من #حلب إلى #تدمر، تحوّلت العديدُ من الكنوز المعمارية في #سوريا إلى رُكام، لكن الترميم بدأ؛ لتظهر المعالم من بين الأنقاض من جديد.

كان مركز حلب أعجوبةً ودليلاً على التحام الإنسانية بالحجر. لقد كان تجسيداً للثروة المادية والثقافية التي جعلت من سوريا ذات يوم؛ واحدةً من أكثر الأماكن حظوةً وحضارة على وجه الأرض، (كاليفورنيا الشرق الأوسط)، تتمتع بالمناخ والأرض الخصبة والجمال المادي وموقعها بين البحر الأبيض المتوسط ​​و#طريق_الحرير إلى الشرق.

(ولايتي الجميلة)، كما أطلق على سوريا الإمبراطور البيزنطي #هرقل في القرن السابع أثناء انسحابه أمام جيوش الفاتحين المسلمين، حيث وصفها حينها بحسرة: «يا لها من جنة للعدو».

ففي حلب، كانت هناك ولا تزال القلعة الرابضة على جبلٍ صغير تحيط بها أسوار ضخمة. ثم كانت هناك الأسواق، وهي شبكة ضخمة من الأزقة والشوارع المغطاة ومساحات مملوءة بالسلع والمنتجات بقدر ما هي مملوءة بفنون وأعمال البناء، حيث ستعرف جواهر العمارة – بوابة متعددة الألوان أو قبة هادئة – وسط الحركة والفوضى، وزخارف الأرابيسك مزينة للجدران والكابلات الكهربائية ووحدات التكييف.

كما يجب ألا ننسى أن هناك #الجامع_الأموي، الذي بني في غور يوناني قديم، وسمي على اسم الأسرة التي أقامته في القرن الثامن، لكن بناءه الباقي جاء في فترات لاحقة.

وتمثل هذه الأجزاء الثلاثة سوريا، التي تم بناؤها على مدى آلاف السنين، واحتلتها الإمبراطوريات والسلالات واستعادتها. لقد كانت دولة سجلت أروع التحف المعمارية في التاريخ: مدينة تدمر الصحراوية ذات التأثير الروماني، ومساجد وقصور الأمويين والعباسيين والعثمانيين، والقلاع الصليبية، وما كان في القرن الخامس أكبر كنيسة في العالم: دير القديس سمعان في ريف حلب.

ولعل أهم ما نتذكره، هو الهندسة المعمارية وروح الاختراع الحر والبهجة، والتي يمكن العثور عليها في تيجان الأعمدة في كنيسة (سانت سيمون)، حيث صُممت أوراق الشجر الرصينة للعمارة الكلاسيكية، لتبدو وكأنها تهب في مهب الريح.

ونجد شيئاً مشابهاً في فسيفساء الجامع الأموي في #دمشق، حيث تظهر الجنة الخضراء على خلفية ذهبية، أو في تدفقات الأقمشة شبه المثيرة على التماثيل التدمرية.

لقد كان الإرث المعماري السوري ضحية معروفة وأداة دعائية للحرب الأهلية التي مزقت البلاد. فقد اشتهر تنظيم #داعش بتفجير المعابد والمقابر في تدمر، بما في ذلك الرسومات والمنحوتات الدقيقة التي احتوتها. وعمل التنظيم على التأكد من أن يشهد العالم بأكمله هذه الجريمة.

كما دمّر جهاديو التنظيم #دورا_أوروبوس (صالحية الفرات)، وهي مدينة أثرية سورية تقع في# بادية_الشام بريف# دير_الزور  الشرقي وتضم أول كنيسة منزلية في العالم ورسومات كنيس يهودي تعتبر الأجمل، في بحثهم عن اللقى الأثرية.

لكن كما أشار الكاتب “ياسين الحاج صالح” في عام 2016، فيما يتعلق بجرائمهم ضد البشر، كان الغرب مذهولاً بشكل غير متناسب بأهوال تنظيم داعش، «على الرغم من أن عدد ضحايا الأسد فاق عدد ضحايا هذا التنظيم بعشرة أضعاف».

وقد كان دمار مركز مدينة حلب؛ خسارةً بشرية وثقافية أكبر من مدينة تدمر، حيث غالباً ما يُقال إن حلب هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم، وقد دمرتها المعارك بين #القوات_الحكومية والمعارضة المسلحة.

وفي مواجهة هذا الكم من الدمار، سيكون رد الفعل الطبيعي هو اليأس. فالحرب لم تضع أوزارها بعد، والكارثة الاقتصادية تتفاقم بفعل كل من العقوبات وجائحة #كورونا.

ومع ذلك، فإن جزء من عمليات الترميم وإعادة الإعمار قد بدأت بالفعل، وفي الغالب بتمويلٍ خارجي. فصندوق (الآغا خان) للثقافة، على سبيل المثال، يدعم اليوم إعادة بناء بعض أسواق حلب.

كما تم ترميم عدد من الكنائس بمساعدة أبرشيات أجنبية. وفي بعض الحالات، يبذل رجال أعمال وشركات خاصة ما في وسعهم للترميم والإصلاح وإعادة فتح الأسواق.

ويجري اليوم ترميم الجامع الأموي. فها هي مئذنته، التي انهارت عام 2013، ترتفع من بين الأنقاض مرة أخرى. وقد تم مسح 2000 جزء منها وفهرستها ووضعها مثل لعبة “أحجية الصور المقطّعة” في الفناء.

ويتم تمويل هذا العمل من قبل الحكومة الشيشانية لأسباب سياسية على ما يبدو. ولم يتم الإشارة إلى الرئيس الشيشاني #رمضان_قاديروف لحساسية الموقف.

كما أن متحف الفن الإسلامي في #متحف_بيرغامون في #برلين، الذي تضم مجموعاته غرفة خشبية منحوتة من حلب وقطعة كبيرة من القصر الأموي تبرع بها السلطان العثماني “عبد الحميد الثاني” إلى القيصر #غليوم_الثاني، يقوم بدوره أيضاً.

فقد جمعت مبادرة التراث السوري التابعة لهذا المتحف أرشيفاً من 200 ألف صورة لمواقع سورية التقطت قبل الحرب من أجل المساعدة في أعمال الترميم وإعادة التأهيل.

كما وثقت المبادرة المذكورة، المباني التاريخية والأضرار التي لحقت بها، حيث يقوم بتحليل أشكال وتخطيطات الأحياء السكنية، بحيث تتبع إعادة البناء أنماطها.

ودعت السوريين لتسجيل قصص عن حياتهم وعملهم. وقد أوجدت رابطاً، على حد تعبيرها، «بين المجتمع العلمي الدولي والسكان المحليين، فالعلماء الذين يتشاركون المعرفة التاريخية مع المجتمع المحلي، يشاركون ذكرياتهم في أماكن تاريخية معينة».

ويجلب هذا العمل خيارات ونقاشات، غالباً ما يكون محورها الفرق بين تدمر وحلب. فلطالما كانت مدينة تدمر ملاصقة للتراث السوري، لكن ورغم جمالها، فإن المدينة كما كانت جزئياً قبل الحرب الأهلية، وحياً من خيال ابتكره علماء الآثار خلال #الانتداب_الفرنسي بعد #الحرب_العالمية_الأولى.

لقد أزالوا منازل العرب التي شيدت على أنقاض المدينة على مدى قرون وأعادوا تشييد المباني المتهدمة. وبذلك صنعوا نسخة من تدمر لم تكن موجودة من قبل.

كما احتوت مدينة تدمر ولفترة طويلة، سجناً سمي باسمها، وكان مركز التعذيب هذا أحد أكثر الأماكن جهنميةً على وجه الأرض. ومن المفارقات أن هذا السجن كان يقع على بُعدِ ميلٍ واحد فقط من السياح الذين يترجلون من حافلاتهم الفاخرة. فقرب هذا السجن من الموقع السياحي يسلط الضوء على الانفصال بين التصورات الخارجية للبلاد وتجارب مواطنيها.

لهذه الأسباب، تُمثّل الآثار القديمة التراث الأكثر إثارة للإعجاب خارج سوريا، وليس التراث الذي يعيشه السوريون أنفسهم. هذا لا يعني أنه لا ينبغي إعادة بنائه، فقط أنه ليس الأولوية الأكثر إلحاحاً اليوم.

يقول “ستيفان ويبر” مدير متحف الفن الإسلامي في برلين: «يمكن إصلاحه في أي وقت لاحق»، مستشهداً بمثال كاتدرائية Frauenkirche في دريسدن الألمانية، والتي استغرقت 60 عاماً لإعادة بنائها بعد أن قصفها الحلفاء عام 1945.

وطالما أن إدارة الأنقاض وحفظ وتسجيل الأحجار يتم بشكل صحيح، وما زالت الهياكل قائمة ومستقرة، فيمكن لـ تدمر أن تنتظر.

ويُقارن “ويبر” حلب ببرشلونة أو #فلورنسا، اللتين تكمن عظمتهما في مجمل ما في المدينة، حيث يقول: «لقد تميزت بتعدد الأديان وتراثها غير المادي، وموسيقاها وطبخها».

«ما يميز هذه المدينة، هو تراثها الثقافي الحي»، تضيف “ديما ديوب” مهندسة معمارية من حلب تعمل الآن في برلين لصالح مبادرة التراث السوري. وتتابع قائلةً: «الأولوية ليست للكنائس أو المساجد، بل لعودة الناس. نحن بحاجة لمساعدة الناس في إعادة بناء منازلهم وسبل عيشهم».

لذلك فإن الأسواق، التي تحوّلت بعضها إلى ركام بفعل القنابل، والمناطق السكنية هي الأكثر أهمية. ويؤكّد “تييري غراندين” مهندس معماري يعمل في صندوق (الآغا خان) للثقافة، بأن ترميمهم لبعض الأسواق «قد ترافق مع جهود لضمان عودة أصحاب المتاجر الأصليين. كما أنهم يساعدون البنائين المحليين على تطوير تقنياتهم، وتدريب البعض ليقوموا فيما بعد بتدريب البعض الآخر، بحيث تستمر المهارات والأعمال في المستقبل».

إنها مهمة كبيرة في بلدٍ لا يزال يركز في الغالب على البقاء على قيد الحياة. ففي عملية استغرقت حتى الآن خمس سنوات، أُعيد بناء أو تأهيل 650 متراً من السوق المغطى، من إجمالي 9 كيلومترات.

ويرى “غراندين” أن الأمر سيستغرق «من 10 إلى 20 عاماً، على الأقل». وكذلك الجودة ستكون مختلفة. وتقول ديوب: «بالنظر إلى الخبرة والتمويل المتاحين الآن، فإنني أحيي كل ما يحاول الناس القيام به. ولكن على المستوى الفني يمكن القيام بأفضل من ذلك».

وفي الوقت الحالي، لا توجد استراتيجية شاملة، سوى الجهود المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات الخارجية. وبالنظر إلى أن النظام لا يزال في السلطة، فمن المستحيل التنبؤ بمدى حُسن إدارته لمصالح النسيج الحضري للبلاد.

 

المصدر : (the Guardian)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.