بالنسبة إليهم «بات كارثة» ساعد كورونا بتلافي بعض طقوسه علماً أنه من زاد من فقرهم.

على مدار 10 أيام سبقت عيد الفطر، رصد (الحل نت) الأسواق وتحضيرات السوريين للعيد وكيف يستعدون له في ظل الغلاء الفاحش الذي يضرب الأسواق بحسب البعض.

في سوق الشيخ “محي الدين” بحي #ركن_الدين، الازدحام كان كبيراً، لكن وبحسب البائعين، فإن البيع بأدنى حالاته، يقول “عصام” 21 عاماً وهو يعمل في محل سبورات رجالي: «سوق الشيخ محي الدين يعتبر نوعاً ما سوقاً شعبياً، والبضاعة التي نعرضها هنا هي من أرخص البضائع مقارنة مع أسعار البضائع في أسواق مثل #الصالحية #الجسر_الأبيض #الشعلان».

وتابع: «رغم ذلك، فإن البيع بأدنى حالاته ولا تكاد تغطي النفقات، والمشكلة الأساسية هي بالأسعار التي لا نستطيع التحكم بها، فعلى الرغم من تخفيضنا هامش الربح من 15 – 20% ببعض القطع، إلا أنها لا تزال لا تناسب محدودي الدخل والمياومين وأغلب الشرائح فأرخص بنطال بـ8500 ليرة، وأرخص كنزة بـ5000، وأرخص حذاء وطني بـ7000، مجموع القطع بأدنى الأسعار يساوي نصف راتب موظف لشخص واحد، فكيف ستعيش البشر؟».

“نزار” متزوج حديثاً، يبلغ من العمر 27 عاماً، ويعمل بالجبسن بورد، قال: «أتقاضى أجراً يصل إلى 40 ألف ليرة سورية في الأسبوع، أي نحو 160 ألف في الشهر، وهي لا تكفي للطعام والشراب والمواصلات وثمن علب السجائر، فكيف لي أن اشتري لزوجتي قطعة ملابس جديدة؟».

وتابع  لـ (الحل نت): «تفاهمنا بأن المرحلة الحالية حرجة وطالما الأوضاع بهذا الشكل نحن مضطرون للاستغناء عن كثير من مظاهر العيد، كشراء الملابس الجديدة وشراء الحلوى، أو حتى صنعها في المنزل، وسنقوم فقط بشراء الموالح الرخيصة، مع القهوة المرة سريعة التحضير، أو بعض البوظة فقط».

«لن أزور أحد..!»

الكارثة عند أسرة “أبو ربيع الدوماني” كما فضل التعريف عن نفسه، الذي قال: «لم أستطع العودة إلى دوما، منزلي مهدم، والحياة هناك ليست بمستوى البشر من ناحية الماء والكهرباء، وعليه لا أزال نازحاً حتى إشعار آخر، وهذه مصيبة، أجرة المنزل وحدها 90 ألف ليرة سورية، وإنفاقنا اليومي للطعام والشراب نحو 10 آلاف ليرة سورية، دون أي نفقات على الملابس أو الصيانات الطارئة أو أدوية وأطباء، وبالتالي يجب أن يكون مدخولي الشهري نصف مليون ليرة لأستطيع التنفس قليلاً فقط».

وتابع غاضباً: «لدي 3 أطفال، وأنا أعمل صباحاً على التكسي، وليلاً أعمل بالخفاء في طلاء المنازل وقت الحظر، وبالكاد أستطيع تحقيق 400 ألف ليرة شهرياً، وفي بعض الأشهر لا أستطيع جنيها، وهكذا أنا غير قادر هذا العام على شراء أي من مستلزمات العيد نهائياً، لا ملابس ولا حلويات ولا قهوة مرة حتى، ويفضل ألا يزورنا أحد لأنني لن أزور أحد، وسأعمل في العيد لأجني المال كي نعيش».

يتقاطع من التقاهم (الحل نت) بأن أزمة #كورونا فرضت نفسها لتزيد الخناق عليهم اقتصادياً، لكن حظر التجوال المسائي في العيد وعدم وجود ساحات للعب الأطفال، ساعدهم نوعاً ما بالتخلي عن الكثير من مستلزمات العيد كملابس جديدة أو ضيافة، ومنهم من ألغاها نهائياً لتوقعهم انخفاض الزيارات بسبب الخوف من كورونا إضافة إلى صعوبة التنقل ظهراً في الجو الحار ساعات السماح بالتجول، إضافة إلى أن الجميع يعانون من الوضع الاقتصادي السيء.

«لا زكاة فطر ولا سكبة»

السوريون بدؤوا تدريجياً خلال سنوات الحرب بالتخلي عن كثير من مظاهر العيد نتيجة الوضع الاقتصادي السيء، أولها كان إلغاء ما يعرف بالعيدية للأطفال، إضافة للتوجه إلى صناعة الحلوى في المنزل بدلاً من شرائها جاهزة لخفض التكاليف حتى وصلت حد إلغائها هذا العيد، ومنهم من اتجه سابقاً لشراء الملابس من الأسواق الشعبية وحتى البسطات، بينما لغوا الفكرة تماماً هذه المرة.

وبحسب مواطنين التقاهم (الحل نت)، فإن الكثير من العائلات لم تستطع إخراج زكاة الفطر (الفطرة) المحددة بـ1500 ليرة سورية على الشخص، وفي رمضان لم يستطيعوا تبادل أطباق الطعام فيما بينهم كي لا يعلم الجوار نوعية الطعام المتدني الذي يتناولونه.

ووفقاً لما رصده (الحل نت)، فإن هناك فئة قليلة جداً تستطيع شراء مستلزمات العيد، وهم غالباً العائلات التي جاءتها مساعدات بالعملة الصعبة خاصة بالعيد من أبنائهم خارج سورية، إضافة إلى شريحة التجار، والمستفيدين من مفاصل الحكومة.

عدا ذلك هناك شريحة كبيرة خرجت عن القدرة الشرائية علماً أنها كانت ذات ملاءة مالية، مثل أصحاب المطاعم والإداريون فيها والعاملون في النوادي الرياضية وأصحاب الشاليهات ومستثمروا الشواطئ، إضافة إلى مستثمري صالات ألعاب الأطفال، ومستثمروا الألعاب في ساحات الأعياد، حتى أطباء الأسنان وغيرها من القطاعات التي تأثرت بشدة بسبب إجراءات كورونا.

«عن أي عيدٍ تتحدّثون؟»

هو أصعب عيدٍ يمر على السوريين اقتصادياً ومعنوياً، فلا صلاة عيد ولا ساحات ألعاب، ولا ملابس جديدة ولا حلويات، «العالم ماتت من الجوع» تقول “بيسان” أرملة ولديها طفلان تعيش في #جرمانا، وتابعت «لم يمر علي مثل هذا العيد، لم يصلني ولا مبلغ بسيط من أهل الخير كما كل عام، وما أجنيه شهرياً من عملي في إحدى ورشات الحقائب، لا يغطي نفقات طعامنا وأجرة المنزل».

“أم عناد” فقدت زوجها وابنيها في الحرب، ولم يتبق لها سوى شاب في السنة الأولى بكلية الأدب العربي كان يعمل في مطعم بـ #باب_توما قبل إغلاقه بسبب كورونا، قالت ودموعها تكاد تنهمر: «ياريتنا متنا بشي قذيفة»، وتابعت لـ (الحل نت): «الموت في لحظة واحدة  أفضل وأكثر راحة من الموت اليومي لتأمين لقمة العيش، والذل الذي نعيشه. فعن أي عيد تتحدثون؟».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.