منذ أن دخلت روسيا كلاعب أساسي في ساحة الصراع داخل سوريا كان هدفها البعيد الوصول إلى منافذ البحر المتوسط، فرسخت نفوذها عبر الاستحواذ على مرفأ طرطوس الاستراتيجي، إضافة إلى ابتلاع ثروات سوريا بعقود حصرية لعشرات السنوات.

لكن الطموح الروسي لم يقف عند سوريا فحسب، بل كانت أعين موسكو متجهة إلى لبنان الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية، عبر وفود وعروض مغرية للاستثمار من قبل الشركات الروسية، فما هو هدف موسكو من التوسع اقتصادياً نحو لبنان؟

هل توجد استثمارات روسية في لبنان؟

لا شك أن المساعي الروسية في الدخول إلى لبنان من البوابة الاقتصادية تحمل في طياتها الكثير من المعاني، لا سيما أن لبنان يعيش اليوم حالة من الفراغ السياسي، الذي انعكس على حياة المواطن وأوضاعه الاقتصادية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

لكن هذا الفراغ السياسي لم يمنع موسكو من التواصل من الأحزاب، والمسؤولين اللبنانيين بشكل مكثف منذ ثلاثة أعوام، لتقديم العروض للاستثمار داخل لبنان.

ولعل أولى الإنجازات التي حققتها موسكو في لبنان كان عام 2018، حيث وقعت شركة “نوفاتك” الروسية، ضمن تحالف مع شركتي “توتال” الفرنسية و “إيني” الإيطالية، على عقود للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية، والتي تقدر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات.

ومع بداية عام 2019 وقعت “وزارة الطاقة” اللبنانية مع شركة “روسنفت” المملوكة من الحكومة الروسية على عقد تطوير منشآت تخزين النفط في طرابلس لمدة 20 عاماً، دون معرفة تفاصيل العقد وشروطه والعائد الذي سيحصل عليه لبنان.

وتهدف روسيا من هذا الاستثمار جعل مدينة طرابلس التي تقع على محاذاة مدينة اللاذقية السورية الساحلية نقطة لبيع وتصدير النفط، الذي تنتجه شركات روسية في شمال العراق.

ومنذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس العام الماضي، بدأت روسيا بتكثيف تواصلها مع المسؤولين اللبنانيين، حيث قدمت الشركات الروسية عرضاً لإعادة إعمار مرفأ بيروت وتوسيعه.

كما زار عدد من المسؤولين اللبنانيين موسكو خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما رئيس الحكومة الأسبق “سعد الحريري” ورئيس التيار الوطني الحر “جبران باسيل” ووفد من حزب الله اللبناني.

وكانت جميع تصريحاتهم مرحبة بالاستثمار الروسي في لبنان، وأهم المشاريع الحيوية التي عرضتها الشركات الروسية كانت: بناء مصفاة محلية لتكرير النفط في منطقة الزهراني خلال مدة لاتتجاوز الـ9 أشهر، وبناء مصفاة إقليمية بمنطقة البداوي في طرابلس، وإنشاء معملي كهرباء، وتوسيع مرفأ طرابلس.

ولعل أكثر العروض والحوافر التي قدمتها الشركات الروسية إلى لبنان تمثلت في طريقة الاستثمار وفق نظام (BOT)، أي أن روسيا ستقوم بتمويل مشاريعها داخل لبنان وتدفع تكاليفه كاملة مقابل أن تحصل على عوائد هذا الاستثمار وإدارته وتشغليه لعدد من السنوات.

وهو ما قد يجبر لبنان لمنح الشركات الروسية امتيازات هائلة كما هو الحال في سوريا التي أجّرت ميناء طرطوس لروسيا لمدة 50 عاماً.

ما علاقة سوريا؟

تريد روسيا أن يكون لها نفوذ في لبنان، امتداداً من نفوذها السوري، وبخاصة في الشمال وعلى الحدود الشرقية الشمالية.

وبحسب تقرير صادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب الإسرائيلية فإن “روسيا حافظت على علاقات مع كافة القوى اللبنانية، من خلال قنوات رسمية وغير رسمية.

في لبنان يوجد أكثر من مليون لاجئ سوري تريد موسكو إعادتهم إلى سوريا للحصول على تمويل دولي لتفعيل ملف إعادة إعمار سوريا الذي يكلف بحسب تقارير الأمم المتحدة نحو 400 مليار دولار، بحسب التقرير.

وأوضح أن العقوبات الأمريكية على سوريا لا سيما قانون قيصر جعل الشركات الروسية غير قادرة على البدء في استثماراتها داخل سوريا بشكل جدي، وبالتالي فإن دخول الشركات الروسية إلى لبنان يشكل فرصة للتهرب من العقوبات من البوابة المالية اللبنانية.

بدوره أشار موقع “اندبندنت عربية” إلى أن «الرغبة الروسية في الاستثمار في قطاع الطاقة اللبناني يهدف إلى الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام السوري، وإنشاء خزانات لتخزين النفط في طرابلس سيسمح بطريق غير مباشرة، وغير خاضعة للرقابة بالتهرب من العقوبات، وتوصيل النفط إلى دمشق عن طريق أنابيب النفط المتصلة بمدينة بانياس السورية القريبة من الحدود اللبنانية».

استثمارات شكلية لأهداف سياسية!

لا شك أن روسيا استطاعت عبر السنوات الماضية الاستحواذ على عدد من الاستثمارات داخل لبنان، لكن السؤال المهم: هل تستطيع روسيا الهيمنة على الاستثمارات اللبنانية لا سيما في قطاع الغاز والنفط؟

هذا السؤال أجاب عنه الكاتب والباحث اللبناني “جاد يتيم” وقال إن: «روسيا استحوذت على صفقة لاستثمار خزانات النفط في طرابلس وعددها 4 خزانات، وضمن بنود العقد أن تقوم الشركة الروسية ببناء 11 خزان آخر».

وتابع أن «هذه الخزانات ستسخدم لتخزين النفط القادم من العراق ومن ثم تصديره خارج لبنان عن طريق مرفأ طرابلس، لكن هناك الكثير من بنود العقد لازالت مبهمة وغير قانونية، لا سيما أن العقد تم مع وزارة الطاقة اللبنانية، في حين أن الموافقة على عقد بهذا الحجم يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء بأكمله، لكن ومع ذلك لم يتم تنفيذ العقد لحد الآن»”.

وأضاف يتيم في حديث لموقع (الحل نت) أن «الخطوة الروسية التالية جاءت بعد أن قدم العراق ومن وراءه الولايات المتحدة عرضاً لتحديث وتطوير مصافي النفط في كل من طرابلس والزهراني، لكن موسكو خشيت من فقدانها الوصول إلى البحر المتوسط، فقاموا بإرسال وفد لشركة روسية إلى لبنان، وقدمت عرضاً لتطوير مصافي النفط هناك، لكن ما تم اكتشافه أن الشركة الروسية كانت وهمية ورأسمالها لا يتعدى 100 دولار أمريكي».

وفيما يخص الحركة الاقتصادية الروسية وجديتها بالعمل داخل لبنان أوضح الكاتب أن «هناك دوافع سياسية روسية أكبر من الدوافع الاقتصادية للدخول إلى لبنان، فموسكو لا تريد سيطرة الإيرانيين بشكل منفرد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، فملف النفط والطاقة بالنسبة للروس ليس فقط ذو طابع اقتصادي وإنما سياسي وأمني بالدرجة الأولى».

في السياق ذاته، أشار الكاتب “جاد يتيم” إلى أن «هناك دعوات لبنانية لدخول الشركات الروسية إلى لبنان والاستثمار فيه، لكن هناك خشية من الموقف الأمريكي الذي لايريد لموسكو الدخول إلى لبنان، وفي ذات الوقت الحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة تصريف أعمال لايمكن أن تتخذ أي قرار».

وختم يتيم حديثه بالتأكيد على أن «أي استثمار في الوضع الحالي يجلب المنفعة إلى لبنان، ولكن القدرات الروسية على الاستثمار هي قدرات منخفضة، فهي ليست بحجم الاستثمارات التي يمكن أن تقدمها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن روسيا تعاني من اقتصادها بسبب الحصار وملف أوكرانيا والقرم، وبالتالي روسيا تريد أن تثبت وجودها سياسياً في المنطقة وخصوصاً لبنان لكن بطابع اقتصادي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.