أعلن كل من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ووزير الخزانة، ستيفن منوشين، في شباط/ فبراير الماضي، حزمة جديدة من العقوبات على إيران، تطال قطاعات إنتاج رئيسية وفي مقدمتها قطاع المنتجات الفولاذية، إلى جانب حزمة من الأسماء الأمنية والعسكرية؛ لتزيد واشنطن من حدة  المعارك الاقتصادية التي بدأتها منذ تولي إدارة ترامب البيت الأبيض.

يتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة بخصوص هذه الحرب، منها:  هل لهذه العقوبات جدوى فعلياً؟ وهل  يقتصر أثر هذه العقوبات على اقتصاد إيران وحدها؟  وفي حال أخذنا بمقولة أن الاقتصاد الإيراني مازال صامداً كما يبدو، هل فعلاً مازال صامداُ؟.

الاقتصاد الإيراني لا يقتصر على دولة إيران، فخلال 15 عاماً الماضية، تشابك الاقتصاد الإيراني مع اقتصادات دول ودويلات وأحزاب متعددة، ولا يقتصر ذلك على لبنان وسوريا والعراق فقط، بل يمتد إلى العلاقات الاقتصادية وشبكات التمويل في أفريقيا وأميركا الجنوبية.

شبكة الاقتصاد الموازي الإيراني، ذات دورة مالية معقّدة تمتد على جغرافيا العالم، وهذه الشبكة كانت الأداة الأهم في صناعة كيانات ما فوق الدولة Non-State actor في عدد كبير من دول الشرق الأوسط، وماكينة غسيل أموال مهمة عملت على تمويل وتقوية كيانات كثيرة منها  حزب الله، حركة حماس، الحوثي وغيرها الكثير من المجموعات والكيانات المرتبطة بشكلٍ مباشر بالحرس الثوري الإيراني ونظام الملالي.

وإن تبيّن أن إيران استطاعت رغم العقوبات المفروضة على اقتصادها، أن تحافظ على توازن تجاري إيجابي عام ٢٠١٨، وحتى في النصف الأول من عام ٢٠١٩، لكن هذا التوازن لم يُعطي إيران مجالاً لادخار قطع أجنبي، وإن كان الانهيار الاقتصادي ليس قريباً بعد، لكن أذرع إيران باتت الآن في وجه المدفع وعلى شفا الغرق المالي هذا إذا لم يكن قد غرق وانتهى.

انهيار الاقتصاد في كل من لبنان وسوريا، هو إحدى تداعيات العقوبات الأميركية على إيران،  فارتباط الدولتين بـ طهران، اقتصادياً وسياسياً وسيطرة الشبكة المالية والاقتصادية الموالية لإيران على مدى ١٤ عام على الاقتصاد في البلدين والابتعاد السياسي والاقتصادي عما كان يعتبر داعمين ماليين واقتصاديين أساسيين “دول الخليج، أوروبا”؛ كل ذلك أدى إلى التحام مالي مصيري بين هذا الثلاثي.

وإن كان العراق، على أهميته،  استطاع تفادي الانهيار بدعم سياسي وعسكري ومالي دولي وعربي على أنه خط الجبهة الأول في مواجهة نظام الملالي، إلا أن سوريا ولبنان على ضعف مواردها الاقتصادية إساساً والحرب العسكرية الطويلة و المناكفات السياسية الصبيانية ضد المحور العربي والأوروبي، لم يكن أمامهما إلا الانهيار، وليكونوا الحلقة الأضعف والأسرع كسراً في سلسلة إيران الدولية.

منذ أن أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض العقوبات الاقتصادية على إيران نوفمبر ٢٠١٨ والتي شملت الصادرات النفطية، بات من الصعب على إيران دعم الدولة السورية بالطاقة، فالعقوبات شملت أي حامل للنفط الإيراني، ما حذا بطهران إن أرادت دعم الأسد أن تُحوّل الدعم إلى خط ائتماني مالي بدل النفطي، وهو ما فشلت فيه لاحقاً عندما فرضت واشنطن عقوبات على المصارف اللبنانية المتعاملة مع أي من أفراد حزب الله الذي يعتبر هو خط الائتمان الأساسي بين نظام دمشق ونظام طهران.

ثغرات العقوبات الأميركية، خصوصاً في مجال التجارة، تم سدها من خلال شل الحركة الاقتصادية والمالية للأفرع الإيرانية، في لبنان، فنزويلا وأفريقيا، كما أن قرار بعض الدول الأوروبية على رأسها ألمانيا التعامل مع مؤسسات حزب الله بصيغة مختلفة، قلّص من إمكانية استخدام إيران شبكات الصرافة التي اعتمد عليها بديل الشبكات المصرفية، ما كانت تداعياته واضحة ومباشرة وخلال أيام قليلة على لبنان وسوريا.

تخلّت إيران مرغمةً أو ضحّت راغبة باقتصاد حزب الله والنظام السوري، وهو ما يعتبر تراجعاً تكتيكاً للحفاظ على الحد الأدنى من الاقتصاد الإيراني، لكن مع الأيام، وإذا ما استمر نظام المحاصرة المفروض من الغرب، لن يكون أمام الدولتين سوريا ولبنان إلا التخلي عن إيران، ما يعني استبعاد حزب الله من السيطرة على لبنان وإلغاء وجود المحور الإيراني في الدولة السورية.

السيناريوهات القادمة، أشد وطأة وأكثر ضرراً، فلا يبدو أن واشنطن ترغب في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام الإيراني بشكله الحالي، وما قانون (سيزر) اليوم إلا مرحلة ليست الأخيرة في هذه الحرب الاقتصادية.

لربما أن قيادات النظام السوري وقيادات حزب الله لديهم من المخزون ما يكفيهم لقرون على المستوى الشخصي، لكن إذا ما استمروا في السيطرة على سوريا ولبنان، لن يكون أمام هاتين الدولتين، إلا سيناريوهات أشد ظلمة من جوع فنزويلا وفشل أفغانستان والصومال.

وعلى الرغم من التصريحات الإيرانية عن جاهزيتها للحوار؛ إلا مع الولايات المتحدة، وفي تأكيد وزير الخارجية الإيراني على أن إيران جاهزة لبدء حوار إقليمي مع جيرانها الخليجيين، تصب في اتجاه انفتاح إجباري، إلا أن هذا السيناريو سيظل مستبعداً إلى حدود بعيدة، خصوصاً وأنه سوف يشمل بالتأكيد انكفاء إيران عن دعم الأسد وحزب الله، كما أن أية اتفاقات بدون واشنطن، لن تكون كافية لرفع العقوبات، وذلك دليل عدم إصغاء واشنطن إلى أي من الدعوات الأوروبية السابقة عند قرارها الانسحاب من الاتفاق النووي.

كما أن الخلاف داخل الخط الأوروبي واضح أيضاً بخصوص إيران وسوف يزداد انشقاقاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والقرارات الأوروبية الأخيرة ضد حزب الله، والدعوات البريطانية الواضحة والمباشرة بتغيير الاتفاق النووي السابق إلى اتفاق بشروط الرئيس ترامب، وأخيراً لا يبدو أن دول الخليج على استعداد للدخول في أي حوار مباشر مع طهران دون مشاركة أميركية.

فرضُ عقوباتٍ جديدة وأكثر دقة على إيران وأذرعها هو السيناريو القادم، حتى ذهاب إيران إلى الحوار المباشر مع واشنطن، والذي من الممكن أن يؤدي إلى ما هو إيجابي لإيران، فالإدارة الأميركية الحالية تسعى إلى انتصار سياسي وإعلامي ضخم، ولربما اتفاق جديد مع إيران يكون كافياً، أو على إيران الصبر حتى عودة الديموقراطيين إلى البيت الأبيض وهو ما يبدو مستبعداً في الانتخابات القادمة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.