في العراق كلٌ يغني على ليلاه، فالمتظاهرون الذين يقتربون من الاحتفال بمرور عام كامل على مواصلة الاحتجاج ضد الأحزاب الحاكمة يفكرون في “الإزاحة الجيلية” التي إن لم تحدث خلال الانتخابات المبكرة المقبلة، قد لا تحدث أبداً، إلا بجيلٍ جديد قد يظهر أو لا يظهر.

يُقابل هذا الجيل الغاضب، جيلٌ من الكهول المتنفذين في دوائر الدولة ومؤسساتها والوزارات والسفارات والقرارات، يفكر هو الآخر بتحديث مواويله لليالي العراق الحزين، يفكر هذا الجيل بالدوائر الانتخابية، التي من المفترض أن يتم تثبيتها في ملاحق قانون الانتخابات الذي أقرّه البرلمان بصيغته المعدلة، استجابة لرغبة المتظاهرين.

جيلان مختلفان بالفكر والإرادة والطموح، الأول يريد حياة حرة وخبزاً وكرامة، والثاني يسعى إلى البقاء في السلطة لتحقيق أهدافٍ لا تخدم إلا دول الجوار، ومنافع حزبية، وتضخيمِ ثروته، وزيادة بأعداد الشقق في لندن وشركات السياحة في تركيا، وإرضاءِ الصديقة العزيزة إيران بأي طريقة من الطرق.

يُفكر كل جيلٍ من هذين الجيلين، بإزاحة الآخر، بل وبقتله إذا وجب الأمر، ولا ينسى العراقيون كيف استخدم جيل الكهول الرصاص الحي والقناصين والاغتيال والعبوات اللاصقة والاختطاف كي يسحق الجيل الشاب، كما لا يمكن نكران أن الجيل الجديد حارب القديم، بحرق مكاتب أحزابه ومقراته ودفعه إلى الانهيار.

حرب الإزاحة الجيلية، لم تكن لتحدث لولا الانغلاق الذي مارسه الجيل القديم على نفسه، وخدمة أحزابه وأفراده، ومنع أي دماء جديدة تشاركه الحكم وتفكر إلى جانبه وتخدم البلاد والهوية الجامعة، كما أن قمع الحراك المؤيد للإصلاح وتحسين الأوضاع، وقتل صوت الرفض، دفع الجيل الجديد إلى تأييد مبدأ أن لا حل إلا بالإزاحة الكاملة لجيل الكهول.

يتمنى نوري المالكي أن يصحو غداً ويكتشف أن “ثورة تشرين” كانت كابوساً وليست أكثر من ذلك، وهذا الأمر ينطبق على بقية رؤساء الكتل والأحزاب، الذين ابتلعوا أرض العراق وسماءه، ولم يتركوا غير ميادين الاحتجاجات للعراقيين، كما يتمنى جيل المحتجين أن ينام ثم يصحو دون وجودٍ للمالكي ورفاقه في حزب الدعوة.

ومع أن الفكرتين غير واقعيتين، إلا أنهما منطقيتان جداً، وهو ما يدور في ذهن المالكي الذي تزداد خسارته يوماً بعد ثانٍ، وفي ذهن المحتجين الذين يخسرون من أعدادهم كل يوم جرّاء الاغتيالات التي لم تتوقف.

واقعياً، إن حرباً تدور حالياً بين الأحزاب والبرلمان وقادة القرار في البلاد كجبهة أولى، وعلى الجبهة الثانية يقف المتظاهرون إلى ما ستؤول إليها الأمور بشأن “الدوائر الانتخابية” التي ستُحدد شكل وطبيعة ونتائج الانتخابات المبكرة المقبلة، والتي قد تسفر عن “إزاحة جيلية” أو ربما لا تسفر.

يريد المالكي وأصدقاؤه من الوافدين إلى العراق عام 2003 أن يبقى الاعتماد على طريقة التمثيل النسبي مع معاملة المحافظة كدائرة واحدة وفقاً لنظامي القوائم المغلقة والمفتوحة، كما جرت التجارب الانتخابية السابقة، وهو ما يسمح بفوز القوائم الكبيرة على حساب نظيراتها الصغيرة والأحزاب الفتية.

ولكن المتظاهرين ويقف إلى جانبهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وفريق المستشارين وأصدقاء مصطفى الكاظمي وكذلك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يريدون جميعهم طريقة “الدوائر المتعددة”، وهو أن تتحول المحافظة الواحدة إلى عدة دوائر انتخابية بحسب عدد المقاعد المخصصة لها في البرلمان، ويفوز بالمقعد صاحب أعلى الأصوات ضمن الدائرة بغض النظر عن تسلسله في قائمة الترشيح، وهو ما يسمح باستفادة جميع المرشحين عن دوائرهم الانتخابية.

عبر اختيار شكل الدوائر سواءً كانت متعددة أم دائرة واحدة، يتم معرفة ما إذا كانت ستتحقق “الإزاحة الجيلية” أم أنها قد ترجع إلى خانة الأحلام الجميلة، كما الحال مع الهتاف الأشهر: “شلع قلع”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.