أعاد #داعش تنظيم صفوفه، مستفيداً من انتشار جائحة #كورونا لتنفيذ هجماته. فبحسب بيت خبرة “مركز الأمن العالمي”، قام تنظيم داعش في شهر حزيران / يوليو 2016 بتفصيل تنظيمه العالمي بدقة.

فقد ضمت دولة “الخلافة” المعلنة 35 ولاية، بما في ذلك 19 في سوريا والعراق، مهد التنظيم. وتألفت “الحكومة” من 14 “وزارة” أو “ديوان” وخمسة “إدارات”.

وقد أشرفت إدارة قاسية للغاية، يمكن مقارنتها بمنظومة “على الطراز السوفيتي”، على عمل الولايات تحت قيادة الوالي، الذي يتمتع بالكثير من الصلاحيات فيما يتعلق بالشرطة، بما في ذلك شرطة الآداب مع قسم نسائي، والعدالة، والصحة، والتعليم، والمالية، والإدارة اليومية، …إلخ. وكان لدى التنظيم حينها ثلاثة “جيوش” يبلغ مجموع مقاتليها 36 ألف مقاتل.

في الأعوام 2017 – 2019، تم القضاء على نحو 43 من قادة التنظيم المعروفين، من بينهم خليفتهم #أبو_بكر_البغدادي، الذي قتل ليلة 26 إلى 27 تشرين الأول / أكتوبر 2019 خلال غارة للقوات الخاصة الأميركية على قرية #باريشا بمحافظة #إدلب في سوريا، على بعد خمسة كيلومترات من الحدود التركية. كما تم القضاء على نحو 79 من الكوادر ذوي المستوى المتوسط ومئات المقاتلين النشطاء خلال نفس الفترة.

وفي 23 آذار / مارس 2019، وبعد السيطرة على آخر جيوب تنظيم داعش في #الباغوز، أعلن #التحالف_الدولي أن الحرب ضد داعش قد “انتهت بالنصر”.

لكن وأن كانت دولة “الخلافة” المزعومة قد اختفت فعلياً في طريقة عملها وإدارتها، فإن جهاديي التنظيم قد انتشروا في كل البقاع وفقاً لمبدأ كرة الزئبق، التي تنفجر إلى آلاف القطرات عندما تسقط على الأرض.

وبالتالي ووفقاً للخطط الموضوعة مسبقاً، نفذ تنظيم داعش “عودته إلى الصحراء”، في إشارة إلى هجرة النبي محمد عندما أجبر على الفرار من #مكة، من خلال إعادة تنظيم نفسه في خلايا مستقلة.

أما الخليفة الجديد، المعين رسمياً في 31 تشرين الأول / أكتوبر 2019، فسيكون أمير محمد سعيد الصلبي المولى الملقب بأبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وهو زعيم إقليمي عراقي سابق في محافظة #تلعفر شمال غربي العراق، في إمارة العراق الإسلامية، التي سبقت نشوء داعش.

ويستمر الجدل حول حقيقة أنه لا يمكن أن يكون، كما يدعي، من نسل النبي محمد لأنه من أصل تركماني. وإذا ما تم إثبات هذه الحقيقة، فإن موقعه كـ “خليفة” يمكن أن يكون موضع تساؤل.

إعادة ترتيب البيت الداخلي للتنظيم 

يفترض أن يكون لدى تنظيم داعش اليوم مجلس استشاري (مجلس شورى) يتألف من خمسة أعضاء برئاسة أحد إخوة البغدادي، الحاج جمعة عوض البدري، و “لجنة مفوضة” (أهم هيئة قيادية) تتكون كذلك من خمسة أعضاء برئاسة سامي جاسم محمد الجبوري الملقب بالحاج حامد، وهو “وزير المالية” السابق لدولة “الخلافة”.

وكل عضو في هذه اللجنة المفوضة مسؤول عن “حقيبة”: الأمن، والبنية التحتية، والشؤون الدينية، والدعاية، والشؤون المالية. ويتمثل الاختلاف الرئيسي مع التنظيم السابق في أن “اللجنة المفوضة” هذه، ونظراً لتفكك تنظيم داعش وصعوبة الاتصال المباشر، قد نقلت المزيد من المهام إلى المستويات اللامركزية التي تعمل بشكل مستقل للغاية وهي تمول نفسها ذاتياً.

لكن سيكون هناك خمس وزارات وإدارة (مسؤولة عن العلاقات اللوجستية مع الولايات المعزولة) وست ولايات: ولاية الشام لسوريا، وولاية العراق، وولاية خراسان لأفغانستان وباكستان والهند وسريلانكا وجزر المالديف، وولاية شرق آسيا لإندونيسيا والفلبين وماليزيا وكمبوديا (لا نعرف في أي ولاية تقع بنغلادش)، وولاية طاجكستان، وولاية سيناء.

ومع ذلك، فقد تبين أن 23 مجموعة احتفظت باسم “ولاية” قد بايعت الخليفة الجديد في شهر كانون الأول / ديسمبر 2019. ويمكن تفسير ذلك حقيقةً أنه إذا كانت المجموعات، التي تفتقر أحياناً للعناصر النشطة، تدّعي بأنها من داعش من خلال تسمية أنفسهم بـ “ولاية”، فإنه لا يزال من الضروري أن “يقبل” الخليفة هذا الولاء بشكل جيد ومناسب.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت قيادة تنظيم داعش قد حددت فعلياً ست ولايات في شهر تموز / يوليو 2018، فهناك مسألة القارة الأفريقية، ناهيك ولاية الصومال الرسمية.

ففي الواقع، هناك “الإمارة الإسلامية للصحراء الكبرى”، التي كان من الممكن أن تستوعبها الإمارة الإسلامية لغرب إفريقيا، والتي تستند إلى فصيل منشق عن #بوكو_حرام والذي لا يزال زعيمها التاريخي أبو بكر شيكاو يدعي انتمائه للحركة السلفية الجهادية بالرغم من طرده منها.

ثم هناك ولاية وسط إفريقيا التي تغطي دولتين، جمهورية #الكونغو_الديمقراطية وجزء من غرب #أوغندا وموزمبيق، حيث كان تنظيم داعش قد سيطر على الجزء الشمالي من البلاد دون أن تتمكن القوات النظامية، بدعم من جنوب إفريقيا والشركة العسكرية الخاصة فانغر، من استعادتها.

وبحسب التصريحات الرسمية، فإن هذه “الولايات” نشطة للغاية. ووفقاً للبنتاغون، هناك زيادة بنسبة 7٪ في العمليات الهجومية في منطقة الساحل منذ عام 2017 مع إشارة استفهام: لمن تنسب هذه العمليات، تنظيم داعش أم تنظيم القاعدة؟ مع العلم أن هذه العمليات يتبناها الطرفان في بعض الأحيان.

استغلال داعش انتشار فيروس كورونا 

في الدول الغربية، تسببت جائحة الفيروس التاجي في انخفاض وتيرة عمل مكافحة الإرهاب الذي تمارسه قوات الأمن المحولة عن مهمتها الأساسية. لكن كورونا قدّم قبل كل شيء حجج ودوافع جديدة للسلفيين الجهاديين لتجنيد نشطاء جدد.

لقد وصفت الجائحة بالفعل، وكما كان متوقعاً، بأنها “عقاب إلهي” على “الكفار” الغربيين و “عبدة الأوثان” و “من خان الإسلام”.

وفي ربيع عام 2020، كانت هناك زيادة كبيرة في الدعوات للتحول إلى الإسلام والانضمام إلى تنظيم داعش وساحات الحرب هناك، لأنه لا يمكن لفيروس كورونا طبعاً الوصول إلى عناصر داعش الذين يحملون “العقيدة الحقيقية”.

ولكن ونظراً لأن السفر عبر الحدود أصبح الآن أكثر ندرة وتحت تشديد رقابي، فإن “الأنصار” مدعوون للقيام بعمليات الهجوم أينما كانوا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاجات داعش عبر أجهزتها الإعلامية المختلفة دائماً ما تقدم حالة رعب مطلقة وهي تشرح، على سبيل المثال، تقنيات مختلفة لقطع الرؤوس. وكالعادة لا يسعى تنظيم داعش إلى “كسب القلوب والعقول” بل إلى الإرهاب.

وهذه أيضاً إحدى وسائل التنظيم للتجنيد، لأن البهيمية التي يدعو إليها تجذب أتباعاً جدد يبحثون عن الاعتراف بهم، حتى لو كان ذلك من خلال الإرهاب.

تنظيم داعش يعود إلى الهجوم 

في عام 2019، نفذ تنظيم داعش أو ألهم على الأقل بتنفيذ مئات الهجمات حول العالم. وقد تضاعفت هذه الهجمات بشكل خاص في #نيجيريا و#مالي و#بوركينا_فاسو والجزائر.

ففي شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي، وقع ما لا يقل عن 60 هجوماً في إطار “عملية الانتقام” تكريماً لـ “للشهداء” أبو بكر البغدادي والمتحدث باسمه أبو حسن مهاجر في عام 2019 (لقد تم استبدال الأخير بأبي حمزة القريشي). وأظهرت هذه العمليات بوضوح أن التنظيم عاد إلى نظام المعركة، حيث أعاد إطلاق عملياته الهجومية وإن كانت على شكل حرب عصابات.

وتقديرات المسرح السوري – العراقي حالياً هي 4000 مقاتل نشط و8000 مقاتل “احتياطي”. ففي العراق، استغل تنظيم داعش تراجع أنشطة قوات الأمن المحلية والانسحاب الجزئي للأميركيين وحلفائهم لإعادة شن هجماته، لاسيما في محافظات #كركوك و#ديالى وصلاح الدين.

وزعم التنظيم بأنه نفذ 226 هجوماً في شهر أيار / مايو الماضي، مما أسفر عن مقتل وجرح 426 شخصاً على الأقل.

وهدف التنظيم في العراق كما في سوريا ليس المواجهة المباشرة للقوات النظامية، بما في ذلك الأكراد، ولكن خلق مناخ دائم من انعدام الأمن حتى لا يصطف السكان خلف السلطات المحلية أو الحكومية.

وينتج عن ذلك هجمات على القرى ونصب كمائن وهجمات كر وفر. والضحايا الأوائل هم المسؤولون المحليون ورؤساء البلديات وزعماء العشائر ورجال الميليشيات والمسؤولون الميدانيون.

ومع ذلك يقال إن تنظيم داعش قد أضرم النار في المحاصيل الزراعية لجعل السكان أكثر خضوعاً. فبالنسبة لقادة التنظيم، من الضروري أن يعترف السكان بهم على أنهم السلطة الوحيدة، حتى لو لم تكن دائمة.

وفي سوريا، ينشط تنظيم داعش بشكل كبير في وادي الفرات، لا سيما في مناطق الرقة ودير الزور والميادين، وإلى الجنوب في منطقة حوران. واستراتيجيته هي نفسها كما في العراق: الحفاظ على مناخ دائم من انعدام الأمن.

في المقابل، يمكن ملاحظة تضاءل استخدام الفرق الانتحارية بشكل كبير في كل من سوريا والعراق، حيث أصبحت حياة المقاتلين النشطين أكثر قيمة من الناحية التكتيكية، مما يشير إلى أن تنظيم داعش بات لديه موارد بشرية أقل مما كانت عليه في الماضي،  وأن المقاتل المتمرس بات قيمة يجب الحفاظ عليها.

ونجد العكس تماماً في أفغانستان، حيث يتم استخدام الانتحاريين في العديد من عمليات التفجير الانتحارية، كما حدث في شهر آذار / مارس الماضي ضد معبد السيخ في كابول (الذي خلّف 25 قتيلا)، وفي هجوم شهر أيار / مايو أثناء مراسم جنازة في إقليم ننجرهار (الذي خلّف 32 قتيلاً)، والهجوم على مستشفى في كابول في شهر أيار / مايو (الذي خلّف 24 قتيلاً) أو سجن جلال آباد، حيث قتل أكثر من 30 سجيناً وفرّ  أكثر من 270 سجيناً آخرين.

ويفسر ذلك أن تنظيم داعش في #أفغانستان في “منافسة” حقيقية مع #حركة_طالبان المتحالفة مع #تنظيم_القاعدة. لذا فهي مسألة احتلال مقدمة المشهد الإعلامي، لأن الأرض لا تزال مقسمة بالفعل بين القوات الحكومية وطالبان (حوالي 50٪ لكل طرف).

كما أن المفاوضات التي بدأتها #كابول برعاية #واشنطن مع طالبان “المعتدلة” يجب أن تنهار بأي ثمن. وبالتالي، فهو في الوقت الحالي الهدف المحلي لتنظيم داعش، الذي يحاول حشد أولئك المعادين لعملية السلام هذه تحت رايته.

ولعل ولاية سيناء هي واحدة من الولايات الأكثر تعرضاً لهجمات تنظيم داعش، الذي لا يكتفي ببث الرعب – حتى أثناء النهار – في الشمال بل إنه يقترب أكثر فأكثر من وادي النيل.

وباستثناء الشرق الأقصى، وخاصة في الفلبين في جزرها الجنوبية سولو أو بحر جولو، يبدو أن تنظيم داعش أقل هجوماً وفي كل مكان يخوض حرباً ضد السلطات الرسمية، ولكن كذلك ضد تنظيم القاعدة، الأمر الذي يسبب مشاكل خطيرة له، كما هو الحال في أفغانستان والصومال، حيث يسيطر الشباب، وليبيا، والآن في منطقة الساحل والتي كانت استثناءً حتى نهاية عام 2019.

ومع العلم أن معظم نشطاء تنظيم داعش هم من المنشقين المحليين عن القاعدة، فإن داعش بحاجة إلى النجاح على الأرض لجذب المتطوعين الذين تغريهم الانتصارات. كما يقوم التنظيم بتجنيد الكثير من الشباب المعدم والذين يجدون بالانضمام إليه طريقة للتعبير عن تمردهم ضد وضعهم المزري.

وأخيراً، فإن الغرب لم يُنسى بعد، لكن القتال الآن يدور بشكل أساسي في المناطق المذكورة أعلاه. كما الصعوبات في الحركة تمنع وصول “الكوماندوز”.

ومع ذلك، تم إطلاق سراح 40 مداناً بالإرهاب في فرنسا في عام 2019. وينبغي أن يكون هناك 60 آخرون في عام 2020، دون الأخذ بعين الاعتبار “المبادرات الفردية” التي يمكن أن تتخذ في أي وقت من قبل هؤلاء الأفراد المتعطشين للاستشهاد.

وبحسب جان فرانسوا ريكارد، رئيس مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، فقد تم إحباط أكثر من ستة هجمات في الأشهر الأخيرة. ومن المرجح أن تؤدي فترة محاكمة هجمات 2015 إلى اندلاع أعمال عنف جديدة يمكن أن تصاحب الكارثة الاجتماعية والاقتصادية التي ستعيشها البلاد.

وتكمن المشكلة في أن الخيار “الثوري” الوحيد لهؤلاء اليوم هو السلفية الجهادية التي يمثلها أيضاً تنظيم القاعدة المسؤول عن اغتيالات #شارلي_إيبدو في شهر كانون الثاني / يناير من العام 2015.

ويبدو أن بعض السياسيين قد فهموا هذا الأمر، دون أن يدركوا أنهم سيكونون الضحية التالية، لأن السلفيين يعتبرون الملحدين شياطين يجب القضاء عليهم.

 

المصدر: (Atlantico.fr)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.